أردوغان من الجزائر: اتصالات لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا والذهاب للحوار
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الأحد، رفضه تحول ليبيا إلى ساحة للمجموعات الإرهابية، كاشفاً عن مساع لتثبيت وقف إطلاق النار تمهيداً لإطلاق حوار، فيما أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن "هناك تقارباً في المواقف بين الجزائر وأنقرة بشأن الأزمة الليبية وبشأن ضرورة دعم الحل السياسي".
وقال أردوغان الذي يزور الجزائر، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس تبون، أن ليبيا "لا ينبغي أن تتحول إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية".
وأضاف أن "الحل في ليبيا لن يكون عسكريا"، وكشف عن مساع لتثبيت وقف إطلاق النار تمهيدا لإطلاق حوار بين الفرقاء الليبيين، وقال "نجري اتصالات لضمان وقف دائم لإطلاق النار والذهاب نحو الحوار"
وأشاد الرئيس التركي بالجزائر في منطقة شمال أفريقيا، وقال إن الجزائر "عنصر سلام في المنطقة في هذه الظروف الصعبة"، مضيفا أن أنقرة حرصت على حضور الجزائر إلى مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية. وتابع في هذا الصدد "نحن ممتنون لالتحاق الجزائر بمسار برلين".
وبشأن العلاقات الثنائية، أكد الرئيس التركي أن عوامل الثقة تزداد بين البلدين، موضحا أنه "تقرر نقل تعاوننا مع الجزائر إلى أعلى المستويات، وإزالة كافة العقبات أمام الاستثمارات والعمل المشترك، ورفع حجم التبادلات التجارية إلى خمسة مليارات دولار"، فيما يبلغ حجم الاستثمارات التركية في الجزائر 3.5 مليارات دولار، ووجه أردوغان دعوة رسمية إلى الرئيس تبون لزيارة أنقرة قريبا.
من جهته، أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن "هناك تقارباً في المواقف بين الجزائر وأنقرة بشأن الأزمة الليبية وبشأن ضرورة دعم الحل السياسي"، وقال "لدينا اتفاق تام للسعي لتطبيق ما تم الاتفاق عليه حول ليبيا في برلين".
وأعلن تبون أنه تم الاتفاق على المتابعة المستمرة للتطورات في ليبيا، وبأن تكون هناك اتصالات دائمة بين وزيري الخارجية التركي والجزائري بشأن التطورات في ليبيا، مضيفا أنه تم الاتفاق على استمرار التشاور السياسي بين البلدين وتكثيف التعاون الاقتصادي المشترك.
وأعلن تبون أنه تم الاتفاق على فتح مركز ثقافي جزائري في تركيا، على أن تفتح تركيا مركزا ثقافيا في الجزائر، كما تمت الموافقة على شراء تركيا قطعة أرض في العاصمة الجزائرية، تخصص لبناء سفارة جديدة لأنقرة في الجزائر.
وكان الرئيس التركي قد وصل إلى الجزائر في وقت سابق اليوم، على رأس وفد سياسي واقتصادي يضم عددا من مديري أبرز المؤسسات الاقتصادية التركية، في زيارة تستمر يومين بدعوة من الرئيس الجزائري.واستقبل الرئيس عبد المجيد تبون نظيره التركي في مطار الجزائر الدولي برفقة كامل الطاقم الحكومي.
وقال الرئيس التركي في تصريحات صحافية، قبيل وصوله إلى الجزائر، إن الزيارة "ستعطي فرصة لمناقشة العلاقات بشكل مفصل"، مؤكداً بحث الملف الليبي وتطوراته وتداعياته على المنطقة.
وفي وقت سابق، وصف بيان الرئاسة الجزائرية الزيارة بأنها "زيارة صداقة وعمل"، ويعد أردوغان أول رئيس أجنبي يزور الجزائر بعد انتخاب الرئيس الجديد عبد المجيد تبون في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كما أن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو كان أول مسؤول أجنبي رفيع يزور الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية.
ويولي الرئيس التركي أهمية كبيرة للجزائر بحكم ثقلها السياسي في منطقة شمال أفريقيا، ودورها في استقرار المنطقة ودعم المسار الديمقراطي في تونس وحل الأزمة الراهنة في ليبيا، حيث تعد هذه الزيارة الثالثة لأردوغان منذ زيارته الأولى في فبراير/ شباط عام 2014، والثانية في غضون أقل من سنتين، حيث كان قد زار الجزائر لثلاثة أيام في نهاية فبراير/ شباط 2018.
رهان تركي على الجزائر
وتراهن تركيا على تعزيز العلاقات مع الجزائر، وتشكيل محور اقتصادي وسياسي يدافع عن استحقاقات شعوب المنطقة الإسلامية ضد الثورات المضادة التي تستعين بالعامل الأجنبي المدمر.
ويعتقد الباحث الجزائري المتخصص في العلاقات التركية الجزائرية ، محمد واعراب، أن الجزائر "هي من بين الدول التي تبقي مسافة آمنة مع تركيا، لا تعتبر في صف الحليف، لكنها ليست معادية لها بكل تأكيد أيضا، ويُمكن اعتبار الجزائر أهم هذه الدول التي تتوفر أكبر فرص تطوير العلاقات معها".
وقال الباحث لـ"العربي الجديد" إنه "من هذا الباب، نرى السرعة الكبيرة التي تبذلها أنقرة لتشبيك العلاقات مع جزائر ما بعد الحراك، علها تحظى بها كحليف مهم يتقاطع معها في ملفات عديدة، خاصة الملف الليبي الذي التقت فيه الرؤية التركية والجزائرية".
وأضاف "تركيا في ليبيا تهمّها حكومة فائز السراج وضمان عدم سقوط طرابلس، وذلك لتحقيق اتفاقية الحدود البحرية التي تضمن حقوقها في شرق المتوسط، والجزائر تدعم حكومة السراج وترى في الحل السلمي الضامن لعدم سقوط طرابلس هو ما يجب أن يكون، فهي تدرك أن حفتر خطره ليس في شخصه ولا قوته، وإنما في موالاته لقوى إقليمية معروفة لا تريدها الجزائر أن تجاورها في خاصرتها".
ويعطي الباحث للبعد الاقتصادي أهميته في تشبيك العلاقة بين البلدين اللذين يكملان بعضهما بعضا تقريبا، موضحا أن "تركيا لديها تجربة نهضوية وتنموية ممتازة، خصوصا في مجالات البنى التحتية والصحة والنقل البري والجوي والبحري والسياحة والزراعة والصناعات الغذائية، والتسليح والصناعات الحربية، لكنها تعاني في ما يخص موارد الطاقة وتبحث عن خيارات جديدة بعيدا عن روسيا، أما الجزائر فتبحث عن دولة قريبة تشبه ظروفها واستطاعت تجاوز أزمة اقتصادية خانقة وعبرت خلال سنوات طويلة إلى مصاف الدول الإقليمية القوية، للاستفادة من تجربتها من دون أن تقع تحت طائلة الاستغلال ومطامع النفوذ، وتركيا يمكن أن تساعد الجرائر أفضل من دول أخرى كفرنسا مثلا".
وعُقد على هامش الزيارة اليوم مؤتمر رجال الأعمال المشترك، الجزائري التركي، شارك فيه أكثر من 70 رجل أعمال تركياً و120 رجل أعمال جزائرياً ينشطون في قطاعات اقتصادية وتجارية مختلفة، وتعزيز التعاون وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا.
وبدأ مسار العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وتركيا يتعزز منذ مايو/ أيار 2006، حيث وقعت الجزائر وتركيا معاهدة صداقة وتعاون ساعدت في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، وزيادة حجم الاستثمارات التركية في الجزائر، حين أزاحت تركيا فرنسا من صدارة لائحة الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، وباتت أول مستثمر بمجموع 3.5 مليارات دولار، خاصة في مجالات البناء والبنى التحتية.
وتعهد الرئيس أردوغان برفع حجم الاستثمارات إلى خمسة مليارات دولار أميركي، وبرزت في السنوات الأخيرة مجموعة من المشاريع التركية المهمة، بينها افتتاح أكبر مصنع للنسيج في أفريقيا، بمحافظة غليزان غربي البلاد، باستثمار يقدر بـ1.5 مليار دولار، كما أقامت الشركة التركية "توسيالي أيرون أند ستيل"، في 2013 بوهران غربي الجزائر، مصنعا للحديد والصلب، بتكلفة تفوق 750 مليون دولار، وبقدرة إنتاجية بلغت 1.2 مليون طن سنويا من المواد الحديدية.
وفي عام 2015، أسست شركة مختلطة، تركية جزائرية، مصنعا، بمحافظة عين تيموشنت غربي الجزائر، متخصصا في صناعة الفولاذ والقضبان المسطحة، كما يتعاون البلدان في مجال الطاقة، حيث وقع المجمع النفطي الجزائري سوناطراك، في فبراير/ شباط 2018، اتفاق شراكة استثمار في المجال البتروكيميائي مع الشركة التركية بوتاس، لإنشاء مشروع في أضنة التركية بقيمة مليار دولار أميركي.