هاجس التحقيقات الروسية وشبح أزمتها الزاحفة

02 اغسطس 2018
الصدمات صناعة ترامب المفضلة(ماندل نغان/فرانس برس)
+ الخط -


"إذا عملت على إقالة المحقق الخاص روبرت مولر، فإننا (في الكونغرس) سنعمل على إزاحتك من الرئاسة". بهذا التحذير، ردّ النائب الديمقراطي أريك سوالويل على تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعا أمس وزير العدل جيف سيشينز "كي ينهي التحقيقات الروسية فوراً".  طلبٌ غير مسبوق بمثل هذه الصيغة والوضوح. بدا وكأنه  "أمر"، أو على الأقل "توجيه" مطلوبٌ من الوزير ترجمته. وبذلك، اعتُبر محاولة من قبل البيت الأبيض "لعرقلة سير العدالة". شبهة سارع فريق ترامب إلى نفيها من خلال وضع كلام الأخير في خانة  "الرأي" لا أكثر، الذي يمنحه الدستور حقّ التعبير عنه.

لكن هذا التعليل لم ينجح تسويقه. دعوة ترامب للتخلص من التحقيقات عبر وزير العدل تتجاوز هذا الأخير، رغم انقطاع حبل الود بينه وبين الرئيس الذي لا يتردد في الخلاص منه لولا اعتراضات الجمهوريين في الكونغرس. فالرئيس الأميركي يعرف أن هذا الملف خرج من يد سيشنز. منذ البداية أعفى الوزير نفسه منه عملاً بقاعدة سارية في وزارته تمنع أي مسؤول فيها من الإشراف على قضية قيد التحقيق، كان له اتصال مع أحد طرفيها. وكان الوزير قد سبق والتقى بالسفير الروسي في واشنطن مرتين، أثناء حملة ترامب الانتخابية التي شارك فيها. وبهذا لم يعد من صلاحياته، لا وقف التحقيقات الروسية، ولا حتى الاطلاع على مجرياتها. وحده نائبه رود روزنستاين يملك مثل هذه الصلاحية.

وبذلك، فإن مطالبة الوزير بما لا يقوى عليه تخفي غاية أخرى قد تفجر الأزمة المتوقعة، إلا إذا كان الغرض صرف الأنظار عن محاكمة المدير الأول لحملته الانتخابية بول مانافورت، التي بدأت قبل يومين في منطقة مجاورة لواشنطن.

المستهدف المرجح نائب سيشينز. منذ فترة طويلة وضعه البيت الأبيض في مرمى الإقالة. الكلفة السياسية منعت ترامب من خلعه، والكونغرس حذر البيت الأبيض من الإقدام على خطوة من هذا النوع. لكن الظروف اختلفت الآن. التحقيقات اقتربت وفق التقديرات، من خواتيمها. علامات القلق لم يعد الحديث عنها سرّاً في واشنطن. بداية المحاكمات المتصلة، أو المحتمل أن يكون لها صلة بالتحقيقات، قد بدأت. سبقها توجيه اتهامات لشخصيات روسية ولمقربين سابقين من الرئيس، فضلاً عن قبول عدد منهم بالتعاون مع المحقق وتزويده بما لديهم من معلومات عن التدخل الروسي مقابل تخفيف العقوبة عنهم. وحالياً تجري مفاوضات آخر لحظة حول إطار محدد للتحقيق مع ترامب بخصوص ما إذا كان قد عمل على "عرقلة سير العدالة".

في ضوء هذ المعطيات، ليس من المستبعد أن تكون حسابات البيت الأبيض قد تغيرت. فما كان موضوع تحفظ لاعتبارات سياسية، قد تكون معطيات اللحظة قد أسقطت عنه التحفظ. يؤشر إلى ذلك تزايد الهمس حول احتمال تكرار ما يسمى بـ"مجزرة السبت الأسود"، عندما أقدم الرئيس ريتشارد نيكسون على إقالة وزير العدل ونائبه، بعد رفضهما الانصياع لمطلبه بإقالة المحقق الخاص بفضيحة "ووترغيت". قد يكون استحضار هذا السيناريو مبالغا فيه. أو سابقا لأوانه. لكن تكليف وزير العدل الآن بما لا علاقة له به ولا قدرة له على تنفيذه، عزز الظن بأنه ربما يكون ذلك مقدمة لقلب الطاولة على اللاعبين واختلاق مأزق يطغى على قضيته المركزية، علماً بأن مثل هذا التطور إذا حصل، قد يغطي على التحقيقات لكنه لن يقفل ملفها. 

الصدمات صناعة ترامب المفضلة. تارة تكون دخانية، وأحياناً تكون حقيقية وصاخبة. هذه المرة قد تكون كفة الثانية راجحة، لأنه صار "محبطاً" من التحقيقات الروسية، بحسب تعبير المتحدثة الرسمية في البيت الأبيض، سارة ساندرز. 

 

المساهمون