مع فشل المفاوضات بين المجلس العسكري في السودان والمعارضة ممثلة بـ"تحالف الحرية والتغيير"، للاتفاق على نقل الحكم إلى سلطة مدنية، اتجه قادة المجلس العسكري نحو تكثيف نشاطهم الخارجي، باتجاه السعودية والإمارات ومصر، لتزداد المخاوف في الداخل السوداني من انضمام الخرطوم كلياً إلى هذا المحور على حساب علاقتها بدول أخرى، إضافة إلى القلق من تبعات التحركات الخارجية على مصير الثورة السودانية، وتحديداً سعي الرياض وأبوظبي والقاهرة، لدعم العسكر بهدف تعزيز قبضتهم على السلطة، وتأخير إقامة حكومة مدنية، بما يهدد بإجهاض التجربة الديمقراطية المنتظرة بعد إسقاط حكم عمر البشير.
وفي تعبير عن القلق السوداني من هذه الزيارات، سارع إبراهيم الشيخ، رئيس المجلس المركزي لحزب "المؤتمر" السوداني، أحد أحزاب "تحالف الحرية والتغيير"، إلى كتابة مداخلة وجدت رواجاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر فيها عن قلقه العميق من التقاطعات الإقليمية في السودان، مشيراً إلى أن لقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي تشابكات إقليمية ودولية، تعمل على إعادة تجييشها لأجندات محددة، الأمر الذي يحولها إلى مركز قوة باطش داخل الدولة الهشة أصلاً.
وفي حديث لـ"العربي الجديد" تعليقاً على تحرك قادة المجلس العسكري في الإمارات والسعودية ومصر، قال الشيخ إن تلك الدول تحرص على الاحتفاظ بمكاسبها التي حصلت عليها منذ نظام البشير، خصوصاً مكسب مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن، بينما تحاول القاهرة على وجه التحديد العمل على كسب مواقف جديدة من الخرطوم بشأن سد النهضة، لافتاً إلى وجود مصالح حقيقية للسودان مع تلك الدول، مع تقليله من تأثير التحرك الخارجي للمجلس العسكري على مجمل التفاوض بينه وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، ومحملاً التعثّر فيه للمجلس العسكري بسبب عدم موافقته على مقترحات بشأن مجلس السيادة.
وحذر الشيخ من تعامل الدول مع حميدتي باعتبار أن قواته (قوات الدعم السريع) بديلة للجيش السوداني، مطالباً بأن يتم التعامل في الشؤون العسكرية عبر الجيش السوداني ومؤسسات الدولة الأخرى. كما انتقد تمدد حميدتي في إدارة ملفات الدولة، بما في ذلك ملف العلاقات الخارجية والاقتصاد والشرطة.
من جهته، عزا رئيس "منبر السلام العادل" الطيب مصطفى، تحركات قادة المجلس العسكري الخارجية إلى الفراغ السياسي الذي خلّفه عدم الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى "الحرية والتغيير". وأبدى مصطفى في حديث مع "العربي الجديد"، أسفه لتركيز المجلس العسكري في تحركاته الأخيرة على دول محور واحد على حساب دول أخرى، مشيراً إلى أن تلك السياسة ليست نهائية ويمكن تغييرها تماماً في حالة تشكيل حكومة مدنية متفق عليها من الجميع. كما أبدى أسفه لما نُقل عن البرهان من تعهّدٍ بعدم إقامة علاقات مع دول لها عداء مع مصر، معرباً عن أمله بأن تكون تلك العبارة مجرد زلة لسان، "أما إن قالها عن قصد فيكون البرهان قد وضع كل رهاناته على محور واحد، مما يقلل مساحة الحركة أمامه"، متسائلاً "إذا كانت مصر تقيم علاقات مع إسرائيل فهل سيتبعها السودان؟". واستبعد نجاح أي مخطط، من أي جهة، يسعى إلى إقصاء الإسلاميين في السودان وتكرار تجربة مصر.
أما رئيس تحرير صحيفة "مصادر" عبد الماجد عبد الحميد، فرأى أن المجلس العسكري يواجه ضغوطاً داخلية كثيفة من تيار الحكومة المدنية، لذا سعى إلى تفاهمات تعزز قبضته على السلطة وتثبّت بقاء الجيش السوداني في اليمن. واعتبر عبد الحميد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن السعودية ومصر والإمارات تسعى من خلال المجلس العسكري إلى تحقيق أجندة واضحة، ومنها حرص مصر على أن يكون للسودان دور في الملف الليبي، وسعيها لموقف جديد من الخرطوم حيال ملف سد النهضة، فيما يطمح السعوديون والإماراتيون لإبقاء الجيش السوداني في اليمن وإقصاء الحركة الإسلامية من المشهد السياسي في السودان، فضلاً عن رغبة الجميع في ابتعاد الخرطوم عن المحور القطري التركي، مع تحجيم أي تحوّل ديمقراطي حقيقي في السودان.
من جهته، أيّد السفير السابق في الخارجية السودانية، الطريفي كرمنو، توجهات المجلس العسكري الأخيرة وتحركه الخارجي، لا سيما زيارة البرهان إلى مصر، والتي قال إنها حسمت الكثير من الأمور المعلقة، إذ أكدت، حسب تقديره، رئاسة البرهان لمجلس السيادة المقترح خلال الفترة الانتقالية.
وأضاف كرمنو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن البرهان ذهب إلى مصر وهو يواجه إضراباً عاماً أعلنته المعارضة، وبالتالي أراد الرد على ذلك التصعيد بالتأكيد أنه بات حكومة الأمر الواقع التي تمارس كل شيء بما في ذلك تحديد العلاقات الخارجية وتقرير تحالفاتها. ونفى كرمنو أن يكون هناك استهدافٌ للنظام الديمقراطي من أي جهة، وقال إن ذلك رهن لأي محاولة لتصدير ذلك النظام للجوار، كما فعل النظام السابق حينما حاول تصدير الإسلام السياسي، معتبراً أن الإسلاميين وبسبب ممارستهم السابقة أقصوا أنفسهم عن المسرح السياسي.