التحالف الدولي في سورية: 4 سنوات دموية

25 سبتمبر 2018
يتم اكتشاف مقابر جماعية في الرقة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
رأت جهات وشبكات حقوقية سورية أن حصاد أربع سنوات من تدخل التحالف الدولي في سورية صادم، خصوصاً لجهة عدد القتلى من المدنيين السوريين، الذين حصدتهم طائرات التحالف، الذي ارتكب مجازر ودمّر مدينة كاملة تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش"، في ظل صمت شبه مطلق من المنظمات الدولية المعنية عن حقوق الإنسان في العالم.

في هذا السياق، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 2832 مدنياً، بينهم 861 طفلاً، على يد قوات التحالف الدولي منذ تدخلها العسكري في سورية، في 23 سبتمبر/ أيلول عام 2014 وحتى التاريخ نفسه من العام الحالي. وأوضحت في تقرير صادر عنها يوم الأحد الماضي، أن "العامين الثالث والرابع شهدا العدد الأكبر من الضحايا، وسقط العدد الأكبر منهم في محافظة الرقة، تلتها محافظتا حلب ودير الزور".

وأضاف التقرير أن "العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي في مناطق شرق الفرات، تسبَّبت بانتهاكات للقانون الدولي الإنساني. وانعكس ذلك على المواطن السوري في تلك المناطق"، مُشيراً إلى "أبعاد سيطرة قوات تحمل صبغة عرقية وارتباطات خارج حدود الدولة السورية على استقرار وأمان المجتمع السوري، في المناطق التي سيطرت عليها بعد انهزام تنظيم داعش الإرهابي".

وذكرت الشبكة، في تقرير حمل عنوان "الذكرى السنوية الرابعة لتدخل قوات التحالف الدولي في سورية"، أن "العام الماضي شهد تغيرات واسعة في توزع مناطق السيطرة في الجزءين الشرقي والشمال الشرقي من سورية، وانحسرت بشكل كبير سيطرة عناصر تنظيم داعش، بسبب الضربات الجوية الكثيفة لقوات التحالف، وعمليات قصف مدفعي وصاروخي من قوات سورية الديمقراطية، المشكَّلة بشكل أساسي من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والمدعومة من قوات التحالف نفسها". كما بيّن أن "قوات التحالف قتلت 976 مدنياً، بينهم 194 طفلاً في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بينما قتلت 1856 مدنياً، بينهم 667 طفلاً، في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب".

من جانبه، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه "وثق مقتل 3177 مدنياً سورياً، على يد طائرات التحالف الدولي بينهم 758 طفلاً، في محافظات الحسكة والرقة وحلب وإدلب ودير الزور. وكان من اللافت عدم اكتراث المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بالجرائم التي ارتكبها التحالف الدولي ضد المدنيين السوريين على مدى أربع سنوات".



وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب على التحالف الدولي التحقيق في الجرائم التي ارتكبها طيرانه في سورية"، مؤكداً أن "الشبكة مستعدة للمساهمة وتقديم المساعدة على هذا الصعيد". ودعا إلى "محاسبة الأشخاص الذين يدينهم التحقيق وكانوا وراء هذه الجرائم". كما دعا عبد الغني التحالف إلى "ترميم المنشآت والبنى التحتية التي دمرها وتقديم تعويض لذوي الضحايا، خصوصاً أنه يسيطر على نحو ثلث سورية وهناك استقرار في مناطق سيطرته".

وأشار إلى أن "التحالف الدولي ارتكب انتهاكات تُصنّف على أنها جرائم حرب"، مضيفاً أنه "عندما تُنشئ محكمة دولية تعالج الوضع في سورية، فإن التحالف الدولي سيُشمل في هذه المحكمة. حالياً لا توجد محكمة تتعامل مع الوضع السوري، ولكن لا بد أن تكون هناك محكمة في المستقبل القريب".

وكان "التحالف الدولي ضد الإرهاب" قد تأسس في عام 2014، وضمّ أكثر من عشرين دولة، بمهمة "محاربة تنظيم داعش، ووقف تقدمه في العراق وسورية بعدما سيطر على مساحات شاسعة في البلدين"، وبات خطراً على الإقليم برمته. وبدأت غارات طيران التحالف على مواقع تابعة للتنظيم في العراق في السابع من سبتمبر/أيلول 2014، وفي 23 سبتمبر شنّ كل من الولايات المتحدة والبحرين والأردن وقطر والسعودية والإمارات أولى غاراتها ضد تنظيم "داعش" في سورية.

كان واضحاً أن الولايات المتحدة اتخذت قرار إيقاف تنظيم "داعش" عند حدود معينة في سورية، بغض النظر عن الخسائر في صفوف المدنيين، إذ ارتكب طيران التحالف مجازر كبرى في الطريق أمام المجزرة الكبرى التي جرت في مدينة الرقة في عام 2017، حيث أباد المدينة بشكل شبه كامل وقتل عدداً غير معروف من المدنيين مقدّراً بالآلاف، معيداً إلى الأذهان مشاهد الحرب العالمية الثانية. وعندما صدّ التحالف الدولي تنظيم "داعش" عن مدينة عين العرب شمال شرقي حلب، وجد أن الوحدات الكردية هي الفصيل الأمثل ليكون ذراعه العسكرية على الأرض السورية، فقدم لها دعماً كبيراً في حربه ضد التنظيم شمال شرقي سورية، حتى استطاع إيقاف التنظيم عن التقدم في محافظة الحسكة السورية.



وفي منتصف عام 2015 انتزع الفصيل الكردي مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، تحت غطاء جوي كثيف من طيران التحالف الدولي. وهو ما أدى إلى حركة نزوح جماعية، إذ اتهمت منظمات دولية الوحدات الكردية بممارسة عمليات تطهير عرقي بحق سكان المنطقة من عرب وتركمان لجأ أغلبهم إلى تركيا.

وبعد أن باتت الوحدات الكردية في عين عاصفة إدانة كبيرة في داخل سورية وخارجها، خصوصاً بعد أن قامت بعمليات انتقام كبيرة، أعطى التحالف لهذا الفصيل وجها آخر، حين تمّ تأسيس "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أواخر عام 2015، التي ضمّت الوحدات الكردية وفصائل غير متجانسة شُكّلت على عجل، من العرب والتركمان، ومن السريان في الحسكة، ومنح التحالف لهذه القوات دعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً، مكنها من بدء حملة كبرى للقضاء على تنظيم "داعش" في شرق سورية.

وخاضت هذه القوات خلال عام 2016 العديد من المواجهات مع التنظيم في ريفي الحسكة والرقة، وفي ريف حلب حيث سيطرت على مدينة منبج الاستراتيجية غرب نهر الفرات منتصف العام نفسه، وصولاً إلى بداية عام 2017 حين بدأت الحملة على الرقة معقل التنظيم البارز في سورية. وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أعلنت هذه القوات السيطرة على الرقة بعد أشهر من المعارك والقصف الجوي الذي دمّر أكثر من 90 في المائة، من المدينة وقتل آلاف المدنيين. ولا يزال أهالي المدينة يعثرون على مقابر جماعية بين وقت وآخر في المدينة. وانتُشلت آلاف الجثث من تحت أنقاض المدينة التي تحاول استعادة الحياة رغم الكارثة التي تسبب بها التحالف الدولي، الذي دمّر كل شيء في المدينة تقريباً، بما فيها الجسور والمراكز الحيوية والمستشفيات تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

كما ساعد التحالف الدولي "قوات سورية الديمقراطية" في طرد التنظيم من ريف الحسكة الجنوبي ومن ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات، وباتت هذه القوات مسيطرة بشكل شبه كامل على منطقة شرق الفرات التي تشكل أكثر من ربع مساحة سورية وتُعدّ الأغنى بالبترول، فضلاً عن كونها سلّة غذاء سورية.

وحوّل التحالف الدولي شرق الفرات إلى منطقة نفوذ له، فأكدت مصادر إعلامية أنه "أقام 18 قاعدة مختلفة على الأقل، توزعت في منطقة عين العرب، وخراب عشك، ومنبج في محافظة حلب، وعين عيسى، والرقة، والطبقة بمحافظة الرقة، والشدادي والهول وتل تمر وتل بيدر ورميلان في محافظة الحسكة، وحقل العمر النفطي، والبحرة في ريف دير الزور"، مشيرة إلى أن "في القواعد الكبرى مطارات لهبوط وإقلاع الطائرات". كما أقام التحالف الدولي قاعدة في منطقة التنف على الحدود السورية - العراقية، في ظل مؤشرات على نيّة الولايات المتحدة البقاء طويلاً في مناطق معينة من شرق سورية التي تحولت إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية، بعد أن قتل وهجر ملايين السوريين على يد التحالف الدولي والنظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وتنظيمات متهمة بالإرهاب كانت ذريعة لكل القوى المتصارعة من أجل دفع سورية إلى محرقة لم تنتهِ بعد".



المساهمون