تشهد محافظة الأنبار (غربي العراق) حراكاً سياسياً واسعاً هو الأول من نوعه مع اجتهاد كتل وقوى سياسية وقبلية مختلفة منذ أسابيع على بلورة مشروع استحداث محافظة جديدة، تعزل أعالي الفرات عن الرمادي وتحمل اسم محافظة الغربية، وهي محافظة تبدأ حدودها من مدينة هيت والمحمدي ثم بلدات وجبة عانة وراوة وآلوس وحديثة، انتهاءً بالقائم الحدودية مع سورية والرطبة على الحدود مع الأردن والنخيب على الحدود مع السعودية، بينما تبقى الرمادي والخالدية والحبانية والفلوجة والكرمة في محافظة الأنبار. وتبلغ مساحة الأنبار 138.500 كيلومتر مربّع، أي نحو 33 في المائة من مساحة العراق الإجمالية، ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة وفقاً لإحصاء 2014، وترتبط حدودياً بثلاث دول هي السعودية والأردن وسورية، أما من الداخل فهي حدودية مع خمس محافظات. ونظراً لهذه المساحة، يرى سياسيون ومراقبون أنه من الضرورة استحداث إدارة جديدة، تقلّل على الناس عناء السفر لساعات طويلة من أجل استخراج هوية أو توقيع كتاب رسمي من الرمادي العاصمة المحلية للأنبار، بينما يؤكد آخرون أن الهدف من طرح المشروع الحالي ليس خدمياً من أجل المواطنين بل بسبب وجود صراع كبير بين الحزب الإسلامي العراقي (الجناح السياسي لحركة الاخوان المسلمين في العراق) الذي يؤيّد المشروع، مع جهات سياسية وقبلية أخرى داخل الأنبار. وهو ما دفع مراقبين إلى ترجيح دخول الأنبار بصراعٍ سياسي محتدم بشأن الجهات التي ستُدير محافظة الغربية. ويحتاج المشروع إلى موافقة البرلمان. والأنبار خرجت من معارك استمرت نحو ثلاث سنوات ضد تنظيم "داعش"، أتت على أكثر من 80 في المائة من بناها التحتية.
ووفقاً لمصادر سياسية وأخرى قبلية في الأنبار، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن سلسلة اجتماعات عُقدت في مدينة حديثة غربي الأنبار، جمعت قيادات سياسية وقبلية وشخصيات إسلامية مؤيدة لمشروع فصل أعالي الفرات عن سلطة الرمادي وإعلانها محافظة، وصلت إلى مرحلة نضوج من التصور حول المحافظة وحدودها وحتى توزيع مناصبها السياسية، التي ستكون قبلية إسلامية على غرار ما هو معمول به حالياً في الأنبار، التي يتناوب فيها الإسلاميون والقبليون على مجلس المحافظة ومنصب المحافظ والدوائر التنفيذية الأخرى.
وذكرت مصادر لـ"العربي الجديد" أن شخصيات بالحزب الإسلامي تتبنى المشروع إلى جانب زعامات قبلية وأخرى بقوات الصحوة، ولا يعلم ما إذا كان الحزب الإسلامي يتبنّى المشروع رسمياً بشكل كامل أم أن تحرك أعضاء فيه جاء لقناعات شخصية. في السياق، كشف الأمين العام لحزب "أحرار الفرات" عبد الله عطا الجغيفي، عن اجتماع سري عُقد في قضاء حديثة لبحث استحداث المحافظة الجديدة، وقال في حديث صحافي إن "الاجتماع ضمّ قيادات سياسية وأكاديمية وعشائرية للبدء بمشروع محافظة الغربية والتي تضم أقضية هيت وحديثة وراوة وعنة والقائم والنواحي التابعة لها، وإن موعد اجتماع الهيئة التشكيلية لإعلان الأقضية بمحافظة الغربية بشكل رسمي سيكون في قضاء عانه مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل".
من جانبه، قال محافظ الأنبار السابق صهيب الراوي، وهو أحد أعضاء الحزب الإسلامي، إن "مشروع محافظة الغربية بات قريباً من استكمال كافة الإجراءات القانونية والرسمية"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الحراك الذي يقودهُ سياسيون من الأنبار، يسير كله وفق الدستور الذي لا يمانع استحداث المحافظات وفق شرط، والسعي جارٍ من أجل تثبيت دعائم هذا المطلب الذي بات اليوم جماهيرياً بسبب المعاناة التي يواجهها أهالي المناطق الغربية في التواصل مع المركز (الرمادي)". وعلى الرغم من ذلك، ينقسم أعضاء المجلس المحلي في الأنبار بين مؤيد ومعارض للفكرة، فبينما يصف العضو فهد مشعان تحرك السياسيين باتجاه استحداث الغربية بالمطالبات "السخيفة وتؤدي إلى تجزئة الأنبار"، يؤكد آخرون أنه إيجابي.
أما المتحدث باسم مجلس الأنبار عيد عماش، فرأى أن "محافظة الأنبار كبيرة ويعاني سكان المناطق الغربية، تحديداً أهالي القائم، من صعوبة التواصل مع مركز المدينة (الرمادي)، فالمسافة بين المدينتين أكثر من 300 كيلومتر، وأحياناً يضطر المسافر إلى البقاء في مركز المحافظة لإنهاء أعماله، ونحن نسمع مناشدات الأهالي منذ سنوات إلا أن ما مرَّت به المحافظة من مشكلات جعلنا نتريث بملف استحداث المحافظة الجديدة".
وتابع، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك السياسي والشعبي بشأن محافظة الغربية عاد بعد تحرير مناطق الأنبار من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وقد عُقد أكثر من مؤتمر في منطقة حديثة من أجل التوصل إلى حل بهذا الشأن، وستُنهي اللجنة المُشكلة لهذا الغرض من أجل رفعه إلى مجلس المحافظة ومن ثم إلى البرلمان. ومن المؤمل أن تضم محافظة الغربية مناطق حديثة وعانه وراوة والقائم والرطبة، وقد تنضم ناحية البغدادي أيضاً، وهناك رغبة من هيت بالانضمام، ولكن بطبيعة الحال لا توجد أي خارطة نهائية للمحافظة".
وأضاف أن "الملف قيد الاكتمال وسيتم تحويله إلى مجلس المحافظة ومن ثم إلى مجلس النواب"، وبشأن المشاكل السياسية التي قد تولد بسبب إدارة المحافظة الجديدة وصراع الأحزاب على إدارتها، أشار إلى أن "الملفين الاقتصادي والسياسي لن يشكلا خطورة كبيرة على المحافظة، إذ إن الحكومة لها قانون خاص يتعلق بإدارة الأموال والواردات في المحافظات العراقية الحدودية، إذ يتم تقاسمها بين الحكومتين المركزية والمحلية وفق سياق قانوني واضح، أما الجانب السياسي فلا خوف منه، لأن الأنبار من طيف واحد، وأن العملية السياسية منفتحة على جميع الأحزاب، ومن يحصل على أغلبية أصوات الأهالي وتوجهاتهم يمكنه إدارة المحافظة الجديد".
من جهته، أشار الباحث عبد الله الركابي إلى أن "مشروع استحداث محافظة جديدة ضمن مساحة الأنبار لا غبار عليه من الناحية القانونية، ويمكن تفعيله في أي محافظة كبيرة، بعد استحصال الموافقات القانونية والشعبية، إلا أن الأنبار تشهد حالياً صراعاً حزبياً كبيراً من أجل نيل الحصص من المشاريع التي تقام في المدن التي تعرضت إلى أضرار بسبب الحرب الأخيرة على داعش، فضلاً عن دخول الحشد الشعبي على خط السيطرة على المناطق الغربية". وقال لـ"العربي الجديد" إن "المحافظة الجديدة ستعمّق الخلافات بين الأحزاب الحالية في الأنبار وقد تُستحدث أحزاب جديدة، لن يجني منها المواطن في الأنبار غير المشاكل".
ولفت إلى أن "الحشد الشعبي سيدعم استحداث المحافظة الغربية، ويُساهم بشكل كبير بتأسيس حكومتها الجديدة، لأن ملف الحدود العراقية مع سورية مهم جداً بالنسبة لهذه الفصائل التي تسعى إلى استغلالها من أجل تهريب السلاح إلى النظام السوري ودعم الفصائل العراقية المقاتلة هناك"، موضحاً أن "البرلمان قد يوافق على استحداث المحافظة الجديدة، إلا أنه سيصطدم مع الحكومة التي تتخوف من سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على هذه المحافظة".