مصر: صراع مبكر بين دوائر السيسي على مجلس الشيوخ

25 مايو 2019
السيسي يملك تعيين الثلث من أعضاء المجلس (فرانس برس)
+ الخط -
في ظل معلومات عن نية نظام عبد الفتاح السيسي في مصر إجراء انتخابات مجلس الشيوخ قبل نهاية العام الحالي، وبروز احتمال إجرائها متزامنة مع انتخابات جديدة لمجلس النواب مطلع العام المقبل، بدأ سباق محموم، في الخفاء، بين الدوائر السيادية والأمنية والسياسية، بما تضمه من شخصيات نافذة، وأخرى قريبة من دائرة السيسي، وفئة ثالثة ذات صلة بالحكومة فضلاً عن فريق رابع من رجال الأعمال الكبار والمحليين في الأقاليم المختلفة، يهدف منه الجميع للاستحواذ على أكبر قدر من المقاعد في مجلس الشيوخ الجديد، الذي أعاده النظام في التعديلات الدستورية الأخيرة كغرفة برلمانية ثانية بلا أي صلاحيات تنفيذية.

وقالت مصادر سياسية عديدة إن السبب الأساسي لتدشين المجلس هو مكافأة ومجاملة أكبر قدر من الأشخاص الذين يقدمون خدمات للنظام، لاستمرار استمالتهم والسيطرة عليهم، في محاولة لإعادة إنتاج تجربة مجلس الشورى في عهد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وتخلو المواد المنظمة لمجلس الشيوخ في الدستور المعدل من منحه أي سلطات مؤثرة، فهي تسند إليه "دراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته"، وهي مجموعة من الألفاظ العمومية والإنشائية الفارغة التي سبق تضمينها في دساتير سابقة بلا أي مردود على حياة المواطن المصري. كما تنص المواد على أن يؤخذ رأي المجلس في الاقتراحات الخاصة بتعديل الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح، ما يعني أن صلاحياته تتوقف عند حدود إبداء الرأي لا أكثر.

ولا يدل على تهميش صلاحيات هذا المجلس الجديد إلّا ما نصت عليه المادة 249 من أن يؤخذ رأيه في "مشاريع القوانين ومشاريع القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من مواضيع تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية". ويتضح من ذلك أن صلاحيات مجلس الشيوخ الخاص بالسيسي ستكون أقل من مجلس الشورى في عهد مبارك، لأن دستور 1971، المعدل في العام 1980، كان يجعل عرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى إلزامياً، لكن الدستور الجديد يجعل هذا العرض اختيارياً.

ويعكس ذلك رغبة النظام في تهميش دور هذا المجلس وإبقائه مجرد "مستودع للمجاملات"، على الرغم من أن ميزانيته لن تقل بأي حال عن 600 مليون جنيه (نحو 36 مليون دولار) سنوياً، بحسب مصدر حكومي مطلع، بالنظر للميزانية الحالية لمجلس النواب وهي مليار و400 مليون جنيه، وعدد أعضائه الذي لن يقل عن 180 بموجب الدستور، بالإضافة لنحو 300 موظف كانوا قد انتقلوا من مجلس الشورى إلى مجلس النواب، وفي الغالب سيعودون مرة أخرى لمباشرة أعمالهم السابقة.



وعلى الرغم من الدور المحدود لمجلس الشيوخ، تعود المنافسة بين دوائر النظام بسبب التفاصيل الخاصة بعدد أعضاء المجلس وميزانيته والمزايا التي ستعود عليهم منه. والمادة 251 من الدستور تتيح الأخذ بالنظام الانتخابي الفردي أو القائمة، أو الجمع بأي نسبة بينهما، في ما يخص هذا المجلس، ما يعني إمكانية اختلاف النظام الانتخابي له عن الذي سيوضع لمجلس النواب. وتسير المؤشرات في اتجاه زيادة حصة القائمة المغلقة وتخفيض المقاعد المخصصة للانتخاب الفردي في مجلس النواب.
وتحاول بعض دوائر النظام الدفع ليكون انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بالقائمة المغلقة فقط، لضمان التحكم في تشكيل المجلس وإدخال الأعداد الكافية من الشخصيات المقربة لكل دائرة أو جهاز بالمحافظات المختلفة في قائمة موحدة، تحت ستار حزب "مستقبل وطن"، الذي ترجح المصادر السياسية أن يرث في الفصل التشريعي المقبل مسمى الأكثرية النيابية الحالية "دعم مصر". وبالتالي يصبح تشكيل المجلس بالكامل تحت إشراف وإدارة مباشرة من دائرة السيسي الاستخباراتية الرقابية، التي تستعين في بعض الملفات بجهاز أمن الدولة وتدير حالياً حزب "مستقبل وطن"، علماً أنه، وفقاً للدستور، فإن السيسي يملك تعيين الثلث الثالث من أعضاء هذا المجلس.

لكن بعض الدوائر الأخرى، خصوصاً التي تنتمي إلى جهاز أمن الدولة، وتحاول التأثير على آلية اتخاذ القرار حالياً، تسعى إلى الدفع باتجاه إجراء انتخابات بالنظام الفردي على ثلث عدد المقاعد وانتخابات بالقائمة على الثلث والتعيين للثلث الثالث، وذلك بحجة إتاحة فرصة التنافس لأكبر عدد من الشخصيات الموالية للنظام والمقربة من أجهزة مختلفة على المقاعد الفردية، الأمر الذي يشكل قلقاً بالنسبة لجهاز الاستخبارات وإدارة حزب "مستقبل وطن"، خوفاً من نجاح شخصيات، غير مأمونة الجانب تماماً، بالتسلل للمجلس بمساعدة أجهزة أمنية أو دوائر أخرى.

وأوضحت المصادر السياسية أن دائرة السيسي الشخصية لم تتخذ بعد قراراً بشأن النظام الانتخابي للمجلس الجديد، وأنها تحاول المفاضلة بين الرؤيتين السابق ذكرهما، وتحاول اختبار الآثار المختلفة التي قد تترتب على اتباع أي منهما. فالرؤية الأولى الخاصة بالاختيار المباشر بواسطة النظام، ودعم قائمة موحدة بعينها، ربما تؤدي لخسارة النظام خدمات أذرع تنفيذية له في مناطق مختلفة، خصوصاً في الصعيد والوجه البحري. أما الرؤية الثانية، التي تطرح احتمالية التنافس داخل عباءة النظام، فهي مفيدة في بعض الجوانب، لكن قد يترتب عليها دخول عناصر تنتمي إلى نظام مبارك أو مقربة من فلوله الذين ما زالوا يريدون أداء أي دور سياسي، بعد حرمانهم المتعمد في السنوات الست الماضية، خصوصاً أن تجربة إدارة انتخابات الرئاسة الأخيرة شهدت صراعاً على الأرض لإثبات الجدارة في جذب الناخبين وتوزيع الرشى الانتخابية، وهو ما ينذر بمعركة انتخابية شرسة بين رجال الأعمال المحليين والعائلات والقبائل، ترى بعض دوائر النظام أنها ستورط الأجهزة الأمنية وستحرجها. وإلى جانب الصراع حول النظام الانتخابي فهناك سباق حول حجز المقاعد في الثلث المخصص لتعيينات رئيس الجمهورية، والمناصب الرئاسية في هذا المجلس عديم الصلاحيات. وقالت مصادر حكومية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك مفاضلة بين أسماء عدة لتولي رئاسة المجلس ووكالته، فالمستقر عليه أن يكون الرئيس وأحد الوكيلين من الثلث المعين، والوكيل الآخر من المنتخبين. وأبرز الشخصيات المرشحة لرئاسة المجلس وزير الدفاع السابق صدقي صبحي، ورئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل، ورئيسا المحكمة الدستورية السابق عبد الوهاب عبد الرازق والحالي حنفي الجبالي، ورئيس مجلس الدولة الحالي أحمد أبو العزم، ورئيس مجلس القضاء الأعلى الحالي مجدي أبو العلا.

وفي سياق قريب، أوضحت المصادر الحكومية أن احتمالات إجراء انتخابات مزدوجة للنواب والشيوخ معاً "قائمة" وفقاً لتوصيات من وزارة المالية لتخفيض نصيب الاستحقاقات الانتخابية من الموازنة العامة المقبلة، وكذلك لتلافي الآثار المالية السلبية لاستفتاء التعديلات الدستورية الأخير. لكنها استبعدت إجراء الانتخابات المحلية خلال العامين 2019 و2020، وهي التي لم يتم تعديل تنظيمها المنصوص عليه في دستور 2014، وهي مؤجلة منذ ذلك الحين ولم يصدر قانون ينظمها.