الحراك الشعبي في الجزائر: صمود رغم الإنهاك ومحاولات الإنهاء

21 يوليو 2019
استعاد الحراك الشعبي في الجزائر زخمه أخيراً (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد خمسة أشهر على بدء الحراك الشعبي في الجزائر، ما زالت تظاهرات يوم الجمعة ومسيرات الطلاب يوم الثلاثاء مستمرة بالوتيرة والمطالب نفسها، رغم تعدّد عوامل الإنهاك ومحاولات إنهاء هذا الحراك من قبل السلطة، ورغم تحقّق سلة مهمة من المطالب التي رفعها المتظاهرون منذ 21 فبراير/ شباط الماضي. لكن مع ذلك، تظلّ جملة من التساؤلات معلقة بشأن المدى السياسي والزمني للحراك، في ظلّ استمرار حالة الانسداد السياسي وظهور انقسامات في صفوف المعارضة التي تمثّل الحراك، بشأن كيفية التعاطي مع مقترحات الحلّ التي تطرحها السلطة.

واستعاد الحراك الشعبي زخمه أخيراً، بعد فتور طفيف شهدته التظاهرات في النصف الثاني من شهر يونيو/ حزيران الماضي. وقد حافظت التظاهرات في الجمع الأخيرة على مستوى كبير من التعبئة الشعبية والسياسية، ما ساعد في إبقاء الضغط على السلطة وإجبارها على تقديم مزيد من التنازلات. لكنّ قوة وحجم التظاهرات الأخيرة، أرسلا إشارات واضحة باتجاهين مختلفين؛ إلى السلطة بشأن عدم وجود أي تراخي شعبي إزاء المطالب المركزية المرفوعة منذ فبراير الماضي، وباتجاه قوى المعارضة بشأن رفض أي تنازلات سياسية قد تقدمها باسم الحراك الشعبي.

واللافت أنه وخلال الفترة الماضية، راهنت السلطة على عوامل ومؤثرات عدة قد تساعد في إنهاك الحراك وإنهائه. إذ ذهبت التقديرات الحكومية بداية إلى الاعتقاد بأنّ شهر رمضان وعامل الصوم سيخفّضان إلى حدّ كبير نسبة الاستجابة الشعبية لنداءات الناشطين للمشاركة في التظاهرات، لكن الجزائريين أبانوا خلال الجمعات الأربع في هذا الشهر أنهم أكثر إصراراً على تحقيق المطالب السياسية مهما كانت الظروف. وجاءت بعد ذلك فترة العطلة الصيفية والمدرسية، وغلق أبواب الجامعات وعودة الطلاب إلى ولاياتهم، والتي كان ناشطون وكوادر الحراك الشعبي يتخوّفون من أن تؤدي إلى ضعف أعداد المشاركين في الحراك. لكن تظاهرات الجمعات الأخيرة، منذ جمعة الاستقلال في الخامس من يوليو/ تموز الحالي، خلطت حسابات السلطة وأظهرت، رغم نقص عدد المتظاهرين مقارنة مع تظاهرات إبريل الماضي، وجود إصرار من قبل الحراك على متابعة التطورات السياسية والاستمرار في التظاهرات، بالوتيرة الشعبية نفسها تقريباً، للضغط على السلطة ودفعها إلى تحقيق ما تبقى من المطالب، خصوصاً ما يتعلّق برحيل رموز النظام السابق، ولا سيما رئيس الحكومة نور الدين بدوي.

وتؤشّر تظاهرات الخامس من يوليو، وكذلك تظاهرات الجمعة الأخيرة التي تزامنت مع نهائي كأس أفريقيا، وعودة أعداد كبيرة من الجزائريين إلى الشارع بعد جمعات شهر يونيو التي كانت أقل عدداً، على وجود تحفّز شعبي لتجديد الحركية الشعبية والمطالب، حتى في ظلّ وجود مناسبات رياضية أو غيرها تعتقد السلطة أنها قد تلهي الشارع الجزائري عن مطالبه.

وفي السياق، يعتقد الناشط السياسي في حزب "العمال" الاشتراكي، سمير بلعريبي، أنه "كان متوقعاً أن تنخفض أعداد المتظاهرين في الجمعات الأخيرة، بسبب طول الفترة الزمنية، إذ لا سوابق نضالية طويلة النفس للشارع الجزائري، بالإضافة إلى مشكلات عديدة أخرى، لكن ذلك لا علاقة له بمسألة المطالب التي يصرّ عليها الجزائريون إلى الآن". ويضيف بلعريبي في حديث مع "العربي الجديد" أنه "فعلاً، أي ملاحظ سيكتشف أنّ أعداد المتظاهرين في شهر يوليو الحالي، لم تكن نفسها في شهر مارس أو إبريل الماضيين، هذه مسألة طبيعية لأننا دخلنا في فترة العطلة والركود الوظيفي وحركة الجزائريين في الصيف بين الولايات". وأضاف "لكني لا أعتقد أنّ نقص عدد المتظاهرين له علاقة بالتنازل عن مطالب، أو نجاح السلطة في إنهاك الحراك". ويتابع بلعريبي أنه "بخلاف ما قد يعتقده البعض، فإنّ تظاهرات يوم الاستقلال أو الجمعة الأخيرة، أكّدت أنّ الحراك الشعبي ما زال مستمراً بالزخم نفسه، ويمكن أن تنزل أعداد أكبر من الجزائريين إلى الشارع في حال لم تكن هناك استجابة أو جدية في تحقيق مطالب الشعب".

ورغم إخفاق المعارضة السياسية والمدنية في الجزائر في بناء "ذراع سياسية" للحراك تخاطب السلطة باسمها وتعبّر عن مطالب المتظاهرين، على طريقة "قوى إعلان الحرية والتغيير" في السودان، وحالة الانقسام في المواقف بشأن كيفية التعاطي مع مقترحات الحلّ والحوار الذي تطرحه السلطة، وكذلك الخلافات بين كتلتي "التغيير" التي عقدت مؤتمر السادس من يوليو وقبلت بتنازلات مرحلية، وكتلة "البديل الديمقراطي" التي تتمسّك بمرحلة انتقالية ورحيل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، إلا أنّ الحراك الشعبي ما زال يمثّل القوة الضاغطة والمحدّد الرئيس لخطوط الحلّ السياسي. وفي هذا الإطار، يؤكد المحلّل والناشط مروان الوناس أنّ "الحراك استعاد زخمه لأن الكثير من الناس تسلّل إليهم الشكّ من نوايا السلطة، التي فضلت المغامرة والدخول في حالة فراغ دستوري والتمسّك برئيس دولة ورئيس حكومة غير شرعيين، بما يعني أنها ترفض التنازل وتلبية الحدّ الأدنى من المطالب الشعبية". ورأى أنّ "إقدام المؤسسة العسكرية على فرض خارطة طريق من دون حوار ولا نقاش ولا تفاوض، ومعاداتها شبه المعلنة للحراك ورغبتها في التضييق عليه والتخلص منه، وكذلك إلغاء انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في الرابع من يوليو وفشل جولة الحوار الأولى التي دعا إليها بن صالح، منحت الحراك زخماً، وجعلته يكتسب الثقة بأنه قادر على تعطيل كل مخططات السلطة إذا رآها تقف في وجه آماله وتطلعاته".

وفي سياق آخر، يعتقد متابعون أنّ الحراك الشعبي لا يبدو مكتفياً بسلة المنجزات التي حققها منذ فبراير الماضي، كإحباط مشروع الولاية الخامسة لبوتفليقة وخلعه من الحكم ودفعه إلى الاستقالة، وإقالة حكومة أحمد أويحيى ودفع القضاء إلى ملاحقة وسجن عدد من كبار رجالات الحكم في عهد بوتفليقة كرؤساء الحكومات السابقين أويحيى وعبد المالك سلال وستة وزراء ورجال الكارتل المالي. ويعتبر هؤلاء أنّ استمرار الحراك الشعبي بعد خمسة أشهر من التظاهرات له علاقة بشعور شعبي بعدم تحقيق المطالب المركزية، خصوصاً في ظلّ بقاء أبرز وجهين من وجوه نظام بوتفليقة، بن صالح وبدوي.

وفي هذا الإطار، يرى الباحث والمحلل السياسي، عبد الوهاب جعيجع، أنّ هناك أكثر من مبرر لاستمرار الحراك، أبرزها "من الناحية الشكلية، أنّ الحراك ما زال يسعى من أجل تنظيم أول انتخابات بعد إسقاط النظام، كما أنّ ما تكشف عنه ملفات العدالة وقضايا الفساد يدفع الحراك إلى الضغط لمواصلة حملة ملاحقة رجالات النظام السابق". ويضيف جعيجع لـ"العربي الجديد" عوامل أخرى في السياق نفسه، تتعلّق "بوجود تباين إيديولوجي، والذي يقرأه كل بقراءته الخاصة بين سلطة ومعارضة، وتيارات مختلفة داخل الحراك"، معتبراً أنّ "هذا التباين جعل الحراك يقف على أصابع قدميه، حيث يحاول كل طرف أن يمدّ رأسه، ثمّ إنّ الكل مستفيد من بقاء الحراك، سواء السلطة أو المعارضة. فالسلطة تطبخ مشروعها على نار هادئة، وتستفيد من جرعات الإرضاء والتنفيس التي يوفرها تظاهر الحراك، بينما المعارضة تجد في الأخير أداة ضغط على السلطة ومتنفساً آمناً وسلمياً".

وأشار جعيجع إلى أنّ "البنية العامة للحراك الشعبي وانتظام التظاهرات يوم الجمعة فقط، مكّنا كل الفئات الشعبية من الاستمرار في المشاركة فيه، وأبعداه عن الصدام وافتعال إشكالات، فضلاً عن تجنّب تعطيل الحياة العامة والخدمات والعمل والطرقات".

واستعاد الحراك الشعبي في الجزائر زخمه منذ تظاهرات الخامس من يوليو الحالي. ورغم تعطّل الحلّ السياسي، فانّ هذا الزخم يؤشّر إلى خوف جماعي لدى الجزائريين من ضياع هذه الفرصة التاريخية لتحقيق المطلب الديمقراطي ولتغيير النظام، والحصول على أكبر قدر من الحريات، وعدم منح السلطة فرصة التلاعب بالمطالب الشعبية أو الالتفاف عليها، كما حدث في فترات سابقة.

المساهمون