تفاصيل "مجزرة النجف": متظاهرون حلموا بوطن فعادوا إلى أمهاتهم جثثاً هامدة

06 فبراير 2020
حزن شديد بعد تدخل أتباع الصدر (حيدر همداني/فرانس برس)
+ الخط -
حتى الساعة الثانية بتوقيت العراق بلغت حصيلة ضحايا مدينة النجف جنوبي العراق، وفقاً لمصادر طبية من مستشفى المدينة 11 ضحية ونحو 140 جريحاً، بعضهم حالته حرجة للغاية، جراء الهجوم الذي نفذه مسلحون تشير الشهادات إلى أنهم محسوبون على التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.


وحتى الآن تشير المعلومات والدلائل المتوافرة لدى الشرطة العراقية في النجف، وكذلك ما أكده ناشطون وشهود عيان وتسجيلات فيديو، بعضها من كاميرات مراقبة، إلى أن منفذي المجزرة يتبعون الصدر، ضمن ما يعرف بـ"فريق القبعات الزرق"، فتحوا النار على المتظاهرين بساحة الصدرين المخصصة للاعتصام بعد مناوشات بالحجارة ثم العصي. وتطور الأمر ليصل إلى حد إطلاق نار من أسلحة خفيفة ومتوسطة عليهم، وذلك إثر هتاف المتظاهرين بشعارات مناوئة للصدر من قبيل "الشعب وحده طلع لا تركب الموجة"، و"النجف حرة وما تقبل ذيوله".
وما زالت تنتشر أعداد كبيرة من قوات الجيش العراقي وأفواج الطوارئ والشرطة الاتحادية في شوارع النجف وأزقتها، مع استمرار تصاعد الدخان من ساحة الصدرين التي أحرقت أغلب خيامها بعد تنفيذ المجزرة، وينتشر في محيطها حالياً أتباع الصدر الذين يرتدون قبعات زرقاً وفقاً لتوجيهات زعيمهم.
النجف التي شهدت مجزرة مماثلة على يد "سرايا عاشوراء" التابعة لعمار الحكيم بعد اقتراب المتظاهرين من مرقد عمه الحكيم، الواقع وسط المدينة، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مع ما رافق ذلك من إحراق القنصلية الإيرانية بالنجف، تعود اليوم لتشهد مأتماً جديد على ضحايا تراوح أعمارهم بين 16 و32 عاماً وعشرات الجرحى، في وقت غصت فيه أبواب مستشفيات بالأمهات اللواتي حاولن رؤية أبنائهن الراقدين فيها.
وفي العاشرة من ليلة أمس الأربعاء كتب الناشط منتظر حامد رسالة على "فيسبوك"، مطالباً رفاقه بمساعدته في كيفية التصرف بموقفه الحالي، قائلاً إنه يتنقل من مستشفى إلى آخر مع أم صديقه مسلم، بعدما أكد أنها كانت تبحث عنه ولم يعرف كيف يقول لها إنه استشهد.

وبدأت الاشتباكات عصر أمس الأربعاء، بعد أن حاولت جماعة "القبعات الزرق" التوغل إلى الساحة بحجة تنظيفها من "المندسين والمخربين والجوكرية (العملاء) الموجودين بين صفوف المحتجين"، الذين يتهمهم الصدر بأنهم ينفذون أجندات أميركية صهيونية. إلا أن المتظاهرين والمعتصمين رفضوا تدخل الصدريين وقيامهم بتفتيشهم، وتوجيه الأسئلة إليهم، معتبرين أن لا صفة قانونية لما يفعلونه، ولا سيما أنهم كانوا يحملون الهراوات والسكاكين وآلات حادة، وهو ما سبّب حدوث مشادات كلامية بين الطرفين.
وقال علي الحجيمي، وهو ناشط من النجف إن أتباع التيار الصدري أصروا على تفتيش الخيم، بحثاً عن قنابل مولوتوف وقناني خمر كما يقولون، لكن المتظاهرين منعوهم حتى تطور الأمر إلى إطلاق الهتاف الشهير الذي يرتبط بمقتدى الصدر وتدخلاته في الحراك الشعبي، وهو "الشعب وحده طلع... لا تركب الموجة"، في إشارة إلى أن الصدر يحاول ركوب الموجة كلما خرجت احتجاجات بالعراق.
وأكد الحجيمي لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الهتاف أزعج الصدريين، وتجاوزوا بالضرب على بعض المتظاهرين، ومن هنا بدأت المشاجرات التي بدأت بالأيدي ثم تطورت إلى استخدام الحجارة ورميها بين الطرفين، حتى لجأ أصحاب القبعات الزرق بعد أذان المغرب إلى رشاشات ومسدسات"، مشدداً على أن العدد الهائل من الضحايا المتظاهرين سقط "بعد أن أحرقت المليشيات خيم المعتصمين ولاحقتهم في الشوارع والأزقة من أجل ضربهم والاعتداء عليهم".
وأكدت مصادر طبية اليوم الخميس، لـ"العربي الجديد" أن "آخر ما سُجل في مستشفى الصدر العام وسط مدينة النجف، هو 11 ضحية و143 مصاباً، وبعض المصابين تلقوا رصاصات في مناطق الرقبة والظهر، وهم في حالات حرجة"، مبينة أن "الهجوم الذي تلقاه المتظاهرون كان عنيفاً، وأن الجهات التي هاجمت الساحات كانت تريد قتل المحتجين، وهذا يتضح من خلال حالات المصابين".

الأمن العراقي يكتفي بالمراقبة
قوات الأمن العراقية، التي اكتفت بدور المتفرج، لم تعتقل أيّاً من المتورطين بالمذبحة حتى الآن، وقال مراسل "العربي الجديد"، في النجف إن أحد الضحايا كان موعد زفافه الأسبوع المقبل، وآخر قالوا لأمه إنه نُقل الى بغداد وهو بحالة مستقرة، غير أن أباه أخذه إلى مقبرة وادي السلام لدفنه.
ونقل مراسلنا عن شهود عيان في المدينة أن حالة الاحتقان تتسع بين سكان النجف في وقت تتردد فيه معلومات عن قرب عقد اجتماع لزعماء العشائر ووجهاء المدينة، فيما تشهد النجف تعطيل الدوام الرسمي للسيطرة على تصاعد الأحداث الأمنية، وتنتشر قطعات عسكرية كبيرة في شوارع المدينة ومداخلها الجنوبية.


وقال زهير الجبوري، وهو مسؤول محلي من النجف، إن "المدينة تشهد اضطراباً أمنياً كبيراً، ولا سيما مع تصاعد حدة الاحتجاجات، وزيادة أعداد المعتصمين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "القوات الأمنية تعمل على فرض القانون ومحاسبة المقصرين الذين يعتدون على المتظاهرين السلميين، وكذلك منع أي محاولات لتسلل المخربين بين صفوف المحتجين".
ووسط حالة الفوضى المتسارعة في المدينة، علّق رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي، على الأحداث، محملاً الحكومة المستقيلة برئاسة عادل عبد المهدي مسؤولية حماية المتظاهرين، وقال في تغريدة له، إن "ما يجري الآن من أحداث مؤلمة يدفعني إلى الطلب من الأخوة في الحكومة الحالية القيام بمهامهم المتمثلة بحماية المتظاهرين، وذلك لحين تشكيل حكومة تلبي تطلعات كل العراقيين وتستمد قوتها من الشعب وتنفذ مطالبه المشروعة والمحقّة".


الصدر يدعو لإنقاذ النجف
ورغم التوتر الذي حدث مساء أمس، إلا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، اختار التعبير عن ارتياحه لما جرى، وقال في تعليق جاء على لسان من يعرف بـ"وزير الصدر"، صالح العراقي عبر "فيسبوك": "لا بد أن يكون لطلبة العلم الكرام، وعشائر محافظة النجف، دور لإنقاذ النجف الأشرف من أيدي المخربين والمندسين بصورة سلمية، ولإنهاء الأيادي الخفية والخبيثة التي تريد النيل من قدسيتها. شكر لله إذ تخلصنا من المخربين والمندسين وأكرمنا بالوطنيين".

وأدانت بعثة الأمم المتحدة قتل متظاهري النجف، مطالبة الحكومة بوضع ضمانات لحماية المتظاهرين لإنهاء العنف.


كذلك أدان سفير الاتحاد الأوروبي في العراق، مارت هيرث، المجزرة، مبيناً أن الترهيب والعنف ضد المتظاهرين على أيدي عناصر مسلحين، الذي سبب وفيات ليلة أمس في النجف، أمرٌ غير مقبول. وتابع: "لا بد من تحديد الجُناة ومحاسبتهم. هذه الافعال الشنيعة تخرب تحقيق أي تقدم سياسي".


وكانت مليشيا "القبعات الزرق"، قد شنّت هجوماً مماثلاً على المحتجين في بابل وساحة الحبوبي بالناصرية، مُستخدمين في هجومهم الأسلحة الخفيفة والمُتوسّطة، وبالرغم من ذلك يواصل المتظاهرون في بغداد، ومحافظات وسط العراق وجنوبه، احتجاجاتهم للشهر الخامس على التوالي، مطالبين بحل البرلمان، ورحيل الأحزاب السياسية "الفاسدة" على حد قولهم، ومحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وإجراء انتخابات نيابيّة مُبكرة تحت إشراف أممي.

المساهمون