"الجيش الوطني" و"الثور الأسود"

22 ديسمبر 2019
يشنّ النظام حملة عسكرية شرسة جنوبي إدلب(عبدالعزيز كتاز/فرانس برس)
+ الخط -

يمضي النظام السوري، ومن خلفه روسيا، في عمليتهما العسكرية في ريف إدلب الجنوبي، والتي يبدو أنّ الهدف التكتيكي منها هو السيطرة على مدينتي معرة النعمان وسراقب اللتين تشكّلان نقطة تقاطع الأوتوسترادين الدوليين الوحيدين في سورية "أم 4" الذي يصل الساحل بحلب والعراق، و"أم 5" الذي يصل الأردن بدمشق، وصولاً إلى تركيا. يحصل ذلك في الوقت الذي لم يحرّك فيه "الجيش الوطني" التابع للمعارضة، والمتمركز في كل من ريف حلب الشمالي وريف الحسكة الشرقي، ساكناً حيال ما يجري في إدلب، في حين يستقدم النظام الكثير من التعزيزات للانقضاض على المنطقة ضمن سيناريو مشابه تماماً لما جرى ضمن مناطق خفض التصعيد الأخرى، التي التهمها واحدة تلو الأخرى بشكل منفرد، فيما باقي المناطق كانت تقف موقف المتفرّج ظناً منها أنها ستكون في مأمن من نيران النظام.

قضمَ النظام ريف حمص الشمالي، ثمّ الغوطة، فالمنطقة الجنوبية من سورية، ليأتي الدور الآن على آخر مناطق خفض التصعيد، والتي تمّ ابتلاع جزء كبير منها، فيما فصائل المعارضة التي توحّدت تحت اسم "الجيش الوطني" لا تزال تتعامل مع ما يجري في إدلب على أنه موضوع لا يعنيها، معتقدةً أنها ما دامت ضمن مناطق النفوذ التركية، فستكون في مأمن من نيران النظام والروس، مكتفيةً ببعض الامتيازات التي منحت لها من قبل أنقرة.

تتشابه طريقة تفكير قادة "الجيش الوطني" وتعاطيهم السطحي مع لعبة "مناطق خفض التصعيد"، إلى حدّ بعيد، مع طريقة تفكير وتعاطي الثور الأسود "شتربة"، أحد أبطال قصص "كليلة ودمنة" مع الأسد الذي تمكّن من التهام كل إخوته الثيران الملونين بمساعدته، بدءاً من الثور الأبيض. ولم يتنبه الثور الأسود إلى المكيدة التي وقع فيها إلا حين جاء دوره ليكون الوجبة الأخيرة للأسد، فقال مقولته الشهيرة قبيل التهامه: "لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

كذلك، فإنّ فصائل المعارضة تمّ التهامها من قبل الضامنين في لعبة مناطق خفض التصعيد، فصيلاً تلو الآخر، فيما لا يزال "الجيش الوطني" يعتقد أنّ قربه من الضامن سيحميه من الالتهام. ففي الوقت الذي يتقدّم فيه النظام جنوباً، بدعم روسي وإيراني مفتوح، وتفتك الطائرات والمدفعيات بأبناء جنوب إدلب وغربها، تنام أكثر من مائة ألف بندقية على أكتاف حامليها، في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام" شمال حلب وشرقي الفرات. وتلك البنادق قاتلت إلى جانب تركيا، التي ربما تعدّ آخر المساندين للقضية السورية، إلا أنّ مصالحها في المناطق التي شاركت في القتال فيها إلى جانب "الجيش الوطني"، كانت أولى بالنسبة إليها، وأكثر أهمية.

ويبدو أنّ حاملي البنادق وقادتهم -بالمقام الأول- في تلك المناطق، لا يزالون إلى الآن لا يملكون أمر بنادقهم، للتحرّك نحو جبهات إدلب، ظناً منهم أنّ الأمر سيتوقّف على تخوم جنوبها. لكنّ الواقع العسكري يشير إلى أنّ شهيّة النظام والروس، ستكون مفتوحة أكثر كلما التهموا منطقة جديدة، وستذهب أنظارهم على الفور نحو التالي، وحينها لن يتمكنوا حتى من الصراخ بـ:"أُكلنا يوم أكل الثور الأبيض".

المساهمون