أشعل الاحتلال الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، نيران الحرب على غزة، باغتيال قائد "سرايا القدس" في المنطقة الشمالية، عضو المجلس العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، بهاء أبو العطا، في توقيت لم يخلُ من الاعتبارات السياسية الداخلية، لحل الأزمة السياسية المتواصلة في إسرائيل من جهة، ومحاولة استرجاع الردع الإسرائيلي المفقود قبالة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، من جهة أخرى، بعد سلسلة من التهديدات باقتراب إطلاق عملية عسكرية واسعة ضد حركة "حماس" في القطاع، وفق تصريحات أطلقها أخيراً كل من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش الجنرال أفيف كوخافي.
وكان لافتاً حرص نتنياهو على أن يتحدث بعد جلسة الكابينيت السياسي والأمني في مؤتمر صحافي مشترك مع كوخافي، وفي خطوة خارجة عن المألوف بمشاركة رئيس "الشاباك" نداف أرغمان أيضاً، للتأكيد على اعتبارات "أمنية وعسكرية" وراء عملية اغتيال أبو العطا، من جهة، ولإبعاد شبهات الاعتبارات الحزبية والسياسية الداخلية لنتنياهو، باستغلال صلاحياته والمخاطرة بتصعيد عسكري وحرب طويلة ضد غزة، لاعتباراته الخاصة وتحقيق مكاسب سياسية، من جهة أخرى.
ويشكّل التصعيد الجديد نقطة توافق بين المستوى السياسي ممثلاً بنتنياهو، والمستوى العسكري ممثلاً بكوخافي، بعد أن كان نتنياهو قد فشل في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي، بعدما اضطر إلى ترك مهرجان انتخابي بعد إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل فوق مدينة أسدود، في شنّ عملية عسكرية واسعة ضد غزة، فالمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، وقادة المؤسسة الأمنية رفضوا آنذاك شنّ عملية عسكرية واسعة قبل أيام معدودة من معركة الانتخابات التي جرت في السابع عشر من سبتمبر.
في المقابل، شهدت الأسابيع الأخيرة، بموازاة استمرار الأزمة السياسية في إسرائيل وعدم قدرة نتنياهو ولا غانتس، لغاية الآن، على تشكيل حكومة جديدة، توافقاً بين المستوى العسكري ونتنياهو، تمثّل في تصريحات عديدة أطلقها كوخافي قال فيها إن إسرائيل تواجه تحديات أمنية على الجبهتين الشمالية والجنوبية على حد سواء، وإن تصريحات المستوى السياسي بهذا الخصوص لم تكن بالضرورة لأسباب سياسية.
ويبدو أن الاحتلال الذي أطلق مراراً تهديدات مختلفة، يسعى من التصعيد الحالي لتحقيق أهداف عدة، سواء سياسية، خصوصاً على الصعيد الداخلي لجهة تكثيف الضغوط على الجنرال غانتس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تبقي نتنياهو في الحكم، وأخرى عسكرية تتصل بمحاولة استعادة قوة الردع، أولاً، ودق إسفين بين حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ثانياً. وفي هذا السياق، برزت أمس تأكيدات الجيش الإسرائيلي أن العمليات تستهدف بالأساس خلايا "الجهاد الإسلامي"، وأن اغتيال أبو العطا جاء أيضاً لمسؤوليته عن إطلاق مئات الصواريخ باتجاه إسرائيل في العام الماضي، وتخطيطه لجملة عمليات ضد الاحتلال، وبالأساس بفعل معارضة أبو العطا للتهدئة الإسرائيلية مع "حماس". وكان لافتاً إشارة الإعلام الإسرائيلي إلى أن أبو العطا استُدعي الشهر الماضي ضمن قيادات أمنية فلسطينية من قطاع غزة لمحادثات مع المخابرات المصرية، تم بموجبها أيضاً الإفراج عن عدد من معتقلي "الجهاد الإسلامي" في القطاع، ومع ذلك ظل أبو العطا على موقفه الرافض للتهدئة مع الاحتلال.
في المقابل، أشار محللون عسكريون، بينهم أفي سيسخاروف، في موقع "والا"، إلى أن التصعيد الجديد يضع "حماس" في حالة إرباك، وأمام معضلة شديدة، في حال اضطرت إلى "مواصلة إطلاق يد الجهاد الإسلامي في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل فإن ذلك يهدد باستمرار العدوان الإسرائيلي وتوسيع نطاقه". وانضم محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، هو الآخر إلى هذا التحليل، معتبراً أن موقف "حماس" وطريقة ردها سيكونان حاسمين في تحديد وجهة التصعيد الحالي ووتيرته.
إلى ذلك، لا يمكن فصل عملية اغتيال أبو العطا عن محاولة استهداف واغتيال القيادي في "الجهاد الإسلامي" أكرم العجوري في الغارة التي استهدفت مبنى في حي المزة في دمشق وأسفرت عن استشهاد ابنه، على الرغم من أن الاحتلال التزم الصمت ولم يشر إطلاقاً إلى أي مسؤولية له عن العملية. ويبدو أن الرسالة التي حملتها هذه العملية تؤكد عملياً رفع مستوى التهديد الذي توليه إسرائيل لـ"الجهاد الإسلامي"، بعدما كررت الحديث في أكثر من مناسبة أخيراً عن ربط "الجهاد الإسلامي" بإيران واعتبارها ذراعاً لطهران في قطاع غزة.