ومن المقرر أن تستقبل واشنطن، اليوم الإثنين، اجتماعاً على مستوى وزراء المياه والخارجية في دول مصر والسودان وإثيوبيا تحت رعاية وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، وبمشاركة ممثلين عن البنك الدولي. وتنطلق جولة المفاوضات الحالية، في ظلّ استمرار خلافات ملء السد بين القاهرة وأديس أبابا خلال الاجتماعين الماضيين، الأول الذي عُقد في إثيوبيا في 15 و16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والثاني في العاصمة المصرية في 2 و3 ديسمبر/كانون الأول الحالي. ويأتي انعقاد الجولة على ضوء مخرجات اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث الذي عقد في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بواشنطن، وذلك قبل الاجتماع المتفق عليه في 15 يناير/كانون الثاني المقبل، واجتماع آخر تم الاتفاق على عقده في الخرطوم يومي 21 و22 ديسمبر/كانون الأول الحالي. وذكرت وزارة الخارجية السودانية، أن مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين أكد لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي يزور العاصمة الأميركية واشنطن، حرْص الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيجاد صيغة حلّ توافقية لأزمة سد النهضة، تخدم مصالح البلدان الثلاثة.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن المسؤولين الفنيين في مصر تقدّموا بملف وتصوّر كامل بشأن المقترح المصري المعدل، والذي لم يحدد عدد سنوات لملء الخزان وربط فترة الملء بهيدرولوجية النهر، وحجم الأمطار والفيضان، مع ربط عمل السد بعد ذلك بالسد العالي، الذي سيكون وفقاً للتصور المصري هو "ترمومتر" الأداء، الذي سيكشف أي خلل في الاتفاقات، وإدارة عملية الملء والتشغيل. وأكدت المصادر أن مصر اشترطت الإبقاء على تشغيل السد العالي لتوليد الكهرباء بـ50 في المائة من طاقته وتأمين احتياجات البلاد في حالة الجفاف.
وبحسب المصادر الدبلوماسية، فإن هناك خطاً أحمر حددته ورسمته مصر، خلال المفاوضات القائمة، وهو عدم القبول بأي اتفاق لا يتضمن التزام أديس أبابا وفق أطر محددة وآليات واضحة بما سيتم الاتفاق عليه بشأن عمليات التشغيل والملء. وأكدت هذه المصادر أن "الموقف الإثيوبي بعدم القبول بأي اشتراطات، هو من أكبر العقبات التي تفشل أي اتفاق مع إثيوبيا منذ فترة"، معتبرة أن "أديس أبابا بموقفها هذا تكشف عن نيّتها ومساعيها لإحكام السيطرة الكاملة على النيل الأزرق بشكلٍ يضع أمن باقي الدول المستفيدة ومستقبلها، بين يدي صانع القرار الإثيوبي، وهذا بالطبع أمر مرفوض تماماً".
وفي السياق، قالت مصادر فنية في وزارة الري المصرية، لـ"العربي الجديد"، إنه "في ما يتعلق بملء السد، لم يتم الاتفاق على الوقت، ولكن يتم عرض وجهات النظر العالقة بأسلوب الملء والكمية وفترات الملء بالتوافق بين الدول الثلاث". وشرحت هذه المصادر أن "السنة المائية من شهر أغسطس/آب إلى أكتوبر/تشرين الأول (الماضيين) كانت نسبة الفيضان فوق المتوسط، ولكن هذا أمر غير ثابت وغير معلوم، وكل ما نتمناه هو وضع قواعد مرتبطة بمراعاة فترات الجفاف والجفاف الممتد، فهناك فترات تكون تحت المتوسط وأقل المعدلات، فلا بد أن يكون هناك قواعد واضحة لكافة الأطراف لنتداركها".
وفي ما يتعلق بجولة اليوم، فإن حالة من الترقب والمخاوف تسود داخل عدد من الجهات الحكومية المصرية، لأسباب عدة، يبررها، مصدر حكومي تحدث لـ"العربي الجديد"، بأن جولة واشنطن المرتقبة، هي في الأصل اجتماع غير متفق عليه على ضوء اجتماع واشنطن الأخير، وأن الاجتماع الوحيد الذي كان متفقاً عليه، وتم الإعلان عنه بالعاصمة الأميركية، هو اجتماع 15 يناير/كانون الثاني المقبل.
من جهتها، كشفت مصادر مسؤولة في وزارة الموارد المائية أن اجتماع القاهرة الأخير، بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، والذي عقد برعاية أميركية وبحضور جهات مسؤولة من البنك الدولي، كان اجتماعا أقرب إلى وصفه بـ"الفاشل" بالنسبة للطرف المصري، إذ لم يتم التوصل فيه إلى أي حلول أو اتفاق بشأن أزمة السد، وكذلك رُفضت المقترحات المصرية بالسماح لها بـ40 مليار متر مكعب من المياه بدلاً من 55 مليار متر مكعب. وكشفت المصادر نفسها، أن اجتماعات تمت خلال الأيام الماضية بين وزير الخارجية سامح شكري ووزير الموارد المائية محمد عبد العاطي، وعددٍ من الخبراء ومشاركين من جهات سيادية (أجهزة استخبارية)، لمناقشة ما تم التوصل إليه خلال الاجتماعات الأخيرة، والسيناريو المرتقب خلال اجتماع اليوم، مؤكدة أن علامات اليأس والإحباط كانت المسيطرة على لقاءات الجهات المصرية والاحتمالات المتوقعة خلال اجتماع واشنطن خلال الساعات المقبلة.
وشرحت المصادر المصرية في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن جولات الاجتماعات المتعددة، سواءً تلك التي عُقدت في القاهرة، أو أديس أبابا، أو الخرطوم، وأخيراً واشنطن، تعد استهلاكاً للوقت، وإهداراً للجهد، واستنزافاً للمقترحات، في ظل استمرار إثيوبيا في بناء السد، والعمل على تشغيله خلال عام 2020، مشيرة إلى أن عطش مصر من أزمة السد واردة ومسألة وقت، في ظل تقاعُس تام من قبل الجهات الحكومية، وأن تلك الاجتماعات الماضية والمرتقبة لن تأتي بجديد، بل ستؤدي إلى طريق مسدود.
وفي هذا السياق، رجحت مصادر نيابية، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد يلجأ إلى خيار دعائي، عقب نهاية اجتماعات اليوم، عن طريق تغيير وزيري الخارجية سامح شكري، والري محمد عبد المعطي، وأن هذا احتمال وارد خلال الأيام المقبلة من خلال التغيير الوزاري المرتقب، مؤكدة أن تأخير التعديل الوزاري وإبعاد الوزيرين عن منصبهما، ربما لارتباطهما بهذا الملف، خصوصاً وزير الخارجية الذي تسعى دوائر مقربة من السيسي لتحميله جانباً كبيراً من الفشل في إدارة ملف سد النهضة والأزمات التي تواجهها مصر في الخارج.
وتوقعت تلك الجهات أن تزداد وتيرة حدة الخلافات بين الدول الثلاث (مصر- السودان - إثيوبيا) خلال الأيام المقبلة بسبب السد، وأن هناك سيناريوهات عدة بين الدول الثلاث من الممكن أن تشهدها الساعات المقبلة.
وعن الآثار الضارة على مصر من أزمة سد النهضة، وتقليص نسبة المياه الواردة إلى النيل خلال الأيام المقبلة، كشف وزير الموارد المائية السابق محمد نصر علام، أن انخفاض منسوب مياه النيل في مصر الواردة من إثيوبيا، سيؤدي إلى تصحر ما يقرب من 51 في المائة من الأراضي الزراعية المصرية التي تزرع صيفاً وشتاء، وزيادة درجة ملوحة الأراضي، وبالتالي استيراد كميات كبيرة من الغذاء، وتفاقم الفجوة الغذائية، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية داخل الأسواق المصرية. وأضاف علام أن من ضمن تأثيراته السلبية نقص الكهرباء المولدة من السد العالي، وضياع الثروة السمكية والصناعية، وزيادة البطالة بسبب توقفها عن العمل، فضلاً عن عطش الأهالي، مشيرا إلى أن تحلية مياه البحر تكلف الحكومة المصرية مليارات الدولارات سنوياً في إقامة مشاريع للمياه، وهو ما يعد خطراً على الميزانية العامة للدولة.