يمكن التمييز اليوم بين نوعين من التظاهرات والاعتصامات: الأول يرتبط بمطالب سياسية واضحة، كتغيير النهج الاقتصادي، وإعادة ترتيب إدارة الدولة السياسية، عبر تغيير قانون الانتخاب وسن قانون أحزاب جديد، وجعل الحكومات منتخبة. بينما المسار الثاني يرتبط بمطالب اقتصادية بحتة ومناطقية وقِطاعية، كتوفير وظائف وفرص عمل، وتتداخل فيها شعارات فئوية لتحسين أوضاع موظفين في قطاعات معينة، والحصول على بعض المكتسبات المرتبطة بالحياة المعيشية اليومية.
يقول القيادي البارز في الحركة الإسلامية المعارضة، زكي بني إرشيد لـ"العربي الجديد" إن المحرك والدافع الرئيس للحراك كان مطلباً اقتصادياً يتعلق بفرض قانون ضريبة الدخل الجديد وانعكاس ذلك على معيشة المواطن، "لكن سرعان ما تحول إلى مطالب سياسية معنية بإصلاح النهج، وهذا موضوع توافق بين الحراكيين العابرين للطبقات، مع أن لكل فئة مطالبها، بين من يطالب بتحسين أوضاع العاملين، والعاطلين عن العمل، ومن يطالب بمحاربة الفساد، لكن الجامع بين كل المشاركين هو تصويب الاتهام نحو الطبقة السياسية". في المقابل، يعتبر الناشط والمحامي الأردني تيسير المحاسنة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مطالب الحراكيين ترتبط بقضايا مهمة أهمها تغيير النهج الاقتصادي الذي أوصل الأردن إلى الوضع الحالي، مشيراً إلى أن أهم مطالب الحراك تبقى محصورة بوضع قانون انتحاب يضمن تمثيلاً حقيقياً، وإيجاد حكومات منتخبة خاضعة للرقابة الشعبية، ولا تفرض الوصاية على الأحزاب. ويضيف المحاسنة أن عدم تجاوب الدولة مع مطالب المواطنين، "يتسبب بتنامي السخط الشعبي مما قد يؤدي إلى ولادة أساليب اعتراض أخرى غير منضبطة وغير مدروسة، تمتزج بالعنف، وهو ما يخشاه جميع أفراد الحراك الواعي" على حد تعبيره.
بدوره، يشير نائب الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحراك الشعبي الحالي هو امتداد لاحتجاجات عام 2018، والتي بدأت بدورها فعلياً عام 2010 "وهذا يعني تسع سنوات من الحراك، رغم التوقف المؤقت لظروف خاصة بعد ما جرى في مصر (الانقلاب) وبعض الدول العربية والتحولات التي طرأت على الربيع العربي". ويعتبر الفلاحات أن ما حصل في سورية كان له أثر أوضح على تجميد الحراك الأردني خوفاً من أي تطورات عنفية. ويلفت إلى أن "بعض التدخل لإسقاط حكومة هاني الملقي، من قبل بعض الرسميين وبعض المسؤولين بالتضحية بالحكومة، حصل من أجل تمرير قانون ضريبة الدخل" بصورة ملطفة. وبرأي الفلاحات، فإن من أسباب محدودية أعداد المشاركين في اعتصامات الدوار الرابع، غياب "العدو الظاهر"، بالإضافة إلى حالة التشكيك التي عملت عليها العديد من "وسائل الإعلام المستبدة" على حد تعبيره، إضافة إلى موجة التشكيك والتخوين حتى بين رموز من الحراك الشعبي وفق ما يرى الفلاحات.
وفي مقابل وضوح مطالب الحراك الشعبي، في شقيه السياسي والاقتصادي، فإن موقف الحكومة يمكن اختصاره بتصريحات مكررة لوزيرة الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء جمانة غنيمات التي تقول إن "حرية الرأي مكفولة بالدستور شرط أن تبقى ضمن القانون"، قبل أن تضيف أن "هناك من يخرج على القانون خلال الاحتجاجات والبعض يحاول أن يسيء إليه عبر محاولة تقليد ما جرى في دول اخرى وهذا أمر غير مقبول في ظل مساحة الحرية الممنوحة للتعبير".
واستخدمت الأجهزة الأمنية القوة مرة واحدة مع المحتجين، حين أوقفت 18 شخصاً بتهمة التجمهر غير المشروع. ودائماً تحرص الحكومة على خلق طوق أمني بأعداد كبيرة من عناصر الشرطة في مواقع الاعتصامات، وهي إجراءات تخلق تخوفاً لدى بعض المواطنين يحول دون مشاركتهم في هذه الفعاليات الاحتجاجية. ووفق ما يقول مشاركون في احتجاجات الدوار الرابع، فإنهم يتعرضون للترهيب والترغيب من قبل الإجهزة الرسمية للتوقف عن المشاركة في الاحتجاجات التي تبلغ ذروتها عادة مساء كل يوم خميس، قرب الدوار الرابع، مقر رئاسة الحكومة، حتى أنه في بعض الأحيان تكون هنالك استدعاءات استباقية للحراكيين، بينما تم اعتقال عدد منهم لفترات طويلة نسبياً تزيد عن الشهرين مثلما حصل مع سعد العلاوين وصبري المشاعلة وأحمد النعيمات ورامي سحويل وغيرهم. ويرى كثيرون أن الأداة الأبرز التي تستخدمها السلطات لمواجهة أي تغيير حقيقي في نظام الحكم الأردني، تقوم على مضايقة المنتسبين للأحزاب وأقاربهم خلال التوظيف وهو ما يؤكد أن الدولة تبحث عن احزاب وفق مواصفاتها ورغباتها، ومجلس نواب لا يخرج عن السيناريوهات التي تقدمها السلطة التنفيذية.