أخطاء ترامب تتوالى: عودة التحقيقات الروسية إلى الواجهة

14 يونيو 2019
بار الموالي لترامب بات في قفص الاتهام (Getty)
+ الخط -


عادت الضغوط بكثافة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصاً في سياق مطالبة خصومه بمحاكمته في الكونغرس. وقد منح هو بمقابلة متلفزة، يوم الأربعاء الماضي، هدية مجانية لهؤلاء الخصوم، حين دافع عن مبدأ "قبول أي مساعدة معلوماتية من طرف أجنبي، إذا كانت مؤذية لخصمه الانتخابي". وهو ما أجّج الحديث حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، ضد خصوم ترامب، خصوصاً أن الشق الإلكتروني، المرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني الخاص، بمنافسة ترامب في حينه، الديمقراطية هيلاري كلينتون، كان حاسماً في فوز ترامب. وفي استعانته بهذا المبدأ، يكون ترامب قد تجاوز القانون بصورة صريحة لا لبس فيها. ومع أن الأمر لم يفاجئ المراقبين المعتادين على "شطحاته"، إلا أنه عزز موقف الديمقراطيين وأحرج مؤيديه الجمهوريين، في الكونغرس والإدارة. وما زاد من الإحراج هو إعلان وزير العدل وليام بار منذ أسابيع قليلة، خلال مثوله أمام إحدى لجان الكونغرس، "عدم جواز قبول مثل هذا العون من جهة أجنبية وضرورة إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) بالأمر فور تلقي العرض". وكذلك فعل مدير مكتب "أف بي آي" كريستوفر راي. لكن ترامب تجاهل هذه التحذيرات وبدا تبريره وكأنه اعتراف متأخر بمساعدة من هذا النوع تلقاها من الروس، بل أيضاً "إشارة إلى موسكو" لقبول مساعدتها مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2020، وفقاً لمعاون وزير الخارجية السابق، ريتشارد ستنجل.

وزاد من وقع تصريح ترامب المتضارب مع القانون، أنه حصل في اليوم نفسه الذي كان فيه ابنه دونالد جونيور ترامب يدلي بإفادته في جلسة مغلقة أمام لجنة العدل في مجلس النواب، حول موضوع التعاون مع الروس في الانتخابات الماضية. والمعروف أن دونالد جونيور ترامب كان قد اجتمع في نيويورك أثناء الحملة الانتخابية، بالمحامية الروسية ناتاليا فيسيلنيتسكايا، التي قيل إن لها علاقة مع الكرملين للتباحث حول ما لدى الروس من معلومات مؤذية ضد هيلاري كلينتون، منافسة ترامب.

وترافق ذلك مع إعلان مديرة قسم الاتصالات السابقة في البيت الأبيض هوب هيكس، عن عزمها على الإدلاء بإفادتها الأسبوع المقبل أمام لجنة العدل في مجلس النواب، حول موضوع التحقيقات. وهي كانت من مجموعة الحلقة الضيقة الأكثر قرباً من الرئيس خلال عملها في إدارته، والذي استمر حتى مارس/ آذار 2018. والمفترض أن يكون لديها مخزون وافر من المعلومات المتعلقة بهذا الملف لو أرادت البوح به. ولهذا كانت هيكس من بين المسؤولين السابقين الذين طالبهم الرئيس بالامتناع عن تقديم أي معلومات متصلة بعملهم السابق للكونغرس. وخروجها عن هذه التعليمات وفي هذه اللحظة بالذات، يشكل إضافة قد تكون دسمة للتحقيقات التي يجريها الديمقراطيون في مجلس النواب، مع إيحائهم وكأنهم أمسكوا بالمبادرة في هذا المجال، كونهم يخوضون مواجهة قانونية مع وزراء العدل والمالية والتجارة، لإجبارهم على إعطاء إفاداتهم في قضية التحقيقات ومشتقاتها أمام لجانه المختصة، وذلك بعدما رفضوا تنفيذ الاستدعاءات للمثول أمامها أو لتزويدها بالوثائق الموجودة بحوزتهم، ومنها تقرير المحقق روبرت مولر بنصه الكامل. كما يمارسون الضغط على مولر المتردد لتقديم شهادته في جلسة متلفزة يشاهدها الرأي العام.



حتى الآن ما زال الحزب الديمقراطي منقسماً حول المحاكمة. قيادته متحفظة ومتخوفة من العواقب السياسية. وجناح الحزب "التقدمي" يدفع بقوة نحو هذا الخيار، يعاضده في ذلك تيار متزايد من المسؤولين السابقين السياسيين والأمنيين ورجال القانون والأكاديميين. خطأ الرئيس الأخير أعطى هذا التوجه شحنة زخم كبيرة، خصوصاً إذا تعززت هذه الأجواء بمعلومات جديدة تكشف عنها التحقيقات الجارية في مجلس النواب، والذي يكاد حديثه يحتكر المداولات ويطغى على المشهد السياسي في واشنطن.

مع العلم أنه في سياق التحقيقات الروسية، يعتزم مسؤولو وزارة العدل إجراء مقابلات مع كبار المسؤولين في وكالة المخابرات المركزية "سي آي إيه". وبحسب مصادر مطلعة، فإن التركيز سيكون على "أكثر استنتاجات وكالات الاستخبارات بشأن انتخابات عام 2016، وهو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تدخّل لصالح دونالد ترامب". وتُعتبر المقابلات بمثابة علامة على إلقاء وزارة العدل نظرة نقدية على عمل "سي آي أيه" بشأن التدخل في الانتخابات الأميركية. ويرغب المحققون في التحدث مع أحد كبار مسؤولي مكافحة التجسس على الأقل ومسؤول كبير في المخابرات المركزية.

وعلى الرغم من أن مراجعة وزارة العدل ليست تحقيقاً جنائياً، إلا أنها أثارت قلقاً في صفوف الوكالة الاستخباراتية، وفقاً لمسؤولين سابقين، وذلك في ظلّ تساؤل كبار مسؤولي الوكالة عن سبب خضوع تحليلاتهم لتدقيق المدّعي العام الأميركي في ولاية كونيتيكت، جون دورهام، بطلب من الوزير بار. ولم تقدم وزارة العدل طلبات رسمية بعد للتحدث إلى "سي آي إيه"، لكن المسؤولين أفادوا الوكالة بأن "دورهام سيسعى لإجراء المقابلات".

أما مديرة "سي آي إيه"، جينا هاسبل، فأشارت أمام كبار المسؤولين، إلى أن "وكالتها ستتعاون، لكنها ستظل تعمل على حماية معلومات مخابراتية حرجة كي لا تكشف مصادرها، أو تكشف عن أساليب جمعها أو عن معلومات قدمها الحلفاء"، وفقاً لما أفاد به مسؤولون أميركيون، حاليون وسابقون. وشدّدت هاسبل على أنها "لن تمنع المقابلات"، وأبلغت الوكالة أن "التحدث مع دورهام لا يحتاج إلى تعريض الأسرار للخطر ويتفق مع التعاون مع تحقيق بار". وسبق للجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ في الكونغرس أن أجرت العديد من المقابلات مع أفراد من الوكالة ولم تجد اللجنة أي مشكلة في عملهم، خصوصاً في سياق التحقيقات الروسية.

في سياق آخر، صوّت مجلس النواب على اتهام ويليام بار ووزير التجارة ويلبر روس، بازدراء الكونغرس، لتحديهما مذكرات الاستدعاء الصادرة في إبريل/ نيسان الماضي، للحصول على وثائق حول قرار إضافة سؤال المواطنة إلى التعداد السكاني لعام 2020، وذلك بعد إصدار ترامب قراراً تنفيذياً لمنع إصدار وثائق حول إضافة سؤال المواطنة إلى الإحصاء. وجاء التصويت بعد ساعات من تحرك ترامب لمنع حصول الكونغرس على الوثائق.