تعمق عزلة الرئيس إيمانويل ماكرون واستمرار الدعوات لاحتجاجات وجولات جديدة

04 يناير 2019
توقع إجراء تعديل واسع بمكتب ماكرون (بينوا توسيي/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لن يخرج من عزلته السياسية سريعاً، إذ إن عدد المنسحبين من حوله يزداد شيئاً فشيئاً، وآخرهم سيلفان فور، أقرب المستشارين إليه، والذي سيغادر في النصف الثاني من الشهر الجاري، بعد أن ينتهي من صياغة رسالة ماكرون الموعودة للفرنسيين

وتعتبر استقالة كاتب خطب ماكرون ومدير الاتصال خسارة كبيرة للرئيس، خاصة أنه كان يجيد مخاطبة اليمين الفرنسي، كما بذل مجهوداً كبيراً للجواب عن تحدي "أزمة ألكسندر بنعلا"، التي أثرت سلباً على الرئيس الفرنسي. 

ويبدو أن ماكرون، كما تؤكد صحيفة "لوفيغارو" اليوم الجمعة، لن يجد مناصاً، في الشهور الستة المقبلة، من إجراء تعديل واسع في مكتبه، إذ يتوقع أن يغادر مقربون منه.       

وفي مواجهة الدخول السياسي الجديد، حيث تنتظر الرئيسَ وحكومتَه إصلاحاتٌ كثيرة، منها إصلاح التقاعد المحفوف بالمخاطر، والإصلاح الدستوري، الذي يغضب كثيراً من العمدات، الذين يحتاج إليهم في النقاش الوطني الكبير، تتواصل الاحتجاجات والدعوات لأخرى، رغم انخفاض وتيرتها، ولكنها قابلة للعودة تحت أشكال ومظاهر جديدة، مستفيدة من سياق اجتماعي مناسب، إذ لا يزال أكثر من نصف الفرنسيين يؤيدون استمرار الاحتجاج، أي بنسبة 55 في المائة، وفق آخر استطلاع للرأي.



ولم يستطع ماكرون في خطابه الأخير، بمناسبة السنة الجديدة، أن يهدئ مخاوف الفرنسيين، ولم تقتنع به سوى أقلية منهم، وإن كان قد أكد على نيته استخدام الحل الزجري لقمع الحراك والتخلص من رموزه المتشددين، والذين يحظى بعضهم بشعبية متزايدة. 

وقد تسبب الاستنفار البوليسي والقضائي في إيقاف ما يقرب 4570 شخصاً، وصدرت أحكام بالسجن في حق 216 من المتظاهرين، ولم يفرج سوى عن 825 من دون أي متابعة.

ويعتبر الاعتقال المتكرر لإيريك درووي، أحد زعماء حركة السترات الصفراء، والذي يتابع صفحته على فيسبوك عشرات الآلاف من الفرنسيين، والذي يتخاطفه أقصى اليمين وحركة "فرنسا غير الخاضعة"، حيث خصه جاك لوك ميلانشون بمديح طويل نادر، نوعاً من التضييق على الحراك من أجل خنقه، كما توعد الرئيس ماكرون بفرض النظام الجمهوري.

وفور اعتقاله للمرة الثانية حين كان مع مجموعة من السترات الصفراء في تجمع في قلب باريس لـ"تذكر ضحايا الحراك العشرة" (وقد اعترف درووي بأنه تعمد التظاهر حتى يُعتَقل ويُثبِتَ للفرنسيين بأن كل ما تفعله الحكومة في مواجهة السترات الصفراء سياسيّ، وأن الحراك سلمي)، صدرت تصريحات منددة بالاعتقال، الذي اعتبرته زعيمة اليمين الفرنسي المتشدد مارين لوبان "انتهاكاً منتظماً للحقوق السياسية من قبل ماكرون لمعارضيه، يرسم وجه الرئيس المُقلق بشكل رهيب"، وهو اعتقال رأى فيه جان لوك ميلانشون "شططاً في استخدام السلطة، حيث الشرطة السياسية تستهدف وتتحرش بمنشطي حركة السترات الصفراء".  

ومن أجل وقف التجمعات غير القانونية، تهدد الحكومة بفرض غرامات قاسية يمكن أن تصل إلى 3000 يورو. 

وتنقل صحيفة "لوباريزيان" عن مقرب من رئيس الحكومة قوله: "لقد تمّ أخذ المَطالب الاقتصادية والاجتماعية للسترات الصفراء بعين الاعتبار. ويجب قلب الصفحة الآن. والنقاش الوطني سيكون مفتوحاً أمام الجميع".

ولكن أوساطاً كبيرة في السترات الصفراء لا تريد قلب الصفحة، والكثير من ممثليها لا يزالون يعتبرون الإجراءات الحكومية دون المستوى المطلوب، في حين أن النقاش الوطني الكبير، الذي سيخصص له الرئيس ماكرون رسالة يوجهها بعد أيام للفرنسيين، لن تخرج عنه نتائج كبيرة، وهو بالتالي، كما ترى بعض تيارات السترات الصفراء، "فخّ سياسي من أجل إغراق الموضوع الذي يرعب الحكومة"، وما دام أن الحكومة هي من يقرر مواضيع النقاش ومن لديها اليد الطولى في القرارات، وما دام أن المحدد الوحيد للتغيير يظل، كما شدد ماكرون في خطابه الأخير، هو الانتخابات، أي أن ما تريده السترات الصفراء من "استفتاء المبادرة المواطنية"، ومن دون أن يذهب إلى التلفظ بذلك، لن يقرر للحكومة والمؤسسات ما يجب أن تفعله، أي أنه لن يستقيل ولن يَحُلَّ البرلمان.

 

عناد السترات الصفراء بوجه التشدد الحكومي

وفي مواجهة التشدد الحكومي، تظهر بعض تيارات السترات الصفراء عناداً متواصلاً، متوعدة بالتصعيد ومبشّرة بجولات أخرى قادمة من الاحتجاجات، وربما سيكون اعتقال إيريك دْرُووي حافزاً إضافياً للتظاهر، في مناطق متعددة من العاصمة (الشانزليزيه وتروكاديرو وساحة الجمهورية وفي أماكن أخرى لا تزال سرية)، وفي المحافظات. 

ونشرت مجموعة "فرنسا الغاضبة"، في "فيسبوك"، رسالة إلى الرئيس ماكرون، ستقرأ يوم السبت 5 يناير/ كانون الثاني، أمام بلدية باريس، في إطار الجولة الثامنة للحراك، والتي تتضمن في باريس تجمعاً، ستشارك فيه القيادية في السترات الصفراء بريسيلا لودوسكي، ثم مسيرة تنطلق من أمام البلدية متجّهة إلى البرلمان (الجمعية الوطنية). 

وتحذر الرسالة، التي رأى فيها مُطلِقوها جواباً على خطاب ماكرون للفرنسيين، التي قرأها نحو 400 ألف متابع، من أن "الغضب سيتحول إلى كراهية إذا واصل الرئيس ماكرون وجماعته احتقار الشعب".

وفي وجه من يتساءل عن أسباب استمرار الاحتجاج رغم الإجراءات الحكومية، التي ستكلف الميزانية أكثر من 10 مليارات يورو، يرد تيار "فرنسا الغاضبة" من السترات الصفراء، بأن ثمة مطالب أخرى لم تستجب لها الحكومة، وتتمثل في "خفض جوهري لكل الضرائب على المواد ذات الأولوية"، إضافة إلى "خفض جوهري لكل أشكال الريع والمرتبات والامتيازات والمعاشات الجارية والقادمة للمنتَخَبين وكبار موظفي الدولة"، ثم اختيار الرئيس لشخص غير متابع من قبل القضاء من أجل إطلاق ورش "استعادة الشعب الفرنسي للسيادة".

ويتوقع، بحسب كل التطورات، أن تشهد فرنسا نهاية هذا الأسبوع تظاهرات واعتصامات في باريس والعديد من المدن الفرنسية، فيما وجهت دعوة لتنظيم تظاهرة باريسية يوم الأحد أطلقتها "النساء ذوات السترات الصفراء".

ولا يتوقف الصخب في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تنتشر دعوات لجولة تاسعة للتظاهر في باريس والأقاليم في 12 يناير/ كانون الثاني، من دون إغفال دعوات التظاهر "من أجل فرنسا حرة ومتساوية" (وهو تغيير لما كان يدعى سابقاً "مسيرة جمهورية ضد ماكرون") يوم الأحد 27 يناير/ كانون الثاني 2019، في ساحة الباستيل بباريس.  ​

المساهمون