بدأت إجراءات التضييق على المواطنين المصريين تأخذ طريقها إلى مدينة بئر العبد، رابع مدينة في اتجاه الغرب في محافظة شمال سيناء، بعدما أحالت هذه الإجراءات حياة السكان في مدن رفح والشيخ زويد والعريش على الترتيب، إلى جحيم حقيقي، وفقاً لما يصفه السكان أنفسهم، والمراقبون للوضع في سيناء، خلال السنوات الست الماضية، ما يشير إلى رغبة النظام المصري بإجبار كافة سكان المحافظة على الرحيل عنها، بعد الضغط عليهم بالسياسات الخشنة التي تنفذها أدوات الدولة، وفي مقدمتها الأذرع الأمنية.
وفي آخر التطورات حول مدينة بئر العبد، كشف مصدر حكومي مسؤول في محافظة شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أن "قيادة عمليات الجيش المصري رفعت توصيات عدة لمجلس الوزراء للموافقة عليها، تتعلق باتخاذ قرارات في مختلف مدن المحافظة، ومدينة بئر العبد على وجه الخصوص"، موضحاً أن "من بين هذه القرارات حظر سير الدراجات في كافة مناطق مركز بئر العبد وقراها، لتصبح بذلك كافة مدن محافظة شمال سيناء وقراها، خاضعة لهذا الحظر، بعدما بدأ في مدن رفح والشيخ زويد والعريش ووسط سيناء. وهذا من شأنه أن يعطّل حياة مئات المواطنين الذين يعتمدون على الدراجات في التنقل".
وأوضح المصدر ذاته أن "الأيام المقبلة ستكشف عن المزيد من القرارات، كزيادة ساعات حظر التجوال، ومنع تحرك المواطنين في محيط المدينة، واعتبار مناطق واسعة عسكرية مغلقة لا يسمح بالتنقل فيها، على غرار بقية مدن محافظة شمال سيناء، بالإضافة إلى زيادة التدقيق في هويات المواطنين والتفتيش على الكمائن. مع الإشارة إلى أن هيئة البريد اتخذت قراراً مفاجئاً بإغلاق كافة أفرع البريد في قرى ومحيط المدينة، والاكتفاء ببريد المدينة المركزي، بعد مهاجمة بريد قرية الروضة من قبل مسلحين مجهولين قبل أسبوع. هذه القرارات الجديدة من شأنها أن تزيد معاناة المواطنين بشكل حقيقي، خصوصاً أنها تمس كافة نواحي الحياة".
وكان تنظيم "ولاية سيناء" قد عاود نشاطه في كافة مناطق محافظة شمال سيناء، بما فيها بئر العبد، إذ اختطف أكثر من 20 مواطناً على دفعات بعد إقامته حواجز على الطريق الدولي ومداهمة قرى محيطة بالمدينة. إلا أنه لم يستهدف أي نقاط أمنية أو مواطنين في مركز المدينة، منذ اندلاع الأحداث في عام 2013، بالإضافة إلى استهداف قوات الجيش والشرطة في محيط المدينة، ما أدى إلى وقوع قتلى عسكريين وجرحى، خلال الأشهر الماضية، فيما شوهد عناصر التنظيم يتحركون في قرى ومناطق محيطة بالمدينة بشكل غير مسبوق، خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وتعقيباً على ذلك، قال أحد شيوخ قرى مدينة بئر العبد، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحصل في مدينة بئر العبد يذكرنا بشريط الأحداث في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، إذ بدأت بهجمات لتنظيم ولاية سيناء، تبعتها قرارات مجحفة بحق المواطنين، تدرّجت من حظر الدراجات النارية إلى هدم منازل آلاف العائلات في تلك المدن. ما يدفع المواطنين إلى توقع ملاقاة المصير نفسه في الأشهر المقبلة، في ظل نشاط تنظيم ولاية سيناء في محيط مدينة بئر العبد، التي تتسم بالهدوء النسبي مقارنةً ببقية مدن محافظة شمال سيناء طيلة سنوات الحرب القائمة منذ صيف عام 2013". ولفت إلى أن "المدينة دخلت على خط النار بشكل يهدد مصيرها في ظل التطورات الأخيرة. وهذا ما يبعث على القلق بتوسع المخطط القائم على تهجير أهالي سيناء، وطردهم إلى خارجها، في ظل أن الكثير من المهجرين من مدينتي رفح والشيخ زويد لجأوا إلى مناطق بئر العبد".
وأضاف الشيخ أن "أهالي بئر العبد لا بد أن تكون لهم كلمة في مواجهة المخطط الداهم على مدينتهم، وإلا فإن سكوتهم سيغري النظام لاستكمال إجراءاته بحق المدينة، إلى أن تصبح من الماضي كما مدينة رفح، أو بمسح جزء كبير منها على الأقل، كما حصل في مدينة الشيخ زويد". وتوقع أن "تشهد الأيام المقبلة تضييقاً جديداً على المواطنين، بهدف تهيئة الجو العام للقرارات المقبلة، بالتزامن مع هجمات جديدة لتنظيم ولاية سيناء، الذي ما زال يتحرك في محيط المدينة بأريحية، على الرغم من الاستنفار العسكري الذي تشهده المنطقة منذ أسابيع، في ظل نشاط التنظيم، مع الإشارة إلى أن المتضرر الأكبر من كل هذه المعادلة، هو المواطن السيناوي الذي يبحث عن الأمان في مناطق هادئة أمنياً، كمدينة بئر العبد، إلا أن المخطط يسعى إلى فقدان الأمن في كافة مناطق سيناء، وجعلها متهيئة لكل الإجراءات".
ويشنّ الجيش المصري عمليات عسكرية واسعة النطاق في كافة مدن محافظة شمال سيناء منذ عام 2013، شملت هدم مئات المنازل في مدن رفح والشيخ زويد والعريش ووسط سيناء، عدا عن تجريف آلاف الدونمات الزراعية، بالإضافة إلى مقتل وإصابة المئات، في حين لا يزال المئات في عداد المفقودين، وآلاف المعتقلين في السجون العسكرية من دون تهم أو محاكمات.