سيّد أكبر آغا لـ"العربي الجديد": الشروط الأميركية تعرقل المفاوضات مع طالبان

09 فبراير 2020
لا يبدي سيد آكبر آغا تفاؤلاً بالحوار (العربي الجديد)
+ الخط -
تحيط أجواءٌ من الغموض ومخاوف كثيرة بعملية المصالحة الأفغانية، وتحديداً الشقّ المتعلق بالحوار بين حركة طالبان وواشنطن، الذي تستضيفه الدوحة، في ظلّ مواقف متباينة لأطراف الصراع، والخلافات بين الحركة والولايات المتحدة، وخصوصاً خلال جولة الحوار الأخيرة. ويؤكد المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية، زلماي خليل زاد، أنه لا يزال ينتظر ردّ "طالبان" بشأن وقف إطلاق النار، أو ما يُسمى خفض وتيرة العنف، معترفاً بعدم حصول تطور ملحوظ خلال اللقاءات الأخيرة في العاصمة القطرية.
بدوره، يشير المتحدث باسم المكتب السياسي لـ"طالبان"، سهيل شاهين، إلى ظهور خلافات جديدة بين الحركة وواشنطن، ملقياً باللوم في ذلك على الأميركيين.
وسبق أن أوضحت مصادر رفيعة في الحركة لـ"العربي الجديد"، أن السبب وراء عدم وجود نتيجةٍ ملموسةٍ بعد للحوار، وضع خليل زاد كل مرّة مطالب جديدة على الطاولة. وفيما لا تزال المواقف متباينة حيال المصالحة، تبرز تساؤلات كثيرة عن مستقبل هذه العملية، بل مستقبل أفغانستان برمتها، في حال فشل الحوار.


وبينما لا تزال العديد من تفاصيل ما يدور في الغرف المغلقة للمفاوضات غير واضحة، يتحدث القيادي السابق في "طالبان"، وزير العدل في حكومتها، سيد أكبر آغا، لـ"العربي الجديد" عن رؤيته للتطورات من منطلق معرفته الجيدة بتفكير "طالبان" والحكومة في كابول والوضع العام في أفغانستان.
كغيره من الأفغان، لا يبدو أكبر آغا، الذي لا يزال يحتفظ بنفوذٍ في أوساط "طالبان"، شديد التفاؤل بشأن قرب نجاح عملية الحوار، لكنه في الوقت ذاته لا يتوقع فشلها بالكامل، معرباً عن اعتقاده أن للأجواء العامة في المنطقة تأثيراً في حوار واشنطن – طالبان، وأن ما تواجهه العملية أخيراً من عقبات، يعود إلى التطورات والتوترات السائدة في المنطقة، وقضية محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الكونغرس التي انتهى آخر فصولها بتبرئته من تهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس.
ويوضح وجهة نظره، قائلاً إن "التوافق بين واشنطن وطالبان كان نهائياً، وكانت الترتيبات تجري على قدم وساق من أجل التوقيع على اتفاق، لكن الجانب الأميركي أرجأ الأمر، واضعاً شروطاً جديدة على الطاولة فقط من أجل الإرجاء، والسبب هو محاكمة ترامب ووضعه السياسي الداخلي، علاوة على الأحداث خارجية، وتحديداً في ما خصّ ملفي إيران والعراق".
وبرأيه فإن "البرلمان العراقي اتخذ قراره بالدعوة إلى خروج القوات الأميركية من هذا البلد، وبالتالي تريد الولايات المتحدة أن تبقى الأمور في أفغانستان الآن على حالها، إلى أن تهدأ المنطقة، لأنها لا تريد الخروج راهناً من هذا البلد، لكنها ستعود إلى الحوار بعد التهدئة، وبعد خروج ترامب من محاكمته بنجاح". مع العلم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان واضحاً في رغبته بسحب القوات الأميركية من أفغانستان، إذ قال في خطاب حال الاتحاد يوم الأربعاء الماضي إنه "في أفغانستان، مكّننا تصميم مقاتلينا... من إحراز تقدّم هائل، وهناك محادثات سلام جارية"، مبدياً من جديد رغبته في "إنهاء أطول حرب أميركيّة وإعادة قوّاتنا إلى الوطن".
وعلى الرغم من العقبات التي تحيط بالمفاوضات، يبدي سيّد أكبر آغا تفاؤلاً بجهود الدوحة، وعملية الحوار بين الحركة وواشنطن، التي قد تفضي إلى حوار أفغاني - أفغاني في حال نجاحها، لكنه يرى أن ذلك صعب المنال بين ليلة وضحاها، إذ إن دوامة الحرب في أفغانستان معقدة، والوصول إلى وقفها يحتاج إلى وقتٍ أطول وصبرٍ ومثابرة.
وبرأي القيادي السابق في "طالبان"، فإن أطراف الصراع لا يحتاجون إلى الحوار بقدر ما يحتاجه الشعب الأفغاني المتعطش للمصالحة، الذي تخطت توقعاته المُتاح حالياً، محذراً من أنه كلما احتاج الحوار لوقت أطول، "مدد ذلك بقاء الاحتلال الأميركي"، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب الشكوك بعملية السلام.
أما عن شروط واشنطن الجديدة التي تحدث عنها قياديون في "طالبان" لـ"العربي الجديد"، فيؤكد سيد أكبر آغا وجودها، وهو ما خلق العقبات، واصفاً ذلك بالأمر المتعمد. ومن هذه الشروط، كما يقول، وقف إطلاق النار، الذي حولته "طالبان" إلى خفض وتيرة العنف، تبعه شرط آخر، أن يكون وقف النار طويل الأمد، وهو ما لا يمكن الحركة القبول به، وما سيؤدي إلى تعليق الحوار، على أن يعود إليه الأميركيون في وقت لاحق يناسبهم.
وحيال موقف "طالبان" بشأن تلك الشروط، ومدى إمكانية قبولها بوقف النار أو تخفيض وتيرة العنف في أفغانستان، يعتقد أكبر آغا أنها لن تقبل بها، كما تريدها واشنطن وكابول، لأنها ستخسر بذلك قوتها الأساسية وحاضنتها الشعبية. ويعتبر أن التنازل إلى الحد الذي ترسمه واشنطن لا يصبّ في مصلحة "طالبان"، مضيفاً أن الحركة تدرك جيداً أيضاً أن الجانب الأميركي يعمد إلى العبث بالوقت أحياناً، لكنها مضطرة إلى الجلوس معه إلى الطاولة، لأنها إذا رفضت ذلك، فستخسر الشعب الأفغاني أيضاً، لأنه سيعتبر أنها لا تريد الحوار.
أما عن إمكانية خروج القوات الأميركية من أفغانستان، في ظلّ الوضع الأمني المعقد في البلاد، فيرى القيادي السابق في "طالبان" أن الشعب الأفغاني اليوم بدأ يشكك في صدق نيات واشنطن بالخروج، وهو شكّ يرتفع منسوبه كلما طال أمد الحوار من دون نتائج. على الرغم من ذلك، يرى أكبر آغا أن الأميركيين قد يكونون في نهاية المطاف مجبرين على الخروج من أفغانستان، بسبب وجودهم في العراق، وضلوعهم في الحرب السورية، ومواجهتهم لمشاكل كثيرة في المنطقة، لكنه أمرٌ يحتاج للوقت. ويلفت في هذا الشأن إلى أن الولايات المتحدة لا تريد الاستعجال، وهي تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء وجهها، وهذا الأمر لا ينطبق على واشنطن وحدها، بل على جميع أطراف الصراع الذين يبحثون خدمة مصالحهم. فالجانب الأميركي يريد بموازاة استعداده للمغادرة، الصلح مع "طالبان" بشكل يحافظ على مصالحه وما جاءت قواته من أجله إلى هذا البلد، وصرفت له مليارات الدولارات.
وبرأيه، إن الأميركيين يرغبون في الانسحاب، ولكن ليس بشكلٍ كامل، بل سيبقون على جزء من قواتهم في أفغانستان، ما يعني على حدّ تعبيره، خروجاً من الباب وعودة من النافذة، وذلك لتمسك واشنطن في الحفاظ على عمقها في هذا البلد، وسط خشيتها من ملاقاة مصير السوفييت، ما يعني أنها تريد الخروج، والبقاء في الوقت ذاته بصورة أو بأخرى.
يذكر أن أكبر آغا، بعد سقوط "طالبان"، شكل تنظيم "جيش المسلمين" ضد القوات الأميركية وذلك قبل أن تنظم الحركة صفوفها. اعتقل في باكستان أواخر عام 2004 وسُلِّم للأميركيين، وأمضى في السجن خمسة أعوام في أفغانستان، ثم أفرج عنه في أوائل عام 2010 بوساطة من الرئيس الأفغاني في ذلك الحين حامد كرزاي، بشرط ألا يغادر كابول. يترأس حالياً تنظيم شورى النجاة ويعمل للمصالحة.
ولا يوافق أكبر آغا على مصطلح بحث "المصالحة" مع الأميركيين، لأن المصالحة يجب أن تكون بين الأفغان، والوجود الأميركي هو احتلال وعقبة في وجه ذلك، ما يعني أن على حوار الدوحة بحث مسألة إنهاء الاحتلال، وأن نجاحه يفتح الباب أمام الحوار الأفغاني. أما إذا استمر الاحتلال، فيعني ذلك ذهاب المصالحة نحو المجهول.
لكن ذلك سيصبّ في مصلحة "طالبان"، لتيقين الشعب حينها أن الوجود الأميركي وبقاءه هو السبب في استمرار دوامة الحرب، ما يدفعه إلى الانتفاض عليه.
إلى ذلك، يوجه أكبر آغا انتقاداً قوياً إلى موقف الحكومة الأفغانية، وخطتها للحوار، معتبراً أنها ورئيسها أشرف غني في حالة "انزواء تام"، مع وجود "تصدعات كبيرة" في داخلها واختلافات في الرأي حيال المصالحة، حيث إن الرئيس التنفيذي في الحكومة عبد الله عبد الله يعارض سياسة الرئيس بشأن المصالحة، وكذلك سياسيون بارزون في البلاد، في ما خصّ موافقته على الحوار مع "طلبان" دون قيد أو شرط، ما لم يترك لغني وزناً كبيراً في عملية المصالحة، فيما تؤكد "طالبان" أهمية الحوار مع الحكومة، لتشكيل أخرى تكون جزءاً منها، وليست محتكرة لها.
أما بشأن الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، ومستقبل الحكومة، فيرى أكبر آغا أن الاستحقاق الانتخابي الأخير كشف عن الوجه الحقيقي للحكومة، متسائلاً عن كيفية اعتماد المجتمع الدولي على حكومة جاءت بأصوات أقل من مليون ناخب، ولا يعترف بها كل من الشعب و"طالبان". وعن رأيه في الحل، يرى أن الحل الوحيد هو توافق "طالبان" وواشنطن على حكومة انتقالية، لأن الصيغة التي يروّج لها الرئيس ورموز الحكومة لا جدوى منها، إذ إنها لن توصل الشعب إلى حل دائم، وإلى الأمن والاستقرار.
ووسط أحاديث كثيرة تثار حول حركة "طالبان" وتصدعات موجودة بداخلها، وتكهنات حول مستقبلها، ينفي القيادي السابق في الحركة كل ذلك، ويدحض وجود خلافات داخلها حيال موضوع المصالحة، معتبراً أن هذه الأحاديث هي من باب الحملات الدعائية التي تطلق في حالة الحرب. لكن كبير آغا يجزم في المقابل، بعدم إمكانية "طالبان" أن تحكم وحدها، مشدداً في الوقت ذاته على أنها تعلمت الكثير من تجارب عقدين ماضيين، علماً أنها إذا جاءت مرة جديدة للحكم، فإنها ستأتي مع الكثير مما يطمح إليه الأفغان، معطياً مثالاً على ذلك، حقوق المرأة وحرية الإعلام.