دراسة إسرائيلية تحذر من "موجة جديدة من التحولات" في العالم العربي

25 فبراير 2019
من احتجاجات سابقة رفضاً للضرائب في الأردن (Getty)
+ الخط -
حذر أحد أهم مراكز الفكر الإسرائيلية من "موجة جديدة من التحولات" في العالم العربي، على اعتبار أنّ المشاكل التي أفضت إلى تفجّر الثورات العربية عام 2011 لا تزال قائمة، داعياً صناع القرار في تل أبيب إلى الاستعداد لذلك عبر تبني استراتيجيات قادرة على مواجهة "المخاطر" المحدقة.

وحثّت الدراسة الصادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، اليوم الإثنين، حكومة تل أبيب، على تبنّي استراتيجية "تقوم على توخّي الحذر عند تصميم العلاقات مع نظم الحكم في المنطقة"، وفي الوقت ذاته "استغلال الفرص التي يمنحها الواقع القائم".

ووفق الدراسة، فإنّ "الافتراض الرئيس الذي يجب أن يحكم توجهات صنّاع القرار في تل أبيب، يتمثّل في أنّ النظام الإقليمي الذي تشكّل في أعقاب تفجر الثورات العربية عام 2011 لم يستقر"، وأنّ احتمالات حدوث تحوّلات يمكن أن تغير بنى وتوجهات هذا النظام، "لا تزال قائمة".

وحذرت الدراسة، التي أعدّها كل من: الجنرال إيتي بارون القائد الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والباحثتين سارة فوير وإيتي حمنتيس، صنّاع القرار في تل أبيب، من أنّ "الطابع غير المستقر للواقع في العالم العربي، يحتّم على إسرائيل توخّي أقصى درجات الحذر عند التوصّل لاتفاقات مع النظم التي تحكم دول المنطقة، أو عقد تحالفات وشراكات معها، على اعتبار أنّ الواقع الحالي يمكن أن يتغير".

واستدرك معدو الدراسة مشددين على أنّ "توخّي الحذر لا يعني عدم استغلال الواقع الحالي، وطابع العلاقة مع النظم القائمة، وتوظيفها في مواجهة التحديات التي تعترض إسرائيل".

ورأى معدو الدراسة أنّه "يتوجّب على صناع القرار في إسرائيل أن يعتمدوا خططاً وسياسات مرنة وقصيرة الأمد في التعاطي مع العالم العربي، وضمن ذلك الحرص على استخدام القوة العسكرية بشكل محدود ضد مخاطر بعينها"، إلى جانب "محاولة الدفع نحو ترتيبات قصيرة المدى حتى مع أعداء".

وبحسب الدراسة، فإنّ بناء تصوّر إزاء مستقبل التحولات في العالم العربي، "يكتسب أهمية هائلة بالنسبة لإسرائيل"، لأنّ صناع القرار وقادة المؤسسة العسكرية في تل أبيب "سيكونون ملزمين بأن يأخذوا هذه التحولات بالاعتبار عند تصميم السياسات العامة، وتخطيط العمليات العسكرية الهادفة إلى الحفاظ على الأمن القومي، وكل ما يتطلّبه الأمر من بناء القوة العسكرية المناسبة".

وحثت الدراسة على "مراعاة سمات المرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم العربي، والتي تتسم بانعدام الاستقرار وانعدام اليقين والحساسية المفرطة للتأثيرات، إلى جانب الأخذ بالاعتبار سمات المنطقة المحافظة وتاريخها".

ولفت معدو الدراسة إلى أنّ ما يدعو للاعتقاد بأنّ العالم العربي مقبل على تحولات جديدة، حقيقة أنّ المشاكل التي أفضت إلى تفجر الثورات العربية ما زالت قائمة، لا سيما: معدلات البطالة بين الشباب، الفساد، تهاوي الأوضاع الاقتصادية، غياب العدالة الاجتماعية، والاعتماد على النفط أو على الدعم الخارجي، إلى جانب تواصل "حرب الهويات".

وبحسب معدّي الدراسة، فإنّ استمرار هذه المشاكل "يمسّ بشكل كبير بسقف توقعات الجماهير العربية، التي يمكن أن تعبر عن إحباطها عبر شن موجات احتجاج كبيرة".

وأشار معدّو الدراسة إلى أنّه على الرغم من أنّ ثورة 25 يناير لم تتمكّن من وضع حدّ لحكم النظام العسكري في مصر، إلا أنّ هذا النظام يجد صعوبة في فرض سلطته على مناطق في البلاد، لا سيما في شبه جزيرة سيناء، موضحين أنّ التحولات في العالم العربي أفضت إلى تراجع التأثير الإقليمي لكل من نظم الحكم في مصر والسعودية، مقارنة بإيران وإسرائيل.

وعلى الرغم من أنّه يبدو للوهلة الأولى أنّ نظامي الحكم في مصر والأردن قد تجاوزا تداعيات ثورات الربيع العربي، وفق الدراسة، إلا أنّ هناك الكثير من علامات الاستفهام إزاء حصانة وتماسك هذين النظامين، لا سيما لعدم تمكنهما من توفير حلول للمشاكل والتحديات التي يواجهها الجمهور هناك، وهو ما يمكن أن يقود إلى موجة جديدة ومفاجئة من التحولات.

وشددت الدراسة على أنّ استخلاص العبر من ثورات الربيع العربي "دفع نظم الحكم في كل من مصر، الأردن، وعدد من دول الخليج، إلى تكثيف تعاونها الأمني والاستخباري مع تل أبيب، وهو ما ساهم في تعزيز المكانة الإقليمية لإسرائيل، التي استفادت أيضاً من تراجع مكانة القضية الفلسطينية لدى صناع القرار في العالم العربي".

وأشارت الدراسة إلى أنّ التحولات التي طرأت على العالم العربي منذ العام 2011، "أفضت إلى بناء نظام إقليمي مغاير، وأدت إلى ولادة أنماط حكم تعتمد سياسات دولية مغايرة".

وعلى الرغم من أنّ الدراسة تشير إلى أنّ التحولات لم تؤثر على بقاء الدول والحدود التي تفصل بينها، إلا أنّها تشير إلى أنّ بعض نظم الحكم في هذه الدول سلّمت بأن تكون سيادتها منقوصة، معتبرة أنّ العراق وسورية واليمن وليبيا نماذج تؤكد ذلك.

وأشارت الدراسة إلى أنّ النظام الإقليمي الذي تكرّس بعد ثورات الربيع العربي، منح دوراً متعاظماً لقوى دولية وإقليمية، لافتة إلى أنّ التحولات في العالم العربي أفضت إلى تقاسم نفوذ واقعي في المنطقة بين الولايات المتحدة، التي عادت للاهتمام بمنطقة الخليج، في حين استعادت روسيا بعض النفوذ الذي كان يتمتع به الاتحاد السوفييتي في الماضي.

وعلى الرغم من أنّ الدراسة تشدد على وجوب الاستعداد لـ"موجات جديدة" من التحولات في العالم العربي، إلا أنّها تشير إلى فرضيتين أخريين، يتبنّاهما بعض الباحثين، إحداهما أنّ النظام الإقليمي القائم في العالم العربي حالياً هو النظام نفسه الذي كان سائداً قبل ثورات الربيع العربي، في حين تتمثّل الفرضية الثانية في أنّ النظام الحالي هو نظام جديد ومستقر.

وتستدرك الدراسة بالقول إنّه يتوجب على صناع القرار في تل أبيب "التعامل على أساس أنّ التحولات في العالم العربي ستتواصل، وستترك تأثيرات كبرى على إسرائيل".

المساهمون