كل أطفال ليبيا لا بواكي لهم

24 أكتوبر 2019
القصف الذي أدى لمقتل فتيات الفرناج (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

أخطأ كثر من المتابعين عندما ظنوا أنّ فتيات منطقة الفرناج جنوبي طرابلس، الثلاث اللاتي قتلن في غارة لطائرات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الأسبوع قبل الماضي في 14 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، لا بواكي لهن. فيومها ضجّت الدنيا بالبيانات المتسارعة، حتى استعان المتابع بمن يساعده في جمع وقراءة مضمون هذه البيانات. لكن اللافت أنه لم يمرّ أسبوع حتى قتل ثلاثة أطفال جدد، أول من أمس الثلاثاء، في منطقة صلاح الدين التي لا تبعد سوى نصف كيلومتر عن الفرناج، من دون أن يلقى الحدث المشابه حدّ التطابق، أي تفاعل لا داخلي ولا دولي.

القصص التي رواها الشهود عن جريمة صلاح الدين تزيد من حدة الشعور بالإنسانية حيال الموقف. أحد الأشقاء الثلاثة طفل كان يستعدّ قبيل سقوط الصاروخ على شقة أسرته للذهاب إلى المدرسة، فسائق الحافلة الذي كان ينتظره، قال "كنت انتظره لأستلم حقيبته وأجلسه على كرسيه، لكن جاؤوا به أشلاء، وبدلاً من الذهاب به للمدرسة نقلته إلى دار الرحمة في المستشفى".

تسييس المواقف الإنسانية أمر مألوف في دهاليز السياسة، لكن الموقف هنا يختلف، فالمستنكرون ليسوا أطرافاً في الحرب فقط، بل أطرافا دولية ومنظمات إنسانية دولية لا شأن لها بالحرب!

الأغرب من ذلك أن يترك رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، فايز السراج، عادته في الهرع بأقصى سرعته لالتقاط صور في أماكن القصف وبرفقة من تبقى من أسرة قتل بعض أفرادها، ويتوجه وسط رتل من مرافقيه والسلك الدبلوماسي، للمشاركة في قمة ترعاها روسيا في اليوم نفسه، وهي الدولة التي لم يمر وقت طويل على تأكيده العثور على آثار لمقاتليها في صفوف حفتر المتهم بقصف الأطفال والمدنيين، حتى أن وزير داخلية "الوفاق" فتحي باشاغا، تحدث بوضوح عن أنّ قناصة روساً "يقتلون مدنيين".

حكومة المتناقضات لا يتوقف تضارب سياستها عند هذا الحدّ، فتصريحات قادة قواتها تشير إلى سعيها لتجميد الأوضاع في الجبهات والتوقف عن مد المقاتلين بأسلحة من شأنها أن تصنع فارقاً، في انتظار نتائج لقاء دولي في برلين. والحكومة تعرف جيداً أنّ الفاعلين في لقاء برلين، والمشاركين في صنع نتائجه هم دول مثل فرنسا والإمارات، والتي كانت قبل أيام تستنكر مواقعها الداعمة لحفتر، كما أن قادة قوات هذه الحكومة يصرحون جهاراً نهاراً، أنّ طائرات أبوظبي المسيرة هي من تشنّ الغارات التي تصيب الأحياء المدنية وتقتل المدنيين.

وفوق كل ذلك يأتي بيان وزارة العدل، التي نابت عن رئيس الحكومة هذه المرة، بالقول إنها "رصدت أدلة جديدة في حادثة صلاح الدين"، لتضمها إلى ملف أدلتها ضدّ حفتر، ليشير إلى طبيعة ما يجري. وقد علّق أحدهم بالقول، إنها صرحت ضمناً بأنها لن تسلّم الملف للجهات الدولية الآن، عندما وصفت جرائمه بأنها "لا تسقط بالتقادم".

المساهمون