تصعيد أميركي ضد حلفاء إيران في العراق ينسف جهود التهدئة

07 مارس 2019
انضمّ مقاتلو النجباء من مليشيات أخرى (العربي الجديد)
+ الخط -

وسط ترقب عراقي بوضع الولايات المتحدة فصائل عراقية أخرى مرتبطة بإيران على لائحة الإرهاب، خلال الفترة المقبلة بعد "حركة النجباء"، بزعامة أكرم الكعبي، التي باتت رسمياً منظمة إرهابية مثل تنظيم "القاعدة" أو "داعش"، ومثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، والطفوف، والخراساني، والبدلاء ومالك الأشتر ولواء المؤمل وجند الإمام، اعتبر مسؤولون عراقيون أن "الخطوة الأميركية لها دلالات سياسية، أكثر من كونها عقوبات على الفصائل العراقية المرتبطة بإيران، فمليشيا النجباء أو غيرها لا تمتلك أي أرصدة ولا أنشطة تجارية في الولايات المتحدة أو لدى حلفائها بالمنطقة، حتى يتم تجميدها أو إيقاف أنشطتها، إذ يقتصر وجودها العسكري والسياسي وحتى التجاري في كل من سورية والعراق وإيران فقط". ورأوا أن "الخطوة بمثابة إحراج جديد لحكومة عادل عبد المهدي التي صادقت قبل أقل من شهر واحد على الموازنة العامة بالبلاد، والتي تضمنت بنداً مستقلاً عبر تخصيص 800 مليون دولار لدفع رواتب ونفقات الفصائل المسلحة، البالغ عددها 69 فصيلاً عن العام الحالي، ومنها "النجباء"، التي يقدر عدد عناصرها بنحو 12 ألف مقاتل، جميعهم من العراقيين، من بينهم نحو ألفي مقاتل موجودين حالياً إلى جانب قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد". مع العلم أن عبد المهدي استقبل مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون النزاعات وعمليات الاستقرار، دنيز ناتالي، أمس.

كما تلقى رئيس الوزراء اتصالاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، جرى خلاله التأكيد على الإطار القانوني لعمل قوات التحالف الدولي، ومنها القوات الأميركية العاملة في العراق، والتي تتركز مهامها على "محاربة داعش وتدريب القوات العراقية وعدم إقامة قواعد أجنبية".

وفي أول تعليق على قرار واشنطن إدراج "حركة النجباء" على لائحة الإرهاب، قال المتحدث باسمها أبو وارث الموسوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إنهم "باقون في مواقعهم، ومثل هذه القرارات لا تحرك فينا ساكناً"، معتبراً أن "الإجراء الأميركي يندرج ضمن الحرب النفسية ولن يغير من الواقع أو يؤثر على الحركة". وأضاف: "بصراحة لم نُفاجأ بخبر إدراجنا على لائحة الإرهاب، وكنا نتوقع ذلك، وهذا يدل على قوتنا وصمودنا، وسنستمر، ولا وجود لأي تأثير لهذا القرار حتى نقول ما سنفعله بعد ذلك"، مشيراً إلى أن "رضا الأميركيين لا يعنينا، بل على العكس هو أمر سيئ، ومثل واشنطن غير مؤهلة لاتهام أحد بالإرهاب".

وكان الكونغرس الأميركي قد تبنّى مشروع قرار وضع فيه ثلاث مليشيات عراقية على لائحة الإرهاب في يناير/ كانون الثاني الماضي، وأعلن إحالته إلى مجلس الشيوخ الأميركي للتصويت عليه. وأظهرت وثائق الكونغرس وضع كل من مليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي، وحركة النجباء بزعامة أكرم الكعبي، وكتائب حزب الله بقيادة أبو مهدي المهندس، على لائحة الإرهاب. إلا أنه من ناحية رسمية لم يصدر أي قرار بتبني المشروع إلا مساء الثلاثاء بالإعلان رسمياً عن إدراج "حركة النجباء" على لائحة الإرهاب في وقت يتوقع أن تعلن أسماء فصائل أخرى.



وتأسست مليشيا النجباء عام 2013 من خليط من مقاتلين سابقين في مليشيا المهدي بزعامة مقتدى الصدر، ومليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي. وباشرت أول نشاط لها في سورية إلى جانب نظام الأسد، ببضع مئات من المقاتلين، قبل أن تبدأ حملة سحب مقاتلين من فصائل مسلحة أخرى، مثل بدر والعصائب، وفتح باب التطوع لسكان في بلدات المسيب بمحافظة بابل (مسقط رأس زعيمها أكرم الكعبي)، ومدينة الصدر والكوفة والأحياء الفقيرة في البصرة، مثل المدينة وشط العرب. وعُدّ العميد السابق بالحرس الثوري الإيراني حميد تقوي، الذي لقي مصرعه قرب تكريت في معارك ضد تنظيم "داعش" نهاية عام 2014، بمثابة "المشرف" أو "الأب الروحي للمليشيا".

ولحركة النجباء حالياً نحو 12 ألف مقاتل، منهم ألفا مقاتل موجودون إلى جانب الفرقة الرابعة في قوات النظام السوري وفي معسكر قرب حمص، بينما يتوزع الآخرون في العراق على قواعد في غرب البلاد وشمالها وقرب بغداد، ولها أعضاء متورطون بجرائم وانتهاكات واسعة في سورية، مثل القصير وداريا وريف حلب ودير الزور، وفي العراق ببلدات الفلوجة والصقلاوية والقائم والموصل وبيجي والحويجة والضلوعية.

ووفقاً لمصادر مقرّبة من "حركة النجباء"، فإنها "تمتلك ترسانة عسكرية متقدمة عمن سواها من الفصائل الأخرى، تضمّ صواريخ كراند وكاتيوشا بمدى لبعضها يصل إلى 30 كيلومتراً، بالإضافة إلى مدافع وأسلحة متوسطة مختلفة، حصلت على غالبيتها من إيران، وهي روسية الصنع، كما غَنَمَت الكثير من أسلحة داعش". والمليشيا مصنّفة من بين أقوى خمس فصائل عراقية مسلحة عدة وعدداً.

أما مسؤولها أكرم الكعبي، فهو من مقلّدي المرجع العراقي محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر)، وكان أحد قيادات جيش المهدي قبل انفصاله عنه وتبنّي فكر ولاية الفقيه، الذي يرفضه الصدريون، ومعلناً تقليده للمرشد الإيراني علي خامنئي. والكعبي من مواليد 1977 من محافظة بابل وكان قبل الغزو الأميركي للعراق يعمل بمجال بيع أسطوانات الغاز في بلدة المسيب، مسقط رأسه. ويدين الكعبي وفصيله لحزب الله اللبناني في التدريب والتأهيل، بحسب تصريحات سابقة له ولأعضاء بارزين في فصيله خلال مشاركتهم في القتال على الساحة السورية. وقال الكعبي في نهاية عام 2015، في خطاب له، إن "حركة النجباء تنظيم إسلامي شيعي، مع إيماننا بضرورة حماية الأقليّات، ولها الفخر أن تكون تحت لواء فيلق القدس الإيراني".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، وجهت الاتهامات لها بقصف مجمع السفارات في بغداد بعد ساعات قليلة من قيام المتظاهرين بإحراق القنصلية الإيرانية في البصرة، بواسطة قذائف هاون من عيار 122 ملم، وقع ثلاثة منها في الباحة الخلفية للسفارة الأميركية في بغداد.



وحول الموضوع، قال مسؤول في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "القرار الأميركي بوضع الحركة على لائحة الإرهاب أرجع جهود عبد المهدي في تهدئة الساحة العراقية إلى المربع الأول". وأضاف أن "واشنطن تعلم بشكل جيد عدم وجود مصالح للفصائل العراقية، لا لديها ولا لدى حلفائها، وهي تنظيمات بدائية، وإن وجدت لها أرصده خارج العراق فأبعد مكان سيكون هو إيران أو سورية أو لبنان. والبلدان الثلاثة خارج إطار التأثير الأميركي".

وأكد المسؤول أن "الإعلان أعاد ملف الوجود الأميركي على أشده، وسترد الكتل القريبة من إيران وأجنحة الحشد السياسية عليه بتقديم قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق، بعدما نجح عادل عبد المهدي في إقناع بعض الكتل بتأجيل طرح الموضوع موقتاً لاعتبارات متعلقة بالصالح العام وعمل حكومته". واعتبر أن "عادل عبد المهدي قد يكون بموقف المتفرج على السجال الأميركي الإيراني في العراق".

وليس لحركة "النجباء" أي تمثيل سياسي، بحسب نائب في البرلمان عن تحالف "الإصلاح والإعمار"، الذي ذكر لـ"العربي الجديد"، أن "حركة النجباء من الفصائل المسلحة التي رفضت الدخول في الانتخابات الأخيرة، لكنها تدعم تحالف الفتح وروجت له بين عناصرها لانتخاب أعضائه". وأضاف أن "المتوقع هو أن جميع الفصائل المسلحة المدعومة من طهران، وقادتها سيكون مصيرهم كالنجباء، ووضعهم على لائحة الإرهاب، لذا قد يقفز بعض السياسيين من مركب الولاء أو الدعم العلني لتلك الفصائل، ظاهرياً على الأقلّ، خلال الفترة المقبلة". وعن رأي الحكومة بهذا الأمر، كشف أن "التعامل الحكومي مع قرارات مماثلة صعب جداً، وحتى إن تدخلت الحكومة أو البرلمان، على الرغم من أن هناك حراكاً برلمانياً لرفض هذا القرار باسم السلطة التشريعية في العراق، في ظلّ التوقعات بأن يصدر بيان برلماني بهذا الشأن يرفض خطوة واشنطن. لكن الأمر لن ينفع ولن ترفع أميركا الجهات المقيّدة على لائحة الإرهاب".

في السياق، أشار المحلل أحمد الشريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "القرار الأميركي ضد النجباء قد يؤدي إلى أزمات جديدة في البلاد، لا سيما أن النجباء قوة قتالية مسلحة في العراق وسورية"، موضحاً أن "استراتيجية القمع التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمواجهة إيران باتت واضحة. وعملية استهداف حلفاء إيران في المناطق التي تصنف بأنها عمق طهران الاستراتيجي باتت أكثر وضوحاً، وخلال المرحلة المقبلة قد نشهد قرارات مماثلة تستهدف فصائل أخرى موالية لإيران".

من جانبه، قال عضو البرلمان عن كتلة "صادقون"، الجناح السياسي للعصائب، حسن سالم، إن "القرار الأميركي بوضع حركة النجباء على لائحة الإرهاب مسرحية". وعلى الرغم من أن السفارة الأميركية في بغداد لم يصلها السفير المعتمد الجديد حتى الآن منذ نحو شهر، طالب سالم باستدعاء السفير الأميركي "كون هذا التصرف يعد تدخلاً سافراً بالشأن العراقي، لأن النجباء ضمن مؤسسة أمنية تابعة للدولة العراقية". وتزامن القرار الأميركي مع إغلاق إدارة شركة "النايل سات" لقناة الإباء التابعة لكتائب حزب الله العراقية، والتي ذكرت في بيان لها أنها تستنكر إغلاق القناة وتعتبره حرباً على حرية الرأي والتعبير.