الانتخابات الأوروبية (5/5): معركة خلافة يونكر

27 مايو 2019
حافظ ويبر على علاقة جيدة مع ميركل (لينارت برايس/Getty)
+ الخط -

اختار الألماني مانفريد ويبر (47 عاماً)، الذي يعدّ أبرز المرشحين لتولي رئاسة المفوضية الأوروبية، خلفاً للوكسمبورغي جان كلود يونكر بعد الانتخابات الأوروبية، التي انتهت أمس الأحد، طريقاً عادة ما يسلكه المسؤولون الأوروبيون في نهاية حياتهم في معترك العمل السياسي. استحق ويبر الترشح للمنصب التنفيذي في بروكسل، وهو أحد أهم ثلاثة مناصب في الاتحاد الأوروبي، بعد حصوله على نحو 492 صوتاً من أصل 619 ضد منافسه الفنلندي ألكسندر شتوب، في انتخابات داخل حزب الشعب الأوروبي، مستفيداً من خوضه المبكر لغمار الانتخابات الأوروبية في عام 2004. ثم مواصلته حضوره في البرلمان، فأصبح عام 2009 نائباً لرئيس كتلة حزب الشعب الأوروبي بعد مشاركته وبشكل فاعل في تشريعات الاتحاد الأوروبي، ثم تولى عام 2014 زعامة المجموعة البرلمانية الأكبر في برلمان ستراسبورغ منذ عام 1999.

على الرغم من ذلك، فإن مساعي ويبر للوصول إلى رئاسة المفوضية الأوروبية، ليكون إن تم ذلك ثاني ألماني بعد والتر هالشتاين (1958ـ1967)، تصطدم بعقبات عدة أبرزها حجم الاعتراضات عليه. القمة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، التي عُقدت مطلع شهر مايو/ أيار الحالي في رومانيا، أظهرت أن هناك تشكيكاً علنياً من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزعماء آخرين في الاتحاد بإمكانية تولي المرشح الأول للأحزاب المحافظة الأوروبية (وهو اتحاد من 51 حزباً مسيحياً ديمقراطياً محافظاً في التكتل) رئاسة المفوضية الأوروبية.

إذاً، يحاول ماكرون على ما يبدو استغلال كل الفرص لإضعاف ويبر، المرشح الأعلى لحزب الشعب الأوروبي، طامحاً لدعم مرشح آخر لقيادة المفوضية في المرحلة المقبلة. كما سبق أن عمد أخيراً إلى إعلان نيته تشكيل مجموعة سياسية جديدة مع الليبراليين الأوروبيين. من هنا يمكن القول، إن حظوظ ويبر غير مضمونة، وهناك انقسام واضح حول شخصه وقدراته لتولي هذا المنصب التنفيذي في مكاتب بروكسل، ومن شأن الانتخابات هذه المرة أن تخلط الأوراق مع تزايد حضور اليمين الشعبوي داخل البرلمان الأوروبي. وعلى الرغم من التحشيد الذي يظهره حزب الشعب لويبر في أوروبا، على اعتبار أنه من المرجح أن يظلّ أقوى فصيل في ستراسبورغ، من المتوقع أن تصل كتلة اليمين الشعبوي إلى 60 نائباً، ما قد يجعلها رابعة أكبر كتلة.

في المقابل، يحظى ويبر بدعم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحزبها المسيحي الديمقراطي، بالإضافة إلى دعم المستشار النمساوي سيباستيان كورتز وزعماء آخرين أعلنوا تأييدهم صراحة له، وخصوصاً أنه يعدّ من الشخصيات القيادية في حزبه المسيحي الاجتماعي في بافاريا.

دوافع المنتقدين من الزعماء الآخرين لويبر تتفاوت بين طموحات خاصة، كرئيسة ليتوانيا المنتهية ولايتها داليا غريبوسكايت، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي لم يعد يسمح لحزبه بحضور اجتماعات حزب الشعب الأوروبي على خلفية مواقفه من ويبر، ونية ماكرون كسر سلطة المحافظين. ويبدو أن توجه الرئيس الفرنسي يلقى تأييداً من يمين الوسط في إسبانيا وبعض الأحزاب الأخرى القريبة من توجهاته في إيطاليا وبلجيكا، وأيضاً في هولندا من قبل حزب رئيس الوزراء مارك روته، ناهيك عن التشكيك بقدرات ويبر بسبب افتقاره إلى الخبرة الحكومية وإمكانية تمثيله الاتحاد الأوروبي في العالم كوجه لأوروبا. في موازاة ذلك، هناك حديث عن أن تحالفات ماكرون قد تدفع باتجاه ترشيح البلجيكي غي فيرهوفشتات لرئاسة البرلمان الأوروبي، وربما الدنماركية مارغريت فرستاغر للمفوضية الأوروبية.

في هذا الإطار، رأى خبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أن نجاح ويبر وتسلمه المنصب الأوروبي، لا يمكن أن يعتمد فقط على أصوات الناخبين من دون التزامات تجاه مستقبل أوروبا، وعليه أن يكون قادراً على الوفاء بأي من وعود، بينها ما أطلقه أخيراً في حديث مع "دويتشلاند فونك" بأنه سيضع سياسة اللجوء، التي وصفها بأنها جرح سياسي مفتوح للقارّة في صلب أولوياته. مع العلم أن ملف اللاجئين وطريقة توزيعهم يعتبر من أكثر الملفات الشائكة التي تقض مضجع دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة. كما كان لدى ويبر، عضو المجلس المركزي للكنيسة الكاثوليكية رأي واضح، وفيه أنه بالنسبة للناخبين في جميع أنحاء أوروبا لم يكن قابلاً للتفاوض أن يواصل النواب البريطانيون التصويت، وهم الذين قرروا مغادرة الاتحاد الأوروبي.



لكن توجه حزب الشعب الأوروبي ليقود مرشحه ويبر المفوضية الأوروبية، وهو الذي لم يتبوأ يوماً رئاسة حكومة أو منصباً وزارياً، يعتبره كثيرون فيه شيء من المغامرة، وخصوصاً أن عليه أن يتحمل مسؤولية جهاز يضم قرابة 32 ألف مسؤول وموظف، بمن فيهم الذين يفتقرون إلى الخبرة في مهماتهم. كما أنه سيتعين على ويبر التعامل مع شخصيات سياسية من الأوزان الثقيلة، من مجلس الاتحاد إلى رؤساء دول وحكومات 28 دولة يضمّها التكتل الأوروبي. وعلى الرغم من الجولات التي قام بها ويبر إلى الدول التي عانت اقتصادياً في أرجاء القارّة العجوز كإسبانيا والبرتغال، التي أعرب فيها عن نيته جعل الناس يشعرون بأنه لا توجد دولة في الاتحاد الأوروبي غير مهمة، فهو على الرغم من انفتاحه وفق ما يصفه عارفوه، يواجه صعوبات أخرى، منها أنه يحتاج إلى مساعدة أو استمالة جميع الأحزاب المحافظة مجتمعين من 27 دولة لانتخابه. وهذا يعني أنه من المفترض أن يدخل في حملات انتخابية، شبّهها المراقبون بسباق تعرج ضمن عوالم سياسية مختلفة تماماً. ما يجب عليه أن يمسك خطاً بيانياً مثالياً فيه الكثير من الصعوبة، بينها ألا يشترك مع أولئك الذين يمكن أن يخيفوا الناخبين في البلدان الأخرى، بموازاة احترامه العديد من المواقف المختلفة وربما التوصل معهم إلى توافق في الآراء.

وأبرز المراقبون معارضة ويبر لخط ستريم 2، الذي سيجر الغاز الروسي عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، في إشارة منه لاستمالة الجانب الأوكراني. وهو موقف معارض لسياسة ميركل التي دافعت عن المشروع لسنوات، وربما رسالة بأن الأخير يريد القول فيها إنه يعارض ألمانيا لصالح أوروبا، كما التوضيح للإيطاليين أنه يتعين عليهم دعم العقوبات ضد روسيا التي ستكون مؤلمة بالنسبة للاقتصاد الإيطالي.

من جهة أخرى، يمكن القول إن ويبر فرض نفسه عندما ركز على نقاط أساسية تهم أوروبا وتمثل مواقف المحافظين بوضوح، أولاً أن تركيا لن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، عندما قال إنه سيدافع عن الهوية المسيحية لأوروبا، ومن أن للأوروبيين الحق في معرفة من يأتي إليهم. ما اعتبره كثيرون بأنه تصريح غير شعبوي. كما أكد التزامه التمسك بالاتفاقيات الأوروبية، ما يرفع من حظوظه في وجه منافسه الاشتراكي فرانس تيمرمانس، مرشح الأحزاب الاشتراكية لرئاسة المفوضية، وذلك في وقت يطالب المؤيدون لفكرة الاتحاد الأوروبي بإقامة اتحاد اجتماعي أوروبي وقانون ضريبي أوروبي موحد، وشرطة أوروبية وحرس حدود أوروبي. مع العلم أنه بات مطلوباً أن تكون أوروبا قوية ضد القوى الكبرى مثل الصين والهند والولايات المتحدة، مع حفاظها على قيم الديمقراطية والحرية والتضامن والليبرالية الاجتماعية.

في المقابل، يرى محللون أنه في حال عدم نجاح ويبر في سحب خصومه السياسيين إلى جانبه، فإنه لن يتمكن من الظفر بمنصب رئيس المفوضية. والأكثر من ذلك أنه ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، حتى مع المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين، لن يحقق هذه الأغلبية. وعليه بذل الجهد للعثور على هذا الشريك مع حزب ثالث أو رابع على الأقلّ، ربما يكون حزب الخضر. من ثم يحتاج ويبر إلى برنامج انتخابي ثان يستهدف شركاءه المحتملين، من ضمنه مثلاً دفع التشريعات ضد منتقدي الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن مجلس رؤساء الدول وحكومات الاتحاد الأوروبي وحده صاحب الحق في اقتراح مرشح لرئاسة المفوضية الأوروبية، حتى ولو كان البرلمان الأوروبي هو الذي ينتخب الرئيس بعد ذلك. وهنا يسري الحديث عن كفاءة ويبر، الذي لا يتمتع بأي خبرة في مركز قيادي رسمي، بل يتميز بإتقانه لغات عديدة، ما قد يدفع الكثير من رؤساء الحكومات والدول إلى التردد بالتوصية للبرلمان الأوروبي بانتخاب الأخير.

ولد ويبر عام 1972 في نيدرهاتزكوفن، درس الهندسة في جامعة ميونخ وحصل على دبلوم دراسات عليا في تقنيات حماية البيئة. أسس شركتين في مجال الإدارة والسلامة البيئية، قبل بيعهما لاحقاً. مسيرة ويبر السياسية بدأت في عمر مبكر، إذ كان ناشطاً في سنّ الـ16 ضمن اتحاد شباب الاجتماعي المسيحي في بافاريا، كما كان هاوياً للموسيقى، عازفاً على آلة الغيتار، إذ مارسه لمدة عشرين عاماً ضمن فرقته الخاصة. انتخب عام 2002 نائباً عن بافاريا بسنّ الـ29 وكان حينها أحد أصغر أعضاء البرلمان، وبعد عام أصبح عضواً في المجلس التنفيذي للحزب. وبين عامي 2008 و2016 تولى ويبر مسؤولية منطقة بايرن السفلى، كما يشغل منذ عام 2015 منصب نائب رئاسة الحزب البافاري.

وسبق أن أعلن ويبر العام الماضي عن رغبته بتولي زعامة الحزب المسيحي الاجتماعي، خلفاً للزعيم السابق، وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر، الذي قرر أخيراً ترك المنصب بعد اختلافات في وجهات النظر مع مسؤولي حزبه وتراجع تأثيره في صفوف الحزب، بفعل مشادّاته مع ميركل العام الماضي، التي تركت آثارها السلبية على علاقة تمتد لعقود بين المسيحي الديمقراطي والشقيق الأصغر الاجتماعي المسيحي. وبقي ويبر الذي يمثل الجناح الليبرالي داخل حزبه، على صلة مع القيادات السياسية داخل المسيحي، تحديداً ميركل. وهو ما دفعه لعدم الترشح لزعامة المسيحي الاجتماعي، وعدم منافسة رئيسه الحالي ماركوس سودر. 


دلالات