قالت مصادر دبلوماسية رسمية في وزارة الخارجية المصرية إن القاهرة تسعى لتنظيم اجتماع تشاوري جديد بشأن سد النهضة الإثيوبي، على مستوى وزراء المياه والري في دول مصر والسودان وإثيوبيا، بعد توقف كل الآليات التشاورية في هذا الشأن.
وبحسب المصادر، التي تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإن الخارجية المصرية بعثت برسالة رسمية غاضبة إلى الحكومة الإثيوبية، طالبت فيها بضرورة تحديد موعد في أسرع وقت لعقد اجتماع تشاوري جديد، وعدم التعلل بالأوضاع في السودان، للتهرب أو التأجيل. وفي السياق، أشار مصدر فني في وزارة الري المصرية إلى أن حالة من القلق وبعض الارتباك، تظهر على المسؤولين عن ملف السد، بعدما رفعت أجهزة سيادية تقارير خاصة بالسد تشير إلى تطورات جديدة بشأن عمليات البناء والتشغيل، قائلة إن آخر التقارير الصادرة في هذا الصدد توضح وجود تطورات إنشائية كبيرة على مستوى عمليات تشغيل التوربينات، وهي واحدة من أكثر المراحل أهمية.
وأضاف المصدر أن التقارير رصدت بدء إدخال تعديلات مساحية على مجرى النهر أمام السد، وهو ما يشير إلى تحركات لدى الجانب الإثيوبي لبدء عملية التخزين خلال موسم الفيضان المقبل، وذلك بشكل مُخالف للاتفاقات والتعهدات، بأن يتم التشاور الموسع قبل البدء في مثل تلك الخطوات التي تؤثر بالتبعية على دولتي المصب، مصر والسودان. وأوضح أن تكليفات سيادية صدرت للمسؤولين الفنيين عن ملف السد في الجانب المصري، بضرورة المتابعة الدقيقة للتطورات، في ضوء التقارير الواردة، وكذلك الصور الجوية الملتقطة عبر الأقمار الصناعية لموقع السد، ومقارنتها بسابقتها، لمعرفة حجم التطورات التي تجري على مختلف المستويات، الإنشائية والفنية.
وكان المدير التنفيذي لمشروع السد في إثيوبيا كفلى هورو أكد، في تصريحات رسمية منتصف الأسبوع الماضي، أنه تم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة المتعلقة بالأعمال الكهروميكانيكية للسد، و"بناءً على هذا، تم التعاقد مع شركات عالمية يمكنها استخدام المواد عالية الجودة للحصول على أفضل إنجاز للسد". يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه وزير الدولة في وزارة المياه والري الإثيوبية فريهوت ولد هانا أن "المشروع التنموي للبلاد ليس معلقاً على دولة أخرى"، في إشارة للأحداث التي يشهدها السودان. وأعلنت وزارة المياه والري الإثيوبية، أن التطورات الأخيرة في السودان لن تؤثر بشكل أساسي على مصير المفاوضات بين إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة.
وخلال الشهور الأخيرة من حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، حدث تقارب على نحو أكبر مع وجهة النظر المصرية بشأن سد النهضة، مقابل دعم واضح من قبل الحكومة المصرية لنظام البشير، وهو ما كانت القاهرة تعوّل عليه كثيراً في الضغط على أديس أبابا لإجبارها على التجاوب مع الملاحظات الفنية الخاصة بالسد. وسعت مصر على مدار أكثر من أربعة أعوام ماضية إلى جذب الجانب السوداني إلى صفها في أزمة سد النهضة الإثيوبي، وفصْله عن تكتله مع الجانب الإثيوبي في الأزمة، قبل أن يتم عزل البشير. وفي هذا الصدد، قال مسؤول مصري، لـ"العربي الجديد"، إن "القاهرة لم تكن تعتبر البشير صديقاً أو حليفاً، خصوصاً أنه كان شخصية مراوغة للغاية، ويسعى لتوظيف الأزمات والمواقف الإقليمية لمصلحته من دون أن يقدم أية تنازلات، في وقت كنا مضطرين للتعامل معه بسبب ملف سد النهضة، وتأمين الحدود الجنوبية، ومنع تسلل العناصر الإرهابية، وغيرها من القضايا شديدة الأهمية والحساسية بالنسبة للأمن القومي المصري". وأوضح أن القاهرة توصلت قبل نحو 8 أشهر من سقوط البشير إلى تفاهمات جيدة بشأن السد، وكذلك إجراء ترتيبات أمنية مشتركة بطول الحدود الجنوبية، مع التوصل لاتفاق مُرضٍ بشأن منطقة حلايب التي يرغب السودان في ضمها إليه.
وأوضح المسؤول أن القاهرة منذ اللحظة الأولى لسقوط البشير ومن قبلها، كانت تعمل مع أطراف داخلية سودانية وإقليمية لترتيب المشهد هناك، لمنع حدوث حالة من الفوضى تخسر بسببها القاهرة الكثير في عدد من الملفات، أهمها بالطبع ملف سد النهضة، مشيراً إلى أن صانع القرار المصري لم ينتظر كثيراً، وكان من بين المواضيع الخاصة بالمناقشات بين القيادة المصرية والمجلس العسكري الانتقالي هو ملف السد والتعاون بين القاهرة والخرطوم في مواجهة أديس أبابا. وبحسب المسؤول نفسه فقد "جرى اتفاق بين القيادة المصرية وقيادة المجلس العسكري على اعتبار ملف السد ملفاً سيادياً في السودان، وبالتالي يكون خاضعاً بشكل أساسي للمجلس وليس لأي حكومة تنفيذية مدنية أو سياسية"، لافتاً إلى أن "القاهرة تعلم جيداً بأن القيادة السياسية المصرية لا تحظى بترحيب في الشارع والأوساط السياسية السودانية نظراً لكونهم يرون أنها كانت داعمة للبشير". وأضاف أن أديس أبابا تسعى جاهدة لاستغلال حالة الفراغ السياسي في السودان، وتحقيق أكبر قدر من الإنجاز في إنشاءات السد، ومواصلة سياسة الأمر الواقع كما فعلت في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر، وتغيير كافة الخطط الخاصة بالسد، ومضاعفة حجمه وزيادة قدرته الاستيعابية لتصل إلى 74 مليار متر مكعب، وهو ما ترغب القاهرة في قطع الطريق أمامه.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد وقّعت مجموعة من اتفاقيات الشراكة مع الخرطوم خلال فترة التباعد بين مصر والسودان، كان من بينها اتفاقات متعلقة بإمداد السودان بالكهرباء اللازمة من السد، وكذلك اتفاقية للدفاع المشترك وتأمين السد. وتسعى القاهرة من خلال علاقاتها الوطيدة بالمجلس العسكري في السودان إلى تحجيم تلك الاتفاقيات، عبر توفير بدائل، منها مشروع الربط الكهربائي بين القاهرة والخرطوم والذي قطعت الاستعدادات الفنية له شوطاً كبيراً. ونتيجة للتطورات الخاصة بسد النهضة، أعلنت الحكومة المصرية أخيراً عن التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر، بهدف زيادة الموارد المائية التي تُسهم في تلبية الحاجات المتزايدة للمصريين، خصوصاً في المحافظات الساحلية التي تعاني فقراً مائياً، وذلك من خلال خطة عاجلة لزيادة عدد محطات التحلية، بالإضافة إلى زيادة إنتاج وقدرات بعض المحطات الموجودة حالياً وتتضمن الخطة التي وضعتها وزارة الإسكان المصرية زيادة الموارد المائية من محطات تحلية مياه البحر بحلول عام 2020 إلى 1.7 مليون متر مكعب في اليوم، بما نسبته 6.6 في المائة من إجمالي مياه الشرب. كما تتضمن شقاً عاجلاً بالانتهاء من إنشاء 19 محطة لتحلية مياه البحر، بمحافظات شمال وجنوب سيناء، ومرسى مطروح، وبورسعيد، والبحر الأحمر، بطاقة 626 ألف متر مكعب في اليوم. وسيتم تنفيذ 16 محطة أخرى بطاقة إجمالية 671 ألف متر مكعب في اليوم، في محافظات مرسى مطروح، والبحر الأحمر، وشمال وجنوب سيناء، وكفر الشيخ، بخلاف 58 محطة قائمة، بطاقة إجمالية تبلغ 440 ألف متر مكعب في اليوم، وهو ما يعني وصول محطات تحلية مياه البحر في مصر إلى 93 محطة بنهاية عام 2020.