غليان يمني يحاصر الإمارات: خريطة الغضب من عدن لشبوة

26 مارس 2019
قوات يمنية مدعومة إماراتياً (جيل كلارك/ Getty)
+ الخط -
أياً تكن المبررات التي يسوّقها مسؤولو الإمارات أو الأجندة التي يحاولون إخفاءها من وراء جملة الممارسات والسياسات الساعية لتقويض الحكومة الشرعية في اليمن ووحدة البلاد، إلا أن قدرة أبوظبي على الاستمرار في النهج نفسه باتت على المحك، في ظل تكشّف أوراقها تباعاً في الداخل اليمني. وترجم ذلك بالغليان الشعبي المتصاعد ضد جملة ما تمارسه الإمارات وترعاه في اليمن، بما في ذلك الانتهاكات التي ترتكبها التشكيلات المسلحة الموالية لأبوظبي. كما أن الحكومة الشرعية لم تعد تخفي استياءها من الممارسات الإماراتية، سواء المباشرة أو عبر أذرعها السياسية والعسكرية في اليمن، خصوصاً في الجنوب، بعدما وظّفت أبوظبي مشاركتها في التحالف العربي منذ 2015 من أجل تحقيق أطماعها العسكرية والسياسية في مقابل تقويض سلطة الشرعية.

وبعدما تحمّل سكان عدن سنوات من الحرب والانفلات الأمني والاغتيالات التي ينفذها "مجهولون"، مشتبه بصلتهم بدوائر معروفة مقربة من أبوظبي، تشهد المدينة موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية المنددة بممارسات القوات الإماراتية والتشكيلات الأمنية التابعة لها. وانطلقت الاحتجاجات من مدينة البريقة في عدن، يوم الاثنين الماضي، تنديداً بتعذيب أحد المعتقلين حتى الموت، في سجون ما يُعرف بـ"قوات الحزام الأمني"، التابعة للإمارات.

وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بأن الاحتجاجات بدأت من قبل أهالي أحد المعتقلين، المدعو ماجد الدوابيا، بعدما أفاد معتقلون سابقون أُفرج عنهم أخيراً، بمقتله تحت التعذيب في معسكر الجلاء، الذي يتبع للقيادي في قوات الحزام الأمني، منير اليافعي، المعروف بـ"أبو اليمامة". وبحسب المصادر نفسها كان الدوابيا يعمل في بيع الأسماك، واعتُقل منذ عام، قبل أن يتم إخفاؤه ضمن مجموعة المخفيين قسرياً أو المعتقلين من دون أن تتوجه لهم أي تهم، ولا يزال مصير بعض منهم مجهولاً حتى اليوم.

وفي وقتٍ سابقٍ من العام الحالي، كشف بيان منسوب لمعتقلين يمنيين في أحد السجون التي تشرف عليها قوات موالية للإمارات في مدينة عدن عن أسماء 23 سجيناً تعرّضوا للتصفية في السجون السرية التابعة للقوات الإماراتية أو التشكيلات المدعومة منها. كذلك أفادت أحدث إحصائية لـ"رابطة أمهات المختطفين" بأن "85 معتقلاً في سجن بئر أحمد السيئ الصيت، الذي سبق أن تكشفت العام الماضي معلومات حول وقوع جرائم تعذيب وحشية فيه بحق السجناء، لا يزالون قيد الاحتجاز، على الرغم من صدور أوامر بالإفراج عنهم، من قبل النيابة العامة. وتنفّذ عائلات المختطفين في السجون التابعة للإمارات وحلفائها في عدن اعتصامات ووقفات احتجاجية بصورة دورية للمطالبة بالكشف عن مصير العشرات".

وتأتي فضيحة الكشف عن تعرّض أحد المعتقلين للتعذيب حتى الموت، وما خلّفته من احتجاجات في عدن، على الرغم من سعي أبوظبي منذ نحو العام إلى التغطية على فضائحها الخاصة بالسجون السرية والإعلان عن تسليمها للقوات الحكومية، بما في ذلك معتقل بئر أحمد، في حين أن دائرة السخط الشعبي تتسع يوماً بعد يوم، وتثير قلق الإمارات وأذرعها، لتبرز ردود الفعل المحمّلة بالتهديد والوعيد. التهديد الأبرز جاء على لسان نائب رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، القيادي السلفي هاني بن بريك، الذي يُعدّ من أبرز أذرع النفوذ الإماراتية في عدن. وبعدما وجّه أصابع الاتهام إلى حزب "الإصلاح"، حذّر في تغريدة على حسابه في "تويتر"، بأن "قوات المقاومة الجنوبية لن تقف متفرجة وستقوم بواجبها في حماية مصالح الشعب وكف العابثين، الذين يثيرون الفوضى بإغلاق الشوارع ويرفعون شعارات معادية للتحالف العربي". وبن بريك أحد أبرز القيادات التي تتمتع بنفوذ واسع داخل قوات "الحزام الأمني"، وله علاقات مباشرة مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ويمثل الجناح المتطرف بولائه الإمارات والعداء ضد الحكومة الشرعية اليمنية.

وجاء تصريح بن بريك ليعكس الأزمة التي تعيشها أبوظبي وحلفاؤها في الجنوب اليمني، مع تحول السخط ضدها إلى غليان شعبي يضيّق الخناق على نفوذ الإمارات وأطماعها التوسعية. كما أن التصريح مؤشر من زاوية أخرى على الورقة التي قد يلجأ إليها الإماراتيون بقمع التحركات الشعبية واستخدام التصعيد بالعنف، كما حصل من قبل أبوظبي أكثر من منعطف خلال الأزمة مع الشرعية اليمنية.

لكن هذا الخيار يحمل مخاطر عدة، لا سيما أن دائرة الاستياء من الممارسات الإماراتية لا تقتصر على عدن فقط. كما أن أي خطوة تصعيدية تُقدم عليها أبوظبي عبر حلفائها الانفصاليين (في المجلس الانتقالي الجنوبي) لن تجني سوى مزيد من الانكشاف بتقديم الإمارات طرفاً معرقلاً لعمل الحكومة الشرعية في اليمن وخصماً مباشراً لها، عكس الشعار المعلن للتدخل الإماراتي باليمن بحجة دعم "الشرعية"، ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين).

على أن الخيار الآخر، المتمثل في السعي لتهدئة الشارع من خلال المراجعات (كما حصل بمحاولة تحسين العلاقة مع الشرعية)، أمر يتطلّب قرارات جريئة، بما فيها التخلّي عن إدارة تشكيلات عسكرية خارج الشرعية وغيرها، ما يرفع يد أبوظبي وأجندتها عن الجنوب اليمني.

 

 وشهدت محافظة الضالع جنوب اليمن، أخيراً، توتراً على خلفية تجاوزات قوات الحزام الأمني التي تديرها الإمارات، على الرغم من كونها مسقط رأس رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، عيدروس الزبيدي. واندلعت اشتباكات بين قوات الأمن العام المحلية وبين أفراد من "الحزام الأمني" الذين بدأوا الانتشار في المحافظة العام الماضي، وأثار وجودهم أزمة مع قوات أمنية وعسكرية في المحافظة، على مدى الأشهر الأخيرة، وصلت أحياناً إلى مواجهات مسلحة. ويعدّ ما جرى في الضالع واحداً من أحدث الشواهد على أزمة تشكيلات أبوظبي العسكرية غير التابعة للمؤسسات اليمنية الرسمية المتصاعدة في الجنوب اليمن.

وليست هذه المرة الأولى التي تجد أبوظبي نفسها في زاوية دفاع ضيّقة، إذ إنها واجهت مأزقاً مماثلاً خلال الأزمة مع الحكومة الشرعية بشأن جزيرة سقطرى الاستراتيجية اليمنية العام الماضي، إذ اضطر الجانب اليمني إلى إعلان رفضه لقيام الإمارات باحتلال ميناء ومطار المدينة وقدم شكوى مباشرة إلى مجلس الأمن الدولي، شملت التلويح بالتحرك ضد الممارسات الإماراتية في مختلف المحافظات التي توصف بـ"المحررة" من الحوثيين. اضطرت أبوظبي عقب ذلك للوصول إلى تهدئة مع الحكومة اليمنية، اعتباراً من أواخر مايو/ أيار الماضي وما تلاها.

كذلك وجدت الإمارات نفسها في مأزق بعد جريمة قتل تسعة يمنيين من قبائل السادة - آل المحضار، في محافظة شبوة، في يناير/ كانون الثاني الماضي، على أيدي "النخبة الشبوانية" (الذراع الإماراتية)، قبل أن يصدر الحكم بإدانة أبوظبي وتغريمها 64 مليون ريال سعودي (حوالي 17 مليون دولار). وهي واحدة من الحوادث التي تضع أبوظبي ونفوذها باليمن في ورطة حقيقية، على الأقل، كنتيجة للأضرار التي تلحق باليمنيين بصورة مباشرة، من هذا النفوذ، الذي يسعى لمصادرة أبرز الموانئ والمناطق الاستراتيجية اليمنية.

إلى ذلك، فإن تعز، علماً أنها بين المحافظات اليمنية الأكثر تضرراً بالحرب المستعرة منذ سنوات، والتي لم تكن بمنأى عن التدخلات الإماراتية وآثارها بتحويل المدينة لساحة استنزاف لمختلف الأطراف، شهدت العديد من التحركات الاحتجاجية ضد الدور الإماراتي خلال الأشهر الماضية، وصولاً إلى المواجهات المسلحة أخيراً بين تشكيلات عسكرية وقوات ما يُعرف بـ"كتائب أبو العباس"، القيادي السلفي عادل فارع، والمدعوم إماراتياً. وجاء التصعيد بالترافق مع حملة إعلامية إماراتية تتهم حزب "الإصلاح" بالسعي لبسط السيطرة على المدينة. ومع ذلك فقد كان واضحاً أن بصمة أبوظبي وتحالفاتها في المدينة، تعد سبباً محورياً في الأزمة، التي تعكس من زاوية أخرى، مرحلة من الانفجار ضد التدخلات الإماراتية والدور الذي تمارسه في المحافظة.

وتمثل المواجهة بين الشارع اليمني والإمارات مرحلة متقدمة من أزمة الوجود الإماراتي والممارسات ذات الطابع الاستعماري المتهور، خصوصاً بعدما أصرّت أبوظبي على إنشاء وإدارة تشكيلات عسكرية خارجة عن سلطة الشرعية اليمنية، فضلاً عن عملها على تقويض سلطات الشرعية في مقابل دعم الانفصاليين.