مرتزقة "العدل والمساواة"... تحالف حفتر المسكوت عنه

05 مارس 2019
تشارك فصائل بحركات التمرد السودانية في معارك جنوب ليبيا(Getty)
+ الخط -
لا يتوقف الحديث عن استعانة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بمقاتلين مرتزقة أجانب، للقتال بصفوف قواته في ليبيا، وهو حديث لا تنفك تتداوله تقارير رسمية وإعلامية، فيما تنفي قيادة قوات حفتر أنباء استعانتها بمقاتلين من دول كبرى، آخرها نفي المتحدث باسمها أحمد المسماري ما أوردته صحيفتا "ذا تايمز" و"ذا تيلغراف"، عن وجود 300 مرتزق روسي بصفوف قوات حفتر، رغم ورود عشرات الأدلة التي تشير إلى استعانة اللواء المتقاعد بمقاتلين أجانب، من بينهم جنود نظاميون، إذ كانت فرنسا اعترفت رسمياً في يوليو 2016 بمقتل ثلاثة من جنودها في بنغازي.

لكنّ مكوناً رئيسياً في قوات حفتر يكاد يغيب عن الأحاديث والتصريحات الرسمية، أو التقارير الإعلامية، ويتمثل في مشاركة حركات التمرد السودانية، وتحديداً فصائل "العدل والمساواة" مع قواته، فبينما قال حفتر إن من أهداف حملته العسكرية في الجنوب، التي أطلقها منتصف يناير الماضي، طرد مسلحي المعارضة التشادية بوصفهم "مرتزقة"، مكّن في الوقت ذاته مقاتلي المعارضة السودانية من التمركز في أهم النقاط العسكرية والقواعد الاستراتيجية في ليبيا، بل تؤكد وثائق استعانته بهم لتأمين مواقع النفط التي سيطر عليها في البلاد.

آخر الأنباء المتعلقة بوجود مرتزقة سودانيين في صفوف حفتر، هو ما نشره "المركز السوداني لخدمات الصحافة" نهاية الأسبوع الماضي، من تصريحات للقيادي المنشق عن "حركة تحرير السودان"، صديق مصطفى، حول إعلان مقاتلي الحركة أنهم أمهلوا قائدهم أركو مناوي أسبوعين لدفع مستحقاتهم المالية، مقابل مشاركتهم فى المعارك التي خاضوها مؤخراً مع قوات حفتر بالجنوب الليبي.

وقال مصطفى، بحسب المركز السوداني، إن مناوي تمادى فى الاستحواذ على أموال منتسبيه التى يتقاضاها مقابل قتالهم في ليبيا، كاشفاً عن تسلم الأخير من حفتر دعماً مالياً ولوجستياً كبيراً خلال الفترة الأخيرة، إلا أن مناوي تصرف فى الدعم المالي لصالحه.

وتحدثت تقارير فريق خبراء الأمم المتحدة المتوالية عن تورط حفتر في شراء ولاء متمردي المعارضة السودانية للقتال في صفوفه، بدءاً من الإشارة إلى الأمر في تقرير صدر عام 2016، من خلال تأكيد وصول قادة من جناح مني ميناوي لقاعدة حفتر العسكرية في مدينة المرج، عبر الوسطاء العرب وعناصر نظام حكم القذافي الذين يسروا التحويلات المالية بينهم.

وفي تقرير صدر في يناير 2017، تحدث الفريق الأممي عن وجود فعلي لفصيلي مني مناوي وعبد الواحد النور ضمن قوات حفتر، وأن الفصيل الأخير لوحده يوجد في ليبيا بقوة قوامها 1500 مقاتل و70 آلية عسكرية على الأقل، وهم أدّوا دوراً أساسياً في سيطرة حفتر على منطقة الهلال النفطي خلال مهاجمته لقوات إبراهيم الجضران، قائد حرس المنشآت النفطية السابق، التابع لحكومة الوفاق وقتها، لافتاً إلى أن معارك السيطرة أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 118 مقاتلاً سودانياً.

وفي تقرير صدر في 2018، أعرب خبراء الأمم المتحدة عن ارتفاع منسوب القلق في ما يتعلق بليبيا، إذ ظهرت أسلحة مصرية ودعم إماراتي لفصائل المعارضة التشادية في ليبيا، مؤكدين أن هذه الفصائل باتت تتمركز بشكل أساسي في قاعدة الجفرة، وحول مواقع النفط في الجنوب، كقواعد لانطلاقها للمشاركة في حروب حفتر.

وتشير كثير من التقارير، إلى أن ارتباط حفتر بفصائل المعارضة السودانية بات وثيقاً، فبحسب تصريحات مساعد المدعي العام للمحكمة الخاصة بجرائم دارفور السودانية، معتصم عبد الله محمود، فإن الجانب السوداني شرع بشكل رسمي في التحقيق مع متهمين كانوا يقومون بعمليات شراء مقاتلين من السودان لصالح حفتر.

وقال محمود، بحسب صحيفة "الانتباهة" السودانية في أكتوبر الماضي، إن تسجيل الاعترافات واستجواب المتهمين الذين قبض عليهم في دارفور، أكد أن حفتر وحلفاءه القبليين عقدوا اتفاقاً مع مجموعة منشقة من حركة "العدل والمساواة"، خلص إلى استجلاب ألف شاب من السودان إلى ليبيا، بغرض تجنيدهم للقتال إلى جانب صفوف حفتر، مشيراً إلى أن الاتفاق نصّ على تدريب اللواء المتقاعد لهؤلاء الشباب السودانيين وتسليحهم، ودفع أموال طائلة لكل مقاتل، ودفع الديات لأسرهم في حالة الوفاة، والتكفل بالعلاج والتعويضات في حالة الإصابات.

إلى ذلك، لم يكن النشطاء الليبيون عبر منصات التواصل الاجتماعي بعيدين عن رصد توجود مرتزقة فصائل المعارضة السودانية، فخلال هجوم قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي لانتزاعها من قوات الجضران، اقتطع نشطاء جزءاً من تغطية إعلامية كانت تجريها قناة فضائية مقربة من حفتر لتغطية المعارك بالمنطقة، حيث ظهرت سيارة مسلحة تحمل شعار حركة "العدل والمساواة"، ويعتليها مقاتلو الحركة، فيما ظهر جندي بجانب الكاميرا، وهو يشير لهم بالتوقف عن المرور من أمامها.


ويبدو أن استعانة حفتر بمرتزقة السودان في تأمين مواقع النفط ليست جديدة، فقد حصلت "العربي الجديد" على وثيقة مؤرخة في سبتمبر 2015، تشير إلى استعانة حفتر بهم في تأمين مواقع أخرى للنفط، وتؤكد الوثيقة صدور أمر من إسماعيل إبراهيم علي كينى، نائب رئيس الأركان في حركة "العدل والمساواة"، لأحد ضباطه بالتوجه إلى منطقة الحقول النفطية، مطالباً الجهات المسؤولة بالتعاون معه وتسهيل مهمته.

وخلال عملية حفتر الأخيرة في الجنوب الليبي، وثق نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي رتلاً مسلحاً لفصائل المعارضة السودانية أثناء انسحاب قوات حفتر من مناطق غدوة ومرزق، حيث ظهرت إشارة الدائرة الحمراء - وهي شعار فصائل المعارضة السودانية الرسمية - على السيارات المسلحة التي كانت ضمن الرتل وعلى متنها عشرات المقاتلين.


واطلعت "العربي الجديد" على تقرير أمني لجهاز المباحث العامّة التابع لحكومة الوفاق، أظهر أن فصائل المعارضة السودانية التي يعتمد عليها حفتر، تعيش حالة من الخلافات بسبب المزايا والمنح المالية التي يمنحها حفتر لهم، وسط وقوع عشرات الصدامات المسلحة بينها.

وكشف التقرير أن تلك الفصائل التي يعتمد عليها حفتر هي:

- فصيل مني مناوي، وهو أبرز الفصائل، يتمركز في منطقة زلة، جنوب الهلال النفطي وسط البلاد، بقيادة جمعة الحقار، وبقوة قوامها 135 عربة، وما يزيد عن 500 مقاتل، رفقة قائد قوات حفتر بالمنطقة، هلال موسى أبو عامود. وتورط مقاتلو الفصيل في مقتل مواطن من المنطقة في أغسطس 2016، إذ أعلنت بلدية زلة وقوع مواجهات في التاريخ ذاته بين الأهالي ومقاتلي "الفصائل المسلحة من متمردي دارفور السودانية، التي تقيم حالياً تمركزات على مشارف البلدة"، بحسب إعلان البلدية.

ويشير التقرير إلى أن تمركز الفصيل الأكبر هو في قاعدة الجفرة، أهم قواعد الجنوب الليبي، أما معسكرا التسليح والدعم الكيميائي ففي منطقة سوكنة، بقوة قوامها 1388 مقاتلاً، ولدى هذا الفصيل علاقة برموز نظام حكم القذافي، إذ شارك معهم في التخطيط للهجوم على طرابلس في نهاية 2017. وكانت قوة الردع الخاصة قد أعلنت في أكتوبر 2017 إفشال مخطط لتنفيذ عمليات قتالية جنوب طرابلس بالقبض على خلية يتزعمها المبروك أحنيش، القيادي بقوات نظام القذافي، برفقة إمام محمد فقي، القيادي في حركة "العدل والمساواة" رفقة 120 مقاتلاً من الحركة.

- فصيل حركة تحرير السودان، ويتمركز في منطقة واو الناموس بقوة قوامها 90 سيارة مسلحة و450 مقاتلاً، ومن أبرز قادته عبد الله جنا. ويؤكد التقرير أنه مسؤول عن تأمين حقول النفط في تازربو والسرير.

- فصيل عبد الواحد محمد نور، ويتمركز في سبها ومحيطها بقوة قوامها ما يزد عن 100 سيارة مسلحة وأكثر من 500 مقاتل.​