"الباقورة والغمر"... جدل أردني إسرائيلي ساخن وسط سلام بارد

18 أكتوبر 2019
احتلت إسرائيل منطقة الباقورة عام 1950 (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -
يعكس السجال والجدل الأردني - الإسرائيلي عبر وسائل الإعلام، حول إنهاء العمل بالملحقين الخاصين بالباقورة والغمر، في طيّاته برودة اتفاقية السلام بين الطرفين. فقد نفت الحكومة الأردنية الأخبار المتداولة حول موافقة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على تمديد تأجير ملحقي الباقورة والغمر للاحتلال الإسرائيلي لمدة عام إضافي، بعدما أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية التوصل إلى تمديد الاتفاقية لعام.

وأكدت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، المتحدثة باسم الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحديث عن تمديد تأجير ملحقي الباقورة والغمر لمدة عام جديد غير صحيح، وذلك بعدما قالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان رسمي، الأربعاء، إن "قرار المملكة الذي اتُخذ بتاريخ 12/10/2018 بإنهاء العمل بالملحقين الخاصين بالباقورة والغمر نهائي وقطعي، وإنه بانتهاء النظامين الخاصين بتاريخ 10/11/2019 (حسب ما نصت عليه اتفاقية السلام)، لن يكون هناك أي تجديد أو تمديد".

وسط هذا الجدل، لا يمكن تجاهل حقيقة تدهور العلاقات السياسية بين الأردن وإسرائيل، خصوصاً على خلفية ما يحدث في المسجد الأقصى ونزوع إسرائيل إلى الانفراد بالتحكّم بالحرم القدسي، كما لا يمكن التغاضي عن تحذير العاهل الأردني عبد الله الثاني نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي لإسرائيل وحكومتها المقبلة من تبعات تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حول ضم أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، مشيراً إلى أن هذا سيؤثر مباشرة على العلاقات بين الأردن وإسرائيل.

وعن ذلك، قال وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه يصعب على الإسرائيليين تخيّل عودة هذه الأراضي إلى الأردن، وهي محاولة إسرائيلية أخيرة للتأثير على القرار. وأضاف أن ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية هو ردة فعل وتعبير عن حالة عدم الرضى عن تسليم المنطقتين إلى السيادة الأردنية، مشيراً إلى أدراك الإسرائيليين أن الساحة الأردنية تتقبل الشائعات، وهذه الخطوة تهدف إلى إرباك المجتمع والدولة الأردنية، واستغلال حالة عدم الثقة بين المواطنين والحكومة.

واستبعد المعايطة أن تكون مثل هذه الأخبار محاولة لممارسة ضغوط حقيقية واقعية على الأردن في هذا التوقيت، مشيراً إلى أنه كانت هناك فترة كافية ومنذ عام مضى للتأثير على القرار الأردني، أما الآن فقد شارفت المهلة على النهاية. وأضاف أن الأردن تجاوز مرحلة الضغوط حول هذه القضية بالذات، وكان يتوقع التعرض للضغوط بعدما أعلن العاهل الأردني في 21 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي عدم تجديد فترة تأجير منطقتي الباقورة والغمر لإسرائيل، وعودة هذه الأراضي للسيادة الأردنية.
وأوضح أن الاجتماعات الأردنية الإسرائيلية حول الباقورة والغمر التي عُقدت في الفترة الأخيرة، كانت من أجل تحديد آلية عودة هذه المناطق للسيادة الأردنية وليس تجديد الاتفاقية، ولكن الكثير من الناس، وفق المعايطة، لا يتوقفون عند التفاصيل بل ينظرون إلى العناوين.


أما الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، الأستاذ الجامعي خالد شنيكات، فقال لـ"العربي الجديد"، إن نشر الخبر الإسرائيلي له هدفان، الأول ممارسة الضغط على الأردن، والثاني إطلاق بالون اختبار حول ردة فعل الشعب والشارع الأردني، ومعرفة موقف الجبهة الداخلية وحجم وكيفية ردة الفعل.
ورأى شنيكات أن صانع القرار في إسرائيل يدرك بشكل تام الوضع الإقليمي العام، كما أنه على علم بشكل كبير بالوضع في عمّان، مضيفاً أن إسرائيل لا تتردد، ولن تتردد بالضغط على الأردن بكافة الوسائل المتاحة، بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الولايات المتحدة، لتحقيق أهدافها، مذكّراً بحادثة إطلاق النار في السفارة الإسرائيلية عام 2017.

ولم يستبعد شنيكات أن تقوم تل أبيب خلال الأيام المقبلة بالضغط بشكل أكبر على عمّان، من أجل تمديد اتفاقية التأجير لعام آخر، فإسرائيل تحاول الضغط من أجل إبقاء الوضع الراهن كما هو، مذكّراً بإعلان نتنياهو العام الماضي أن بلاده ستدخل في مفاوضات مع الأردن حول إمكانية تمديد عقد استئجار الباقورة والغمر لفترة إضافية. وأضاف أنه من المستحيل أن تتخلى إسرائيل عن الباقورة والغمر بسهولة، فدولة الاحتلال لا تنسحب بسهولة من الأراضي التي تحتلها بالمفاوضات، ولهذا تناور في هذا الموضوع، وتمارس المزيد من الضغط على عمّان، لافتاً إلى أن النفي الحكومي يؤكد إصرار الحكومة الأردنية على إنهاء هذا الملحق، وهذا الموقف ثابت، وفق التصريحات الصادرة عن الحكومة.

من جهته، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، لـ"العربي الجديد"، إن موضوع الباقورة والغمر مطروح بقوة على الساحة الإسرائيلية، ويتفاعل بشكل كبير هذه الأيام مع اقتراب المهلة المحددة للتسليم للأردن بموجب اتفاقية وادي عربة (معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية).
ولفت الحنيطي إلى أنه يُنظر في إسرائيل إلى هذا الموضوع بحساسية، كونه يتعلق بمجموعة من العائلات التي تعيش في المنطقة، وهناك محاولات من الإعلام الإسرائيلي للفت الانتباه إلى هذا الموضوع ومشكلة المزارعين وعائلاتهم، على الرغم من الأزمة الحكومية التي تعيشها. وتابع "لم تكن هناك في الفترة الأخيرة مفاوضات حقيقية بين عمّان وتل أبيب، بل يمكن وصفها بالمشاورات، وكان الإسرائيليون يأملون بالوصول إلى تمديد الاتفاق لإبقاء الحال على ما هو عليه، إلا أن الموقف الأردني كان واضحاً بأنه لن يكون هناك أي تجديد أو تمديد". وأشار إلى أن ما يحدث هو محاولة تفاوض في اللحظات الأخيرة، موضحاً أن الإسرائيليين على قناعة تامة بأن الأمر أصبح بحكم المنتهي، وهذه محاولات اللحظة الأخيرة.

يُذكر أن إسرائيل احتلت منطقة الباقورة، شمال المملكة، في العام 1950، والغمر في الجنوب عام 1967. وتبلغ مساحة الباقورة 6 آلاف دونم، استعاد الأردن منها 850 دونماً فقط في عام 1994، ضمن اتفاقية السلام. أما منطقة الغمر، الواقعة بالقرب من طريق البحر الميت القديم داخل الأراضي الأردنية بشكل طولي، فتبلغ مساحتها 4 آلاف دونم، وكلها مناطق زراعية خصبة غنية بالمياه الجوفية.