توتر الخليج: تطمينات إيرانية وتحذيرات أميركية

19 مايو 2019
مطالبة شركات الطيران بتوخي الحذر فوق مياه الخليج(فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من التهدئة الإعلامية بين الولايات المتحدة وإيران في اليومين الماضيين، وأحدثها إعراب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس السبت، عن اعتقاده بأن الحرب لن تندلع في المنطقة لأن طهران لا تريدها، إلا أن الاحتياطات الأمنية الأميركية تحسباً لاحتمالات تفجر الأوضاع لا تزال مستمرة. 
وأصدرت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية تحذيراً للخطوط الجوية التجارية في الولايات المتحدة تنصح فيه بتوخي الحذر أثناء تحليق الطائرات فوق مياه الخليج وخليج عمان، وذلك بالتزامن مع إضافة لجنة الحرب المشتركة لرابطة السوق لويدز الخليج العربي وخليج عمان والإمارات أول من أمس الجمعة إلى قائمة المناطق التي تشكل خطراً أكبر على شركات التأمين. كما وسّعت اللجنة قائمتها لتشمل الساحل السعودي كمنطقة خطر.
في موازاة ذلك، أكدت مصادر أمنية ونفطية أن شركة إكسون موبيل بدأت أمس بإجلاء موظفيها الأجانب من حقل غرب القرنة 1 النفطي في البصرة العراقية، فيما كانت وسائل إعلام عدة قد أفادت أن السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي وافقت على طلب من الولايات المتحدة لإعادة انتشار قواتها العسكرية في مياه الخليج وعلى أراضي دول خليجية، وذلك بالتزامن مع لقاء جمع رؤساء القوات البحرية وكبار القادة العسكريين في دول مجلس التعاون الخليجي مع القيادات العسكرية للقوات البحرية الأميركية والقوات المشتركة في مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية في البحرين.
وترافق ذلك مع دعوة البحرين مواطنيها في إيران والعراق إلى ضرورة المغادرة فوراً وذلك ضماناً لأمنهم وحفاظًا على سلامتهم، فيما طالبت البحرينيين بعدم السفر إلى البلدين "في الوقت الراهن، نظراً للأوضاع غير المستقرة التي تشهدها المنطقة والتطورات الخطرة والتهديدات القائمة، وما تحمله من مخاطر كبيرة على الأمن والاستقرار، مشددة على ضرورة أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر".


تطمينات ظريف

وجاءت الاحتياطات الجديدة على الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قال أمس السبت، من بكين في ختام جولته الآسيوية، إنه يعتقد أن الحرب لن تندلع في المنطقة لأن طهران لا تريدها. وأضاف في تصريح صحافي قبيل اختتام زيارته إلى العاصمة الصينية، "لن تكون هناك حرب لأننا لا نريد الحرب"، معتبراً أنه "لا يمكن لأحد مواجهة إيران في المنطقة".
وأشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "أعلن حديثاً وبشكل رسمي أنه لا يريد الحرب"، لكن مقربين منه "يدفعونه إلى حرب لإظهار قوة أميركا أمام إيران". وشدد على أن "ما كان يعرف بسياسة أميركا أولاً استبدلت بسياسة إسرائيل أولاً أو حكام رجعيين في المنطقة أولاً"، مضيفا أن هذه الأطراف "تتجه لتسيطر على الإدارة الأميركية بالقدرة المالية والإعلام".
وجاءت تصريحات ظريف التطمينية بعد يوم واحد من الدعوة التي أطلقها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشيه، من أجل إجراء حوار إيراني أميركي في العراق أو قطر يكون هدفه إدارة التوتر المتصاعد في المنطقة، فضلاً عن إشارات صادرة من الإدارة الأميركية بالرغبة في خفض التصعيد والدخول في مفاوضات.
لكن هذا التوجه نحو التهدئة قابله اعتبار قائد الحرس الثوري حسين سلامي، أمس السبت، أن إيران تخوض حرباً شعواء مع الولايات المتحدة تشمل الاستخبارات والهجمات الإلكترونية والردع العسكري، مشدداً على أنها "ستلحق الهزيمة بها".
ووصف اللواء سلامي المعركة الاستخبارية بين إيران وأميركا بأنها حقيقية. ولفت سلامي إلى التطورات الأخيرة بين طهران وواشنطن، قائلاً إنها تمثل "ورشة لمعرفة حقيقة أميركا"، مضيفا أن "الأميركيين كانوا يتصورون أنهم كلما يشددون ضغوطهم، لن يرد الإيرانيون، لكن القرارات والإجراءات الأخيرة للجمهورية الإسلامية هدمت هذه التصورات"، من دون أن يكشف عن طبيعة هذه الإجراءات التي قام إيران باتخاذها في مواجهة التصعيد الأميركي. كما اعتبر أن السياسات الأميركية "لم تصنع لها القوة بل أنتجت العداوة".
كما نقلت نقلت وكالة الأنباء الإيرانية "ارنا" عن القائد العام للجيش الإيراني، اللواء عبدالرحيم موسوي، قوله أول من أمس الجمعة "بأنه لو ارتكب العدو أي خطأ في الحسابات سيتلقى رداً يجعله نادماً".


تحذيرات وسحب موظفين

في ظل هذه الأجواء، قالت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية في التحذير الذي أصدرته يوم الخميس ونشرته في وقت متأخر من مساء الجمعة إن الخطوة تأتي وسط "تزايد في الأنشطة العسكرية والتوترات السياسية في المنطقة مما يشكل خطراً عرضياً متزايداً على عمليات الطيران المدني الأميركية بسبب احتمالات مثل إساءة التقدير أو اللبس في تمييز هوية الطائرات".
وأفاد التحذير بأن جميع الطائرات التجارية التي تحلق فوق مياه الخليج العربي وخليج عمان بحاجة إلى أن تكون على علم "بالأنشطة العسكرية والتوتر السياسي المتزايد".
وأضاف يمثل ذلك "خطراً متزايداً غير مقصود على عمليات الطيران المدني الأميركي بسبب احتمالية سوء التقدير أو سوء التعرف". كما قال التحذير إن الطائرات قد تتعرض للتداخل مع أدوات الملاحة والتشويش على الاتصالات "من دون سابق إنذار". ويذكر التنبيه بما حدث قبل 30 عاماً، بعد عملية "صلاة السرعوف"، وهي معركة بحرية استمرت يوماً كاملاً في الخليج بين القوات الأميركية وإيران خلال حرب البلاد الطويلة مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. ففي 3 يوليو/ تموز، 1988، طاردت المدمرة الأميركية (يو إس إس فينسينز) زوارق سريعة إيرانية زُعم أنها فتحت النار على مروحية في المياه الإقليمية الإيرانية، ثم أخطأت فأصابت طائرة إيرانية كانت متجهة إلى دبي، إذ أطلقت المدمرة صاروخين على الطائرة، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها.
في هذه الأثناء، قال مسؤول عراقي كبير وثلاثة مصادر لرويترز، أمس السبت إن شركة إكسون موبيل، أجلت جميع موظفيها الأجانب (يقدر عددهم بنحو 50) عن حقل غرب القرنة 1 النفطي في العراق وعملية نقلهم إلى دبي ما تزال جارية.
وتعد هذه الخطوة الثانية من نوعها التي تتخذ داخل العراق في غضون أيام بعدما سحبت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي عدداً من دبلوماسييها من سفارتها في بغداد، وذلك في أعقاب الإعلان الإماراتي أن عملية تخريب استهدفت أربع ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة ، وتبني الحوثيين المسؤولية عن هجمات نفذت بطائرات مسيرة على محطتين لضخ النفط في السعودية.
وفي السياق، كشف مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية، لشبكة "سي أن أن" الأميركية أن سبب الإغلاق المفاجئ للسفارة في العراق، الخميس الماضي، كان ناجماً عن تهديد أمني بطائرة من دون طيار حلقت بالقرب من الموقع. وأضاف "نؤكد التقارير عن (جهاز طائر موجه) حلّق بالقرب من مجمع السفارة في بغداد بتاريخ 16 مايو/ أيار، وعادت العمليات إلى طبيعتها بعد تأكيد أن (الجهاز الطائر الموجّه) لا يشكل خطرا على الأشخاص أو المنشأة".
في غضون ذلك، نشرت وكالة "أسوسييتد برس" أمس تفاصيل جديدة بشأن ما نقله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى المسؤولين العراقيين خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد. وبحسب الوكالة فإن بومبيو، نقل رسالة إلى المسؤولين في بغداد، مفادها: "إذا لم تقفوا بجانبنا، قفوا على الحياد".
وقال مسؤولان عراقيان لـ"أسوشييتد برس" إنّ بومبيو أبلغ المسؤولين العراقيين، أنّ واشنطن لا تتوقع منهم أن يقفوا إلى جانب الولايات المتحدة في أي مواجهة مع إيران، لكن يجب عليهم ألا يقفوا ضد أميركا، وبعبارة أخرى أن يقف العراق جانباً. كما أشارا إلى أن وزير الخارجية الأميركي نقل إلى بغداد معلومات مخابراتية تلقتها الولايات المتحدة، حول تهديد للقوات الأميركية في العراق، لكنّها أبقتها غامضة.
في المقابل، نقلت الوكالة عن مسؤولين أميركيين، قولهم إنّ بومبيو أبلغ العراقيين أنّ الولايات المتحدة لها "حق أصيل في الدفاع عن النفس" وأنها ستستخدمه في حالة مهاجمة أفراد أو منشآت أو مصالح أميركية، من قبل إيران أو وكلائها، في العراق أو في أي مكان آخر. وذكر ثلاثة مسؤولين أميركيين تحدثوا لـ"أسوشييتد برس" شريطة عدم الكشف عن هويتهم، كونهم غير مخوّل لهم علناً مناقشة الاجتماعات الخاصة في بغداد، أنّ بومبيو لا يفكر في أي ضربات وقائية على إيران، أو استخدام الأراضي العراقية لشن عمليات عسكرية ضدها.
وأوضح المسؤولون الأميركيون، أنّ رسالة بومبيو كان مفادها أنّ الولايات المتحدة تريد تجنّب الصراع، ولكنّها سترد أو تدافع عن نفسها إذا لزم الأمر.
وفي السياق، كشف جنرال في وزارة الدفاع العراقية، لـ"أسوشييتد برس"، أنّ العراق يتخذ إجراءات أمنية احترازية في ضوء المعلومات المتعلّقة بالتهديدات ضد المصالح الأميركية، على الرغم من أنّ هذه الإجراءات لم تصل إلى أعلى المستويات.

دلالات
المساهمون