اتفاق سد النهضة لم يحسم النقاط الخلافية

18 يناير 2020
أنجزت إثيوبيا نحو 70% من عمليات بناء السدّ(فرانس برس)
+ الخط -

تشي قراءة في الاتفاق المبدئي الذي أعلنت الولايات المتحدة أنّ مصر والسودان وإثيوبيا توصّلت إليه حول سد النهضة، وتضمّن 6 بنود جاءت بعد ستة اجتماعات بين أديس أبابا والقاهرة والسودان وواشنطن، على مستوى وزراء الخارجية والموارد المائية والري، بأنّ نقاطاً خلافية بين القاهرة وأديس أبابا لم يحسمها هذا الاتفاق، الذي تضمّن 6 بنود تحدد آليات تشغيل وملء السد، على أن يجتمع جميع الأطراف في واشنطن يومي 28 و29 يناير/ كانون الثاني الحالي، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الملء والتشغيل للسد الإثيوبي.

في السياق، قال رئيس قسم الموارد الطبيعية في "معهد البحوث الأفريقية" في جامعة القاهرة، عباس شراقي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ "النقاط الست لم تقدّم جديداً في حسم النقاط الخلافية، بل قدّمت تأجيلاً لاجتماع آخر في نهاية الشهر الحالي بطريقة دبلوماسية، تمّ فيها التعبير عن وجود رغبة في الاتفاق والتعاون من أجل مصلحة الشعوب الثلاثة".

وفي تحليل للنقاط الستّ، أوضح شراقي أنّ "النقطة الأولى بشأن تنفيذ عملية الملء على مراحل وبطريقة تكيفية وتعاونية والتأثير المحتمل للملء على خزانات دول المصب، للأسف لم توضح آلية التنفيذ في الملء، سوى وضع مبادئ عامة غير محددة قابلة للخلاف في المستقبل، كما أنّ كيفية الملء الأول والمتكرر لم تحدد".

وتابع شراقي: "البند الثاني أورد أنه سيتم الملء خلال موسم الأمطار، وعامة من يوليو/ تموز إلى أغسطس/ آب، وسوف يمتد إلى سبتمبر/ أيلول وفقاً لظروف معينة. وبذلك، فإنّ هذا البند لم يقدّم جديداً، إذ إنّ الملء سيتم في أشهر المطر وهو أمر طبيعي، وكان من المفترض تحديد ماهية ظروف الملء، أو حالة التخزين في السدّ العالي والسدود السودانية".

وأضاف شراقي: "البند الثالث أفاد بأنّ مرحلة الملء الأولى للسدّ ستكون حتى منسوب 595 متراً فوق سطح البحر لضمان التوليد السريع للكهرباء"، موضحاً أنّ ذلك "يعني حجز 14 مليار متر مكعب من المياه من دون النظر لحالة الأمطار، لأنها سوف تحجز في الأسابيع الأولى، والتي لا يمكن من خلالها معرفة حالة الأمطار للموسم كاملاً. كما لم تحدد كمية ما سوف يتم حجزه كمخزون ميت، وما يتم صرفه لتوليد الكهرباء".

وتابع أستاذ الجيولوجيا: "البند الرابع ذكر أنه سيتم تنفيذ المراحل اللاحقة للملء وفقاً لآلية يتم الاتفاق عليها، والتي تحدد تدفق المياه بناءً على الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق ومستوى التخزين في سدّ النهضة، بما يحقق أهداف الملء لإثيوبيا في توليد الكهرباء مع أخْذ تدابير تخفيف مناسبة لمصر والسودان خلال سنوات قلة الأمطار والجفاف الممتد. وهو ما يعني أنّ المراحل التالية للملء تعتمد على الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق ومستوى التخزين في سدّ النهضة لضمان توليد الكهرباء، كما أنها استهدفت إثيوبيا من دون النظر إلى مستوى التخزين في السدود السودانية والسد العالي، ما يعني أنّ توليد الكهرباء في سدّ النهضة لن يتأثر بالجفاف، فيما سيكون تأثير الجفاف على مصر والسودان، مع الأخذ في الاعتبار تخفيف الأثر عليهما في حالة الجفاف الممتد".


وبالنسبة للبند الخامس، أوضح شراقي أنه "ذكر خلال عملية التشغيل على المدى البعيد، أن السدّ سيعمل وفقاً لآلية تحدد تدفُّق المياه وفق الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق، ومستوى المياه في سدّ النهضة الذي يوفر توليد الكهرباء، وأخذ تدابير تخفيف مناسبة لمصر والسودان خلال سنوات قلة الأمطار الممتدة والجافة والجفاف الممتد. بما يعني أنّ الملء على المدى البعيد يعتمد على قواعد الملء اللاحق نفسها، ولا فرق بينهما، إضافة إلى ضمان توليد الكهرباء مع الأخذ في الاعتبار تخفيف الأثر على مصر والسودان في حالة الجفاف الممتد".

بينما أورد البند السادس أنه "سيتم إنشاء آلية تنسيق فعالة لتسوية النزاعات"، إلا أنه لم يحدد طريقة تسوية هذه النزاعات، وفق شراقي.

من جهته، قال أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي مساعد عبد العاطي، في حديث خاص، إنه "يجب على المفاوض المصري الدفاع بكل قوة عن وجوب التمسك والربط بين سنوات ملء خزان سدّ النهضة وقواعد تشغيل السد، خصوصاً خلال سنوات الجفاف، وهو ربط يتفق مع صحيح قواعد القانون الدولي للأنهار الدولية". وتابع "في الوقت ذاته، يجب على الدولة المصرية أن تستعد عقب انتهاء جولة واشنطن المتفق عليها رسمياً بين دول النيل الشرقي والبنك الدولي والولايات المتحدة الأميركية، إذا ما استمر التعسّف الإثيوبي، للدفاع عن مفتاح حياتها وسرّ وجودها المتمثّل بنهر النيل بشتى الوسائل المشروعة"، لمواجهة ما سماه "التآمر الواضح على وجود وبقاء الدولة المصرية عبر التهديد المباشر للأمن المائي المصري".

وكان اجتماع مصر وإثيوبيا والسودان، يوم الاثنين الماضي، هو الثالث من نوعه الذي تستضيفه واشنطن بهدف التوصّل إلى اتفاق قبل مهلة نهائية، كانت محددة الأربعاء الماضي، واتفقت عليها الدول الثلاث عقب اجتماع في نوفمبر/ تشرين الثاني مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس.

وبالفعل، اتفق وزراء مصر وإثيوبيا والسودان، الأربعاء، على الاجتماع مجدداً في واشنطن في وقت لاحق هذا الشهر، لـ"وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بشأن سد النهضة"، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً بعد تعثّر في المفاوضات دام لأعوام. فقد انتهت اجتماعات سابقة من دون اتفاق، وعبّرت مصر عن القلق من عدم تقديم إثيوبيا ضمانات كافية بأنّ ملء السد سيتم إبطاؤه خلال أوقات الجفاف.

وسبّب سدّ النهضة أزمة دبلوماسية بين القاهرة وأديس أبابا، إذ تخشى مصر أن يقلّص السد إمداداتها الشحيحة أصلاً من مياه نهر النيل التي يعتمد عليها سكانها، البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، بشكل كامل تقريباً.

وتنفي أديس أبابا إمكانية أن يقوّض السدّ سُبل حصول مصر على المياه، وتقول إنّ المشروع حيوي لنموها الاقتصادي، في ظلّ سعيها لأن تصبح أكبر مصدّر للطاقة الكهربائية في أفريقيا، بطاقة تقدر بأكثر من 6 آلاف ميغاوات.

وأعلنت إثيوبيا إنجاز نحو 70 في المائة من عمليات بناء السدّ، الذي وضعت حجر الأساس له في إبريل/ نيسان 2011، وفق تصريحات المدير العام للمشروع كيفل هورو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.