بداية صعبة لمفاوضات عسكر السودان والمعارضة... واستعجال سعودي-إماراتي لفرض الوصاية

15 ابريل 2019
يتواصل الاعتصام أمام مقر قيادة القوات المسلحة(إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -
يدخل الحراك الثوري في السودان مرحلة جديدة صعبة؛ فعلى الرغم من نجاحه في إطاحة الرئيس عمر البشير ثم إسقاط وجوه مرفوضة في المجلس العسكري الانتقالي، أبرزها عوض بن عوف، إلا أنه اصطدم بتطورين جديدين، أولهما اتضاح صعوبة الانتقال إلى المرحلة الانتقالية وفق الرؤية التي يريدها الشارع، وهو ما بدا في انطلاق المفاوضات بين العسكر وقوى معارضة، والتي قوبلت برفض من قبل قوى معارضة، والثاني بمسارعة السعودية والإمارات ومعهما مصر لمحاولة الدخول إلى الساحة السودانية عبر المجلس العسكري واحتضانه وتقديم الدعم له، في سياق توجّه هذه الدول لدعم الأنظمة العسكرية على حساب الانتفاضات الشعبية. ولكن العامل الأهم الذي يمكن أن يقلب كل المعطيات، هو الشارع، مع إصرار المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني على الاستمرار في اعتصامهم، مراهنين على قدرتهم على فرض رؤيتهم على الجميع، سواء المجلس العسكري الانتقالي أو المعارضة نفسها.

وقبيل إعلان المجلس العسكري أمس تأييده تولي شخصية "مستقلة" رئاسة الحكومة، كان ليل السبت الأحد يشهد انطلاق مفاوضات بينه وبين قوى معارضة، وهو تطور أدى إلى بروز خلافات بين مكوّنات المعارضة، أبرزها اعتراض "الحركة الشعبية لتحرير السودان - قطاع الشمال" على ما اعتبرته تعجّلاً وتسرعاً من "قوى إعلان الحرية والتغيير" على لقاء رئيس وأعضاء المجلس العسكري الانتقالي من دون تفويض عملي لها. وقال سكرتير العلاقات الخارجية في تحالف "نداء السودان" ياسر سعيد عرمان، في تصريح صحافي، إن قضايا الشارع في الحرية والسلام والعدالة والترتيبات الانتقالية وكيفية التعامل مع المجلس العسكري تحتاج إلى حوار عميق. وأضاف "لن نسمح لأي أحد بتمثيلنا قبل الاتفاق على المهام والواجبات وكيفية التمثيل والتعامل مع المجلس العسكري قبل إعطائه الشرعية"، مستدركاً بالقول "نثق في قوى الحرية والتغيير، ونحتاج إلى الوصول إلى تفاهم عميق حول هذه القضية لكي نعمل كجبهة واحدة ونحن جزء لا يتجزأ من قوى الحرية والتغيير".

ولم يكن عرمان وحده معترضاً على لقاء "قوى إعلان الحرية والتغيير" مع المجلس الانتقالي، فقد برزت أصوات أخرى من "قوى الإجماع الوطني"، واحد من مكونات "إعلان الحرية والتغيير"، اتفقت إلى حد كبير مع ما ذهب إليه عرمان، وأكدت عدم تفويض وفد للتفاوض.
لكن على الضفة الأخرى، رأى الوفد المعارض الذي التقى المجلس الانتقالي ليل السبت الأحد، أن التحفّظات على اللقاء مفهومة، وأنه ذهب لتوصيل المطالب المتفق عليها إلى المجلس العسكري من دون تفريط فيها أو التنازل عن أي بند فيها. وقال رئيس الوفد عمر الدقير في بيان، إن المطالب التي سُلّمت، شملت "إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات" الذي استقال مديره صالح قوش السبت بعد إقصاء البشير. وقال الدقير "سنواصل اعتصامنا حتى تتحقق كل مطالبنا"، بما فيها تشكيل حكومة مدنية.

وفي وقت لاحق أمس، قدمت "قوى إعلان الحرية والتغيير"، اعتذارها عن قصور في تمثيل وفدها المفوض بالاتصال بالجيش السوداني. وتعهدت القوى، في بيان لها، بـ"تصحيح تلك الأخطاء فوراً حتى يعبر الوفد عن كل الآمال والتطلعات وأن يكون على قدر المسؤولية العظيمة".


جاء ذلك فيما كانت "قوى إعلان الحرية والتغيير" قد أعلنت في بيان مساء السبت رفضها لأول بيان للرئيس الجديد للمجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، والذي أعلن أنه سيتم تشكيل حكومة مدنية متفق عليها من الجميع، خلال مرحلة انتقالية تمتد عامين كحد أقصى.
وقالت "قوى إعلان الحرية والتغيير" إن "ثورتنا لن تنتهي بمجرد استبدال واجهات النظام وأقنعته الخادعة، فالخطوة الأولى في إسقاط النظام تتأتى بتسليم السلطة فوراً، ومن دون شروط، لحكومة انتقالية مدنية تدير المرحلة الانتقالية لفترة 4 سنوات". وأعربت قوى المعارضة عن تمسكها بسبعة مطالب، هي: الاعتقال والتحفظ ومحاكمة كل قيادات جهاز الأمن والاستخبارات، وإعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات، وحل مليشيات النظام من كتائب ظل ودفاع شعبي وشرطة شعبية وغيرها، وكذلك التحفظ والاعتقال الفوري لكل القيادات الفاسدة في الأجهزة والقوات النظامية وغيرها من المليشيات، وتقديمهم لاحقاً لمحاكمات عادلة، وحل كافة أجهزة ومؤسسات النظام والاعتقال الفوري والتحفظ على كل قياداته الضالعة في جرائم القتل والفساد المالي، على أن تتم محاكماتهم لاحقاً، إضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والعسكريين فوراً، بمن فيهم الضباط الذين انحازوا للثورة، والإعلان الفوري عن رفع كل القوانين المقيدة للحريات.

إلى ذلك عقد المجلس العسكري الانتقالي اجتماعاً أمس مع أحزاب سياسية كانت شريكة في الحكومة للتفاكر حول المرحلة الإنتقالية المقبلة. وشارك في الاجتماع عمر باسان، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني، رغم الإطاحة بنظامه يوم الخميس الماضي، وهو مأ ثار جدلاً واسعاً في وسائط التواصل الاجتماعي وعزز الشكوك حول عدم تعاطي المجلس العسكري مع المطالب بحل الحزب الحاكم سابقاً.

وخلال الاجتماع، طلب رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري، الفريق عمر زين العابدين، من القوى السياسية، طرح مقترحاتها ورؤيتها حول المرحلة المقبلة خلال أسبوع بما يشمل شروط ومواصفات رئيس مجلس الوزراء الذي سيترأس الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى رؤيتها حول مدة الفترة الانتقالية، معرباً عن أمله في توافق سياسي حول من يتولى مجلس الوزراء. ولم تشارك في الاجتماع، قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة. 

في غضون ذلك، كانت السعودية والإمارات تسارعان لإعلان دعمهما للمجلس العسكري. وأعلنت الخارجية الإماراتية في بيان ليل السبت الأحد، "دعمها وتأييدها" للإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري، ورحبت بتسلم البرهان رئاسته. كما أعلنت الرياض "تأييدها" للإجراءات التي اتخذها المجلس، مشيرةً إلى أنّها ستقدّم لهذا البلد، بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، "حزمة من المساعدات الإنسانية تشمل المشتقّات البترولية والقمح والأدوية".
وعلى صعيد المجلس العسكري، فإنه من المفترض أن يكون قد أنهى مساء أمس، اجتماعات مع أحزاب سياسية أخرى غير "قوى إعلان الحرية والتغيير"، غير أن تلك الخطوة لم تجد اهتماماً سياسياً كبيراً ذلك، لأن تلك الأحزاب المعنية ظلت جزءاً من النظام القديم وحليفة لحزب "المؤتمر الوطني".

وخلال اليومين الماضيين، حاولت الإمارات والسعودية إظهار نفسيهما كجزء من ذلك التغيير، ما أثار استهجان قوى سودانية فاعلة، مثل الحزب الشيوعي، الذي حذر سكرتيره العام محمد مختار الخطيب من التدخلات الخارجية في الثورة السودانية، ومن محاولة تحويل مسارها وتجييرها لصالح قوى إقليمية.

ولكن مراقبين يشيرون إلى وجود تحفّظ سوداني على الاقتراب من المحور السعودي الإماراتي، لأن ذلك لن يكون مجدياً، مستشهدين بما حدث للبشير الذي قدّم كثيراً من التنازلات وأرسل قوات من الجيش السوداني إلى اليمن، ولكنه لم يلقَ دعماً من الرياض وأبوظبي. كما يلفت المراقبون إلى أن "قوى إعلان الحرية والتغيير" هي الأبعد عن السعودية والإمارات، خصوصاً أن أغلبها يحمل توجّهات يسارية ولديه تحفّظات كبيرة على هذين البلدين اللذين لم تكن مواقفهما في يوم من الأيام داعمة للمعارضة السودانية. ولا ينسى المعارضون أن الإمارات والسعودية وكذلك مصر، سلّمت في السنوات الأخيرة لنظام البشير معارضين كثراً، إذ سلّمت أبوظبي في عام 2004 للخرطوم رئيس التحالف الوطني السوداني السابق عبد العزيز خالد، وهو أبرز أحزاب قوى المعارضة الآن. وأوقفت السعودية قبل سنوات، الوليد الحسين مؤسس أشهر موقع "الراكوبة" الإلكتروني، قبل أن تفرج عنه بعد أشهر. كذلك سلّمت السعودية الناشط السوداني هشام ود قلبا إلى الخرطوم ويواجه اتهامات تصل العقوبة فيها إلى الإعدام. وبالنسبة لمصر فقد رفضت قبل أشهر دخول زعيم حزب "الأمة" القومي الصادق المهدي إلى أراضيها.

وفي سياق التحركات الدولية حول الوضع السوداني، برز لقاء نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دلقو المعروف بـ"حميدتي"، بعد ساعات من تسلّمه منصبه الجديد، القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم ستيفن كوتسيس.

ولكن على الرغم من كل هذه التحديات التي تواجه الحراك الثوري، فإن الشارع مصرّ على فرض رؤيته على الجميع. وتوافد آلاف السودانيين طوال نهار أمس الأحد إلى محيط قيادة الجيش للانضمام إلى الاعتصام، على الرغم من درجة الحرارة العالية وعدم توفر وسائل النقل الكافية والازدحام المروري الذي شهدته الخرطوم نتيجة انقطاع الكهرباء، والذي أدى لتعطل الإشارات الضوئية. وقال الشاب محمد الصادق (24 عاماً) من ميدان الاعتصام، لـ"العربي الجديد"، إنه خرج من أجل الوطن وليس من أجل قوى سياسية تريد أن تجهض الثورة بخلافاتها، مضيفاً "أنا ومعي آلاف الشباب لن نبارح الميدان حتى تتحقق مطالب الثورة السودانية برمتها، وبعد ذلك لن يهمنا من يحكم".