ترامب محاصر من كل اتجاه: ضغوط ديمقراطية وتفلّت جمهوري

06 مارس 2019
وصف ترامب اتهامه بالتواطؤ مع روسيا بالخدعة السياسية (Getty)
+ الخط -
تنهال الضربات على الرئيس الأميركي دونالد ترامب من كل صوب، حالة "الطوارئ الوطنية" التي أعلنها لتخصيص المال الكافي لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، قوبلت برد فعل رافض حتى من بعض الجمهوريين، لتصبح على وشك السقوط في مجلس الشيوخ، بما يشير إلى أن قبضة الرئيس على حزبه الجمهوري بدأت تضعف، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". بالتوازي مع ذلك، يواجه الرئيس الأميركي موجة جديدة من التحقيقات التي أطلقها الديمقراطيون ووُجهت إلى أقرب المقربين منه، كنجليه وصهره، في ما اعتُبر أخطر تصعيد في التحقيقات حول ترامب منذ تولى الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي. ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل إن قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا تزال تؤرق ترامب، مع مطالبات متجددة لكشف المعلومات المتوفرة لديه.

وأطلقت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي، تحقيقاً جديداً واسعاً الإثنين في الدائرة المحيطة بترامب، بسبب مزاعم سوء استخدام السلطة، وطالبت بالحصول على وثائق من عشرات الأشخاص، بينهم نجلاه دونالد جونيور وإريك، وصهره جاريد كوشنر. وأرسل رئيس اللجنة الديمقراطي، جيري نادلر، رسائل إلى 81 شخصاً وكياناً في دائرة ترامب الحالية والسابقة وأشخاص قد يكون لديهم معلومات تتعلق بالتحقيق، وسط مساعي النواب المعارضين لمحاسبة الرئيس وأعوانه على مخالفات محتملة. ومن بين هؤلاء المدير المالي لمنظمة ترامب، آلان ويسلبرغ، ورئيس الاستراتيجية السابق في البيت الأبيض ستيف بانون، ومحامي ترامب الخاص جاي سيكولو، وغيره من المساعدين السابقين، ومؤسس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج.

هذا الطلب يهدف إلى الكشف عما إذا كان ترامب أو إدارته شاركا في عرقلة العدالة وفي قضايا فساد عام، أو أي شكل آخر من أشكال استغلال السلطة. ويبدو أن التحقيق يركز على تعاملات ترامب المالية، واحتمال تواطئه مع روسيا، ومزاعم عرقلة العدالة. كما أنه يتناول اتهامات بانتهاكات بخرق قوانين تمويل الحملات الانتخابية، واحتمال انتهاكات للحظر الدستوري على مخصصات مالية أجنبية. وتشمل الرسائل طلبات للحصول على معلومات حول اجتماع تم في يونيو/ حزيران 2016 في برج "ترامب تاور"، شارك فيه كوشنر وترامب جونيور، ومدير حملة ترامب السابق المسجون حالياً، بول مانافورت، ومحامية روسية تردد أنها مقربة من الكرملين، ووثائق تتعلق بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) جيمس كومي.

وقد يمهد التحقيق الجديد الواسع، الطريق لاحتمال البدء في إجراءات التحقيق مع ترامب بهدف عزله. إلا أن زعماء ديمقراطيين في الكونغرس، وبينهم نادلر ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، يتكتمون على إمكانية الدفع من أجل عزل الرئيس. وكان نادلر قال الأحد لشبكة "ايه بي سي"، إن مثل هذه الخطوة قد لا تحدث "إلا بعد فترة طويلة جداً". وأوضح نادلر أن حزبه جادّ بشأن التحقيق في "عالم ترامب الداخلي".
وفي بيان الإثنين، قال نادلر: "خلال السنوات العديدة الماضية، أفلت ترامب من المحاسبة على هجماته شبه اليومية على قوانيننا، وأعرافنا القانونية والأخلاقية والدستورية الأساسية". وتابع أن "التحقيق في هذه التهديدات على حكم القانون هو من واجب الكونغرس". وأمهل نادلر متسلمي الرسائل أسبوعين للرد على طلبه.

وكان الرئيس قد رفض مرة أخرى الشكوك حيال التواطؤ مع روسيا. وكتب ترامب على "تويتر": "الأمر الرائع أنه لا يوجد تواطؤ. إنها خدعة... خدعة سياسية". لكنه أكد: "سأتعاون مع الجميع طوال الوقت". بينما جاء الرد الأعنف من البيت الأبيض، إذ قالت المتحدثة باسمه سارة ساندرز في بيان: "أطلق نادلر تحقيقاً شائناً وتعسفياً في مزاعم مضللة وكاذبة، سبق أن حقق فيها المدعي الخاص ولجان في الكونغرس بمجلسيه". وأضافت أنّ "نادلر وزملاءه الديمقراطيين انبروا في حملة الصيد هذه، لأنّهم مرعوبون من أن روايتهم الكاذبة لمدة عامين عن تواطؤ مع روسيا، آخذة في الانهيار".


لم يتوقف الأمر على ذلك، بل إن رؤساء لجان الاستخبارات والشؤون الخارجية في مجلس النواب، وجّهوا رسالة إلى البيت الأبيض مطالبين بتقديم تفاصيل عن الاتصالات بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بعد تقارير ذكرت أنه تم إتلاف أو إخفاء هذه المعلومات. وطلبت الرسالة معلومات عن فحوى محادثات الزعيمين وأي ملاحظات أو وثائق تتعلق بالمحادثات، وما إذا كان ترامب أو أي شخص يتصرف بالنيابة عنه قد أخفى محتوى الاتصالات، وهو ما يعدّ انتهاكاً للقانون الفدرالي.

وفي ظل هذا الوضع، فإن "البيت الأبيض يستعد لرقابة صارمة من الكونغرس في الأشهر المقبلة"، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، التي أشارت إلى أن البيت الأبيض أضاف أكثر من 12 محامياً، بما في ذلك بعض الذين يعملون مع الجمهوريين في الكونغرس، إلى مكتب مستشار البيت الأبيض هذا العام. ولفتت الصحيفة إلى أن الاستراتيجية الجديدة لفريق ترامب، التي يشرف عليها مستشار البيت الأبيض بات سيبولون، بمشاركة من محامي البيت الأبيض إيميت فلود، هي التركيز على الحد من نطاق التحقيقات، والحفاظ على الحماية القانونية للرئيس. وتشمل الاستراتيجية تأكيد الامتياز التنفيذي للرئيس، كلما شعر محامو البيت الأبيض بأن من الضروري الحفاظ على السرية، لكن ردّهم الأول سيكون التعاون في الاستجابة للطلبات عند الضرورة، بحسب الصحيفة.

قضية أخرى لا تزال تزعج ترامب وإدارته، هي مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وبعد تقاعس الإدارة عن تقديم مزيد من المعلومات عن القضية، تعهّد أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي الإثنين بالضغط من أجل رد أقوى. وقدّم مسؤولو وزارتي الخارجية والخزانة، إفادة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مساء الإثنين حول القضية، لكن أعضاء في المجلس قالوا إنهم لم يطلعوا على أي شيء جديد. وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وهو حليف مقرب من ترامب، للصحافيين: "لقد كانت مضيعة للوقت تماماً. أعرف أكثر مما يعرفون". وأضاف غراهام أن الوقت قد حان لاتخاذ المزيد من الإجراءات. من جهته، قال بوب مينينديز، وهو أكبر عضو ديمقراطي في اللجنة، إن ثمة حاجة لفرض عقوبات جديدة، ربما عن طريق تشريع شارك في رعايته مع غراهام. وتابع قائلاً: "أعتقد أن على مجلس الشيوخ أن يتحرك ما لم يكن مستعداً لتقبل مقتل صحافي مقيم في الولايات المتحدة، كعمل مقبول بسبب علاقة أوسع. أنا لا أقبل ذلك". وكانت إدارة ترامب قد تخلّفت عن موعد نهائي في فبراير/ شباط، لتقديم تقرير إلى الكونغرس بشأن المسؤول عن مقتل خاشقجي.

التحدي بوجه ترامب يكبر أيضاً في حزبه، إذ انضم أربعة سيناتورات جمهوريين في مجلس الشيوخ إلى الأقلية الديمقراطية، في رفض حالة "الطوارئ الوطنية" التي أعلنها ترامب لتمويل بناء الجدار على الحدود مع المكسيك. وأقر زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي ميتش ماكونيل، أنّ المجلس سيحذو على الأرجح حذو مجلس النواب في إقرار نصّ يلغي حالة الطوارئ، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي: "لقد كنت أحد الذين كانوا يأملون لو أنّ الرئيس لم يلجأ لخيار الطوارئ الوطنية".
وكان مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون، اعتمد الأسبوع الماضي بأغلبية كبيرة قراراً يلغي حالة "الطوارئ الوطنية". وبعد إقراره في مجلس النواب، انتقل مشروع القرار إلى مجلس الشيوخ حيث الأغلبية في أيدي الجمهوريين (53 سيناتوراً من أصل 100). لكنّ أربعة سيناتورات جمهوريين أعلنوا حتى اليوم عزمهم الانضمام إلى الأقليّة الديمقراطية، في تأييد النصّ خلال التصويت الذي لم يحدّد موعده بعد، ما يعني أنّ اعتماد مشروع القرار في المجلس أصبح شبه مؤكد.
وتعليقاً على ذلك، قالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن "قبضة ترامب حتى على حزبه الجمهوري بدأت تنزلق"، ناقلة عن الخبير السياسي روس بيكر، قوله إن تمرير القرار بإسقاط "الطوارئ" في مجلس الشيوخ سيكون بمثابة "توبيخ خطير" للرئيس، ويوجّه رسالة له بأنه "ذهب بعيداً بما فيه الكفاية".