اتفاق سوتشي يسير وفق المخطط... والصراع ينتقل للنفط السوري

27 أكتوبر 2019
وصل رتل عسكري روسي إلى منطقة عين العرب(فرانس برس)
+ الخط -

في وقت يتواصل فيه تطبيق اتفاق سوتشي الأخير بين تركيا وروسيا حول منطقة شرقي الفرات السورية، وفق "المخطط المرسوم له"، وهو ما تجلى، أمس السبت، في توسيع قوات النظام السوري انتشارها في المنطقة، يبدو أن الصراع يتجه إلى النفط السوري في شرقي الفرات، مع اتهام موسكو الجانب الأميركي، بشكل واضح، بأنه يُخرج هذا النفط من سورية إلى الخارج لتكريره، تحت حراسة الجنود الأميركيين المنتشرين في قواعد لهم في الشرق السوري.

وفي جديد التطورات الميدانية، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن رتلاً كبيراً تابعاً لقوات النظام والقوات الروسية، مؤلفاً من مئات الآليات محملة بمعدات عسكرية ولوجستية وأكثر من ألفي جندي، قَدِم من مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي نحو بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، واتجه نحو طريق الحسكة، وبدأ الرتل انتشاره على أوتوستراد الحسكة-حلب، المعروف بـ"ام 4". كما أشار المرصد إلى أن قوات روسية ترافق هذا الرتل الأكبر من نوعه منذ الاتفاق بين النظام السوري و"الإدارة الذاتية" الكردية لشمال وشمال شرق سورية، والاتفاق الروسي-التركي. كما أن عملية الانتشار هذه هي الأضخم على الإطلاق منذ انتهاء وجود قوات النظام في المنطقة منذ خمسة أعوام.

من جهتها، ذكرت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، أن قوات الأخير تواصل انتشارها في قرى ريف الحسكة الشمالي الشرقي على طريق تل تمر - رأس العين، وفق الاتفاق التركي الروسي. وكانت قوات النظام وسّعت، الجمعة الماضي، نطاق انتشارها في الريف الشمالي لمحافظة الحسكة، إذ اتجهت وحدات عسكرية من مدينة القامشلي قرب الحدود التركية إلى الريف الشمالي الغربي للمدينة ودخلت قرية أم الكيف، وفق "سانا".

وفي غرب منطقة شرقي الفرات، وصل، أمس السبت، رتل عسكري روسي إلى منطقة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتوجّه إلى الريف الغربي للمدينة. ونصّ اتفاق تركيا وروسيا حول شرق الفرات والمناطق في غربه، على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج عناصر "قوات سورية الديمقراطية (قسد) وأسلحتهم حتى مسافة 30 كيلومتراً من الحدود التركية شرق الفرات، بالإضافة إلى إخراج جميع عناصر "الوحدات" الكردية مع أسلحتهم من منطقتي منبج وتل رفعت في ريف محافظة حلب.
ويتضمّن الاتفاق تفاهماً على أن يبدأ الجيشان التركي والروسي تسيير دوريات مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق وغرب منطقة العمليات التركية شمال شرقي سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة الواقعة ضمن العملية، التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين. ومن المقرر، وفق الاتفاق، أن تسهّل الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع للنظام السوري إخراج عناصر "الوحدات" الكردية وأسلحتهم حتى عمق 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية، خلال 150 ساعة، بدأت ظهر الأربعاء الماضي، ويفترض أن تنتهي مساء الاثنين المقبل.


في غضون ذلك، أكد المرصد السوري أن الاشتباكات لا تزال مستمرة بين "الجيش الوطني" السوري، التابع للمعارضة، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ضمن المنطقة الواقعة بين مدينة رأس العين وبلدة تل تمر، على محاور سفح ومناجير وليلان صالحية، مشيراً إلى وجود اشتباكات متقطعة على محاور في ريف مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي. في موازاة ذلك، أعلنت تركيا أن اتفاقها مع روسيا بشأن منطقة شرقي نهر الفرات يسير وفق المخطط له، بعد مرور أربعة أيام من توقيعه في مدينة سوتشي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تصريحات للصحافيين في ممثلية تركيا الدائمة لدى حلف شمال الأطلسي عقب اجتماع وزراء دفاع الحلف في العاصمة البلجيكية بروكسل، إن مهلة الـ150 ساعة في إطار الاتفاق، تنتهي الساعة 18.00 (15.00 توقيت غرينتش) يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وأشار إلى أن بلاده "تتابع الأحداث عن كثب حتى ذلك الوقت، وسنقوم باللازم بعد تقييم المستجدات"، مشدداً على أن تركيا "لن تسمح إطلاقاً بإنشاء ممر إرهابي على حدودها الجنوبية، وستواصل اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ذلك". وأكد أنه لم تتخلل العملية العسكرية التركية، التي بدأت في التاسع من الشهر الحالي، أي انتهاكات لحقوق الإنسان، أو استخدام للسلاح الكيميائي أو ممارسات غير إنسانية، مكذّباً الاتهامات المنسوبة لجيش بلاده بذلك.

في غضون ذلك، طفا على السطح أخيراً ملف النفط في الشرق السوري ضمن منطقة شرق نهر الفرات، بعد أن أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيّته طلب الإبقاء على عدد من الجنود لحماية حقول النفط في المنطقة. كما قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إن بلاده سترسل مركبات مدرعة وقوات مقاتلة إلى شرق سورية لمنع سقوط حقول النفط في أيدي متشددي "داعش". ووصف إسبر، في مؤتمر صحافي له الجمعة الماضي، القوة المضافة بأنها "ميكانيكية"، ما يعني أنها ستشمل على الأرجح عربات مدرعة، مثل ناقلات "برادلي" المدرعة للمشاة، وربما دبابات، على الرغم من أن التفاصيل لا تزال قيد الدراسة. وأعلن إسبر أن الولايات المتحدة "تدرس كيف يمكننا إعادة نشر قواتنا في المنطقة من أجل ضمان تأمين حقول النفط. نحن نعزز هذا الموقف، وسيشمل بعض القوى الميكانيكية".

وسارعت وزارة الدفاع الروسية، أمس السبت، إلى اتهام الجانب الأميركي بنقل النفط السوري إلى خارج البلاد، في تطور ربما يلقي بظلاله على الاتفاق التركي الروسي حيال مصير منطقة شرق نهر الفرات التي تضم جانباً كبيراً من ثروة سورية النفطية. ونشرت وزارة الدفاع الروسية صوراً تؤكد زعمها، إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف "تدل الصور التي قدمتها الاستخبارات الفضائية، على أن النفط السوري كان يستخرج، تحت حراسة قوية من العسكريين الأميركيين، ويجري نقله بواسطة الصهاريج إلى خارج سورية لتكريره، وذلك قبل وبعد دحر إرهابيي داعش شرقي الفرات".

ونشرت وزارة الدفاع الروسية خريطة للحقول النفطية في سورية وصوراً من أقمار صناعية، تم التقاطها في سبتمبر/أيلول الماضي. ووفق وسائل إعلام روسية، فإن وزارة الدفاع تشير إلى أنه يظهر في الصور قوافل الصهاريج التي تنقل النفط إلى خارج سورية تحت حراسة العسكريين الأميركيين وعناصر الشركات العسكرية الأميركية الخاصة. وقال كوناشينكوف إن "ما تقوم به واشنطن الآن هو الاستيلاء على الحقول النفطية بشرق سورية، وبسط سيطرتها العسكرية عليها، أو ببساطة السطو والنهب على مستوى الدولة". وأشار إلى أن قيام واشنطن "بحماية الثروة النفطية السورية من سورية وشعبها" يتعارض، على حد سواء، مع أعراف القانون الدولي والتشريعات الأميركية.

على صعيد ذي صلة، ذكر موقع "سمارت" الإخباري المعارض، نقلاً عن شهود عيان، أن شاحنات محملة بالنفط والقطن عبرت، أول من أمس الجمعة، مناطق سيطرة "قسد" في محافظة الرقة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام وسط البلاد. وقال الشهود إن نحو 140 شاحنة محملة بالمحروقات اتجهت من مدينة الطبقة نحو مصفاة مدينة حمص الخاضعة للنظام، مشيرين إلى أن نحو 50 شاحنة أخرى محملة بالقطن انطلقت أيضاً من الطبقة عبر معبر صفيان واتجهت إلى مدينة حماة، لافتين إلى أن الشاحنات تتبع لرجل الأعمال المقرب من النظام السوري حسام القاطرجي. ويعد القاطرجي من أبرز رجال الأعمال الذين ظهروا خلال الحرب في سورية، مستفيدين من الظروف التي سمحت بظهور طبقة رجال أعمال جديدة تعاملت مع كل الأطراف، بما فيها تنظيم "داعش" الذي كان القاطرجي يشتري منه البترول إبان سيطرته على المنطقة وينقلها إلى مناطق النظام، ويبدو أنه يؤدي الدور نفسه مع "قسد".

وتضم منطقة شرقي نهر الفرات كبريات حقول النفط والغاز في سورية، لعل أبرزها حقل العمر في ريف دير الزور الشرقي، وحقل الكونيكو، وكلاهما يقعان تحت سيطرة "قسد". وإلى جانب حقل العمر هناك العديد من الحقول الأخرى منها "التنك"، وهو من أكبر الحقول في سورية بعد "العمر"، إضافة إلى حقول الورد، والتيم، والجفرة. وفي محافظة الحسكة في اقصى الشمال الشرقي من سورية، تقع العديد من حقول النفط الهامة، في مقدمتها رميلان الذي يضم نحو 1322 بئراً، وقربه قرابة 25 بئراً من الغاز في حقول السويدية. ويضم ريف الحسكة الجنوبي العديد من حقول النفط، خصوصاً في مناطق الشدادي والجبسة والهول ومركدة.

المساهمون