عزل السويداء وتشويه صورتها: مساعي النظام مستمرة لإخضاع المحافظة

02 مارس 2019
سعى النظام لاستغلال هجوم "داعش" وخطف أبناء المحافظة(فرانس برس)
+ الخط -
يحار أهالي محافظة السويداء، جنوب سورية، ذات الغالبية من طائفة الموحدين الدروز، في أمر توجّهات النظام تجاههم، في ظل شعور عام بالقلق والتوجس من أي تحرك للنظام داخل المحافظة، خصوصاً التحركات العسكرية التي قام بها قبل أيام. وعمد النظام أخيراً إلى تعزيز حواجزه داخل المحافظة، والتي تُعد على أصابع اليد، بأعداد كبيرة من المقاتلين تراوح ما بين 100 و150 مقاتلاً على كل حاجز، وذلك على خلفية قيام أحد متزعمي المجموعات المسلحة المحلية باعتقال أكثر من 15 عنصراً أمنياً وعسكرياً يتبعون لقوات النظام، حتى أجبر النظام على إطلاق سراح والده الذي اعتُقل في ريف دمشق على طريق السويداء - دمشق.

وقالت مصادر متابعة في السويداء، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ عام 2014 نعيش حالة من الصراع غير المعلن، أو الصراع الناعم، فأهالي المحافظة بشكل عام متمسكون بكل مؤسسات الدولة المدنية والجيش طالما هو في ثكناته ويقوم بواجبه وخصوصاً الدفاع عن المواطنين ضد الإرهاب، وقام المجتمع عامة بما فيه من قوى مسلحة بالقتال إلى جانبه أكثر من مرة ضد تلك المجموعات، لكنهم في المقابل يقاومون هيمنة الأمن بمختلف أفرعه ويقفون ضد الاعتقالات التعسفية وإجبار الشبان على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية رغماً عنهم".

وأضافت المصادر: "يبدو أن النظام لا يقبل إلا برضوخ تام لكل محافظة، فدائماً يحاول قمع السويداء بالقوة عبر أجهزته الأمنية، التي رعت في بداية الحراك مجموعات في السويداء لقمع أي تحرك، وبعد التحوّل إلى العسكرة في العام الثاني للحراك، الأمر الذي رفضته المعارضة في السويداء، تم تسليح هذه المجموعات وبدأ استخدامها في مهمات قتالية خارج المحافظة أو بتسهيل أعمالها غير القانونية داخل السويداء، من عمليات نقل المحروقات من البادية إلى درعا، أو تجارة السلاح أو المخدرات، ما جعل تلك المجموعات تمتلك قوة أكبر وعلاقات داخل السلطة ضمن شبكات الفساد، فكثير من أعضائها يحمل بطاقات أمنية ومهمات تسهل حركته داخل وخارج المحافظة".

واعتبرت المصادر أن تشكّل الفصائل المحلية "جاء كرد على وجود هذه المجموعات الفاسدة، إضافة إلى الأخطار التي أحاطت بالمحافظة سابقاً، من جبهة النصرة على حدودها الغربية في محافظة درعا، إلى تنظيم داعش شرقاً، والذي ما زال يشكّل خطراً على هذه الفصائل وعلى رأسها رجال الكرامة، وما تفرع عنها، والتي عملت على ألا تكون طرفاً في الصراع، وفي الوقت ذاته تقف بوجه أي اعتداء من الفاسدين في الدولة، الأمر الذي أدى إلى استعداء النظام لها"، مضيفة "أخذت تلك الفصائل دعماً إقليمياً بسبب علاقات القرابة لأفرادها مع أبناء طائفتهم في لبنان، الأمر الذي صعّب على النظام مسألة التخلّص منها، والذي يتطلب صداماً دموياً مع أقلية، وهو الذي يدعي أنه حامي الأقليات من الإرهاب".


من جهته، قال ناشط سياسي في السويداء، تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النظام لا يكل عن العمل لإخضاع المحافظة وإعادتها إلى كنفه مسلوبة الإرادة، وبعد تكرار فشل سيناريوهات التدخّل العسكري عبر تضخيم عمليات نقل المحروقات إلى مناطق درعا التي كانت تخضع للفصائل المسلحة المعارضة والإسلامية، حاول تضخيم خطر النصرة، ومن ثم تسليط الضوء على خطر انفجار فتنة طائفية بين البدو والدروز، بعد عدة عمليات خطف وقتل لأشخاص من البدو اتُهم بها الدروز". وأضاف: "كان هناك أيضاً من يريد استثمار هجوم داعش على القرى في الريف الشرقي للمحافظة، في 25 يوليو/ تموز الماضي وراح ضحيته نحو 300 شخص بين مدني ومسلح محلي، جراء تصديهم للدواعش، في حين لم تصل قوات النظام إلا عقب 36 ساعة، فيما عاد النظام أخيراً إلى تضخيم واقع جرائم الخطف بهدف الحصول على فدية، والتي تثير الكثير من علامات الاستفهام، إذ تستهدف في الغالب الوافدين إلى المحافظة، ومنهم من يقيم فيها منذ عقود".

ولفت الناشط إلى أن "اتهامات يتم تناقلها عن أن هناك من يريد تفريغ المحافظة من السوريين المقيمين داخلها، والذين ساهموا في دعم الحركة الاقتصادية المحلية، وقوّى هذه القناعة انتشار تسجيل صوتي لاتصال مفتي سورية، بدر الدين حسون، التابع للنظام، بأحد الأشخاص في السويداء المتعاملين مع الأمن، حول مخطوف في السويداء من أبناء حلب، قال فيه إنه سيطلب من جميع أبناء حلب في السويداء مغادرتها فوراً، وبالفعل شهدت السويداء حركة مغادرة واسعة للعائلات الوافدة جراء عملية التخويف التي مورست عليهم".
وبحسب الناشط نفسه، فإن "النظام يستهدف السويداء بشكل واضح، في محاولة منه للسيطرة عليها وعزلها عن محيطها، وقطع الطريق على أي تدخّل إقليمي في ما قد يحدث لها، فهو حتى اليوم لم يقم بأي مبادرة لإجراء مصالحة بين السويداء وجارتها درعا، جراء عمليات الخطف المتبادلة وجرائم القتل، حتى أن هناك من يتهمه بتعطيل المبادرات المجتمعية في هذا الإطار، بل على العكس ما زالت هناك عمليات خطف تستهدف أبناء درعا، لزيادة الشرخ بين المحافظتين، وهذا ليس بالأمر الجديد، فالأمن متهم تاريخياً بلعب دور في نشر الإشاعات المثيرة للعداوة بينهما".

وأوضح الناشط أن "النظام عمل على تشويه صورة السويداء أمام السوريين عبر قضايا الخطف، والترويج أن الطائفة الدرزية متقوقعة وترفض السوريين وغير مؤتمنة الجانب، حتى الإعلام الرسمي التابع للنظام أصبح يسوّق روايات مضخّمة عن الفلتان الأمني وانتشار الأعمال غير المشروعة"، مضيفاً: "حتى رئيس النظام بشار الأسد أفرد جزءاً من حديثه مع المخطوفين المحررين من داعش، عن استنكاف غالبية أبناء السويداء عن الخدمة العسكرية، حتى أصبح من يخدم في قوات النظام يعتقد أنه لو التحق أبناء السويداء بالخدمة لكانوا قد سُرحوا منها، على الرغم من أن عدد المستنكفين عن الخدمة يُقدّر بنحو 40 ألف شاب من أصل 800 ألف".

وتابع الناشط أن "هناك جهات من النظام تحاول ابتزاز أهالي المحافظة، بمحاولة صبغ الفصائل العسكرية الموجودة في السويداء بصبغة طائفية، وهي صاحبة الإرث المجتمعي المتمسك بالموقف الوطني السوري، فسلطان باشا الأطرش كان قائد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي، إضافة إلى اتهامهم بالعمالة لإسرائيل، على الرغم من أن أبناء طائفتهم في الجولان السوري يرفضون الهوية الإسرائيلية منذ أكثر من 40 عاماً".