حلف "الوفاق" الليبية وتركيا: سلاح الديبلوماسية لمواجهة داعمي حفتر؟

08 يناير 2020
السراج يلتفت نحو الجزائر وتركيا (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
على خلاف ما تدعو إليه أوساط سياسية لجهة قطع حكومة "الوفاق" الليبية علاقاتها مع الدول الداعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر، يبدو أنّ الحكومة تذهب في مسار آخر يتمثل في تكثيف علاقاتها مع دول تبدو أقوى وأكثر تأثيراً من أجل إحداث تغييرات لصالحها.

وكان المجلس الأعلى للدولة، قد دعا، أمس الثلاثاء، حكومة "الوفاق" لقطع علاقاتها رسمياً مع الإمارات واعتبارها شريكة في جرائم الحرب التي ارتكبها حفتر، بالإضافة لدعوتها لاستنكار الدور الذي تلعبه البعثة الأممية في ليبيا بعيداً عن مؤسسات الدولة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، كإقامة المنتديات الاقتصادية دون العودة للحكومة.

لكن دبلوماسياً ليبياً رفيع المستوى، أكد، لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، أنّ "حكومة الوفاق رسمت خططها بتكثيف وجودها في أكثر من موقع سياسي حساس بالإضافة لتحالفها مع تركيا"، مشيراً إلى أن الحكومة أرسلت أكبر مستشاري رئيس الحكومة فايز السراج، وهو الطاهر السني، ليكون مندوباً للحكومة في الأمم المتحدة، إذ اعتمد، أول من أمس، رسمياَ مندوباً لليبيا في الأمم المتحدة.

محاولة ضم الجزائر

وبحسب الدبلوماسي الذي فضل عدم الكشف عن هويته، فإن "لدى السراج قناعة بعدم جدوى إعلان المقاطعة مع مصر والإمارات"، مبيناً في هذا الصدد، أن "السفارة الليبية في القاهرة مقفلة منذ أسابيع، والإمارات رفضت، منذ أعوام، استقبال سفير ليبي تابع لحكومة الوفاق، كما أنها لا تمتلك سفارة في طرابلس.

من جهة ثانية، كشف الدبلوماسي ذاته، والمقرب من الحكومة في طرابلس، عن بقاء بعض مستشاري السراج وشخصيات مقربة منه في الجزائر، رغم مغادرته عقب زيارة عاجلة وقصيرة، الإثنين، تزامنت مع مشاورات أجراها وزير الخارجية التركي مولود جاووش أغلو مع مسؤولي الحكومة في الجزائر.

وتهدف المساعي الليبية التركية، إلى إضافة الجزائر لحلفهما بعدما فشلت مساع مماثلة في أن تكون تونس أيضاً ضمن هذا الحلف، لبناء كتلة ذات ثقل، تواجه المحور الداعم لمشروع حفتر العسكري في ليبيا، وبينما تشير تصريحات المتحدث باسم خارجية حكومة "الوفاق" محمد القبلاوي، إلى تقدم في هذا الاتجاه، يؤكد المسؤول الليبي أنّ المسعى "لم يحقق أهدافه المأمولة حتى الآن".

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية بحكومة "الوفاق" محمد القبلاوي، أكد لقناة "تي أر تي" التركية، أمس الثلاثاء، أن كل الأمور تتجه نحو ولادة "تحالف تركي جزائري ليبي" لمواجهة حفتر.

وفي هذا الاتجاه يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أنّ "السعي لربط تحالف تركي ليبي مع الجزائر له أهداف أخرى"، موضحاً أن "الجزائر يمكن أن تكون بوابة للتقارب التركي الروسي، لما لها من علاقات قوية مع روسيا، تسمح بتبديد المخاوف الروسية من الوجود التركي إلى جانب حكومة الوفاق، خصوصاً أنّ جاووش أوغلو أجرى لقاءات مكثّفة في الجزائر، استبقت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بساعات".

تغيير الموقف الروسي؟

وفي اتجاه تركيز الحكومة على التأثير في مواقف الدول الكبرى الداعمة لحفتر، أكّد البرق أن "الحكومة تُلقي بثقلها في اتجاه تغيير الموقف الروسي من خلال الجزائر، أو العقود التي منحتها إياها حتى الآن، وهي أربعة مشاريع كبرى من بينها مشروعان نفطيان"، لافتاً إلى أن "الحكومة تعول كثيراً على تركيا والجزائر من أجل تغيير الموقف الروسي الداعم لحفتر".

وعن إمكانية تأثير مجريات الأوضاع العسكرية على الأرض، في ظل إصرار حفتر على كسب مواقع جغرافية جديدة آخرها السيطرة على سرت وتهديد مصراته، يشير البرق إلى أن "الحكومة وقادتها لديهم معلومات أكيدة بأن مشروع حفتر عليه علامات استفهام أميركية وأن العديد من العواصم لم تعد راغبة في دخوله للعاصمة طرابلس"، مضيفاً أن "تأكيد الجزائر على أنّ طرابلس خط أحمر، لم يأتِ من فراغ، فدخول حفتر للعاصمة تحت عباءة روسية مرفوض دولياً".

وحتى تركيا التي أكد رئيسها رجب طيب أردوغان، بدء تدفق قواته تدريجياً نحو ليبيا، عاد المتحدث باسم رئاستها إبراهيم قالن، للتأكيد، في تصريحات، أمس الثلاثاء، أنّ أولويتها في ليبيا هي "إيقاف الاشتباكات في أسرع وقت ممكن وتحقيق وقف إطلاق النار". ويأتي هذا التحول في الموقف التركي، بحسب البرق، "بعد تحول كبير في موقف القاهرة، التي تعد أكبر داعمي حفتر، وميلها للحلول السياسية بديلاً لمشروع حفتر رغم استمرارها في محاولة بناء موقف مشترك مع دول عدة لرفض الاتفاق الموقع بين تركيا وحكومة الوفاق تترجمه القمة الخماسية التي تستضيفها القاهرة اليوم".

"خطأ ديبلوماسي" مع أوروبا

وفي مقابل إبلاغ وزارة الخارجية بحكومة "الوفاق" للوفد الأوروبي الذي يضم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، بتأجيل زيارته إلى طرابلس، والتي كان من المقرر إجراؤها، أمس الثلاثاء، عقد الوزراء أنفسهم لقاءً برئاسة ممثل السياسة العليا جوزيف بوريل، في بروكسل، ما يشير برأي البرق إلى "إصرار أوروبي على البقاء في الملف الليبي"، معتبراً أنّ خطوة الحكومة بشأن إدارة ظهرها للأوروبيين "خطاً دبلوماسي" يمكن بشكل كبير أن يؤثر على خطواتها الأخرى.

وأشار إلى أن "أوروبا منزعجة تماماً من الوجود التركي والروسي على حد سواء في ليبيا، وهو الفراغ الذي تحاول القاهرة الاستفادة منه اليوم".

ويرى البرق أن "توجيه ألمانيا دعوة للجزائر للمشاركة في قمة برلين بشكل مفاجئ، وفي هذا التوقيت، هي محاولة أوروبية لقطع الطريق أمام حكومة الوفاق نحو الجزائر"، لكنه في الوقت ذاته يعتبر أن "رهان الحكومة وتركيا على موقف جزائري أقرب بكثير لواقع الملف الليبي بحكم مجاورة الجزائر لليبيا وحيادها من أي سعي أوروبي في الجانب الآخر، وتحديداً في القاهرة، المعروفة بدعمها العسكري والسياسي لحفتر".

المساهمون