وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، الجمعة، إدانته للغارات الجوية في صعدة، ودعا إلى "تحقيق فوري ومستقل"، مؤكداً في البيان الصادر عن المتحدث باسمه فرحان حق، أن أغلبية الضحايا تتراوح أعمارهم بين الـ10 والـ13 عاماً. كذلك طلبت خمس دول، وهي السويد وبوليفيا وهولندا وبيرو وبولندا، اجتماعاً مغلقاً لمجلس الأمن لمناقشة المجزرة التي وقعت في محافظة صعدة.
وعلى غير العادة، سارعت وزارة الخارجية الأميركية وعلى لسان المتحدث باسمها، هيذر نويتر، مساء أمس الأول، للدعوة إلى "تحقيق شامل" في الهجوم الذي أكدت أنه أسفر عن مقتل مدنيين.
بدوره، وصف الاتحاد الأوروبي، ما شهدته محافظة صعدة اليمنية، أول من أمس بـ"المروع". وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية والأمنية، ماجا كوكيجانس، في بيان الجمعة، إن هذه الحوادث المأساوية، تٌذكر العالم مرة أخرى، بأنه لا يوجد حل عسكري للنزاع الذي يدفع فيه اليمنيون أعلى الخسائر. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى حل سياسي والالتزام بصورة عاجلة من قبل جميع الأطراف، بالتركيز على استئناف المفاوضات، التي يرعاها المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث.
وإزاء عاصفة الإدانات، نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" عن مسؤول في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات قوله إن "قيادة التحالف اطلعت على ما تداولته وسائل الإعلام وبعض من المواقع التابعة للمنظمات الإغاثية العاملة في اليمن بشأن إحدى عمليات قوات التحالف المشتركة في محافظة صعدة ليوم الخميس، وما ذكر حول تعرض حافلة ركاب لأضرار جانبية جراء تلك العملية، وأكد أن قيادة التحالف وجهت بإحالة ذلك بشكل فوري للفريق المشترك لتقييم الحوادث للتحقق من ظروف وإجراءات تلك العملية والإعلان عن النتائج في أسرع وقت".
وكان التحالف تمسك بالدفاع عن الجريمة، إذ حاول بيان المتحدث الرسمي باسمه، العقيد تركي المالكي، الالتفاف على الجريمة التي وقعت في سوق شعبي مزدحم بالمدنيين بالتركيز على اتهام الحوثيين باستخدام الأطفال للتجنيد. كما لجأ إلى التسريب لوسائل الإعلام السعودية بمقتل ثلاثة من القيادات الحوثية بمنطقة القصف في صعدة.
أما الحكومة اليمنية الشرعية فقد التزمت الصمت، كما هو حالها مع أغلب الجرائم المرتكبة بطائرات التحالف، فيما أعلن رئيس ما يسمى باللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي، في تغريدة الجمعة أن الحوثيين يرحبون بالدعوة وهم على استعداد للتعاون في تحقيق في الغارة الجوية في محافظة صعدة.
في موازاة ذلك سادت حالة من الصدمة في الأوساط اليمنية المتعددة، جراء المعلومات والصورة القادمة من مكان صعدة، فضلاً عن الدفاع غير المبرر من قبل التحالف عن القصف.
وبينما كانت المستشفيات تعج بالمصابين الذين كانوا يتلقون العلاج لليوم الثاني على التوالي ولا يزال الأهالي يبحثون عن ثلاثة من أطفالهم اعتبروا في عداد المفقودين، أفادت أحدث الإحصائيات الطبية، أمس الجمعة، بارتفاع عدد الضحايا جراء المجزرة، إلى 51 قتيلاً على الأقل بينهم 40 طفلاً ونحو 79 جريحاً بينهم 56 طفلاً، وذلك جراء الغارات التي ضربت حافلة تقل أطفالاً وسط سوق مدينة "ضحيان" الذي كان بدوره، مزدحماً بالمتسوقين، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا من الأطفال على متن الحافلة ومن المدنيين المتواجدين في منطقة القصف.
وبثت قناة المسيرة التابعة للحوثيين صوراً مرعبة لجثث الأطفال مغطاة بالدماء، وصوراً لآخرين مصابين بجروح بالغة مستلقين على نقالات المستشفى يبكون ويصرخون من الألم.
كما شاهد مصور لوكالة فرانس برس صباح أمس الجمعة أشلاء وبقايا بشرية وملابس متناثرة في موقع الهجوم، بينما تحولت الحافلة التي كانت تقل الأطفال إلى كومة من الخراب.
كذلك شاهد مصور يتعاون مع وكالة فرانس برس في مركز طبي أطفالاً جرحى يتلقون علاجاً في مركز طبي، وقد غطت الدماء وجوههم، وكان أحدهم مغطى ببطانية ويحمل ضمادة كبيرة في الرأس.
وفي المستشفى الجمهوري حيث تم نقل بعض المصابين للعلاج، قال الطبيب في قسم الطوارئ جميل الفراح، متوجها إلى بنك الدم، "الدم قليل جداً... والضربات شديدة جداً في الدماغ والحوض".
من جهته، أوضح مدير مكتب الصحة في محافظة صعدة، يحيى شايم، لوكالة فرانس برس، أن وقت الجنازات لم يتحدد بعد، لأن "هناك أشلاء كثيرة ومتناثرة. وما زلنا نتحقق من الهويات". بدوره تحدث وزير الصحة والسكان في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، طه المتوكل، عن وجود عدد من المفقودين لم يتم التعرف عليهم بسبب تناثر أشلاء الضحايا إلى أسطح المنازل والأماكن المجاورة حول مكان الجريمة، وبسبب اختلاط الأشلاء مع بعضها.
وتؤكد مصادر محلية وأخرى تابعة للحوثيين، أن الضحايا من طلاب المراكز الصيفية، والتي تقام لطلاب المدارس خلال العطلة الصيفية، بصورة اختيارية سنوية، علنية، تبدأ في يوليو/تموز وحتى أواخر أغسطس/آب، وهي وإن كانت تتم بإشراف الحوثيين كما هو حال أغلب الأنشطة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، إلا أنها بصورة إجمالية لا تكسب طابعاً سرياً أو عسكرياً يجعل منها هدفاً عسكرياً، وهو ما يضع القصف والاعتراف السعودي بالجريمة، موضع إدانة، الأمر الذي يبدو واضحاً من خلال عدم تقديمها تبريرات منطقية، للسبب الذي جعل هؤلاء هدفاً عسكرياً، بقدر ما سعت للقول، إن قيادات حوثية كانت متواجدة في المكان، وهو ما لا يبرر قصف سوق وحافلة تقل أطفالاً في كل الأحوال.
وسبق أن شهدت البلاد مجازر عدة ارتكبها التحالف، كما هو استهداف مجلس عزاء في صنعاء في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2016، والذي ذهب ضحيته ما يزيد عن 500 بين قتيل وجريح. وإن كان التحالف قد تنصل في عام 2016 من الجريمة قبل أن يضطر للاعتراف بها ويعزوها إلى معلومات مغلوطة فإنه أقرّ مباشرة بمسؤوليته عن القصف في صعدة ودافع عن المجزرة باعتبار الضحايا هدفاً عسكرياً، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إلى الرد بالتساؤل: كيف يمكن لهؤلاء (الأطفال) أن يكونوا هدفاً عسكرياً؟
وطالبت المديرة التنفيذية للمنظمة هنريتا فور بأن يكون الهجوم غير المبرر على الأطفال نقطة تحول في حرب اليمن الوحشية مؤكدة أن الكيل قد طفح، متسائلة عمّا إذا كان هذا الهجوم سيمثل "نقطة تحول للحظة التي يجب أن تدفع في النهاية الأطراف المتحاربة ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي إلى القيام بما هو مناسب للأطفال ووضع حد لهذا الصراع".
وفيما تسلط المجازر المتكررة الضوء على الثمن الذي يدفعه اليمنيون في الحرب، تبرز التساؤلات عن تأثير مجزرة الخميس على المفاوضات المرتقبة، إذ جاءت في ظل تصاعد الدعوات الدولية الرامية إلى استئناف المفاوضات برعاية المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، للوصول إلى حل سلمي في البلاد في السادس من سبتمبر/أيلول المقبل. ومن المتوقع أن يكثف من تحركاته في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، لإقناع الاطراف للحضور إلى جنيف في الموعد المحدد للمفاوضات. وفيما كان واضحاً أن من شأن المجزرة الرفع من وتيرة الضغوط الدولية والدعوات المنادية إلى وقف الحرب، باعتبارها دليلاً جديداً على ما يلقيه استمرار الحرب، على حياة اليمنيين، وهو ما برز بشكل خاص في بيان الاتحاد الأوروبي ويونيسف، فإن المبعوث الأممي بدوره يدرك مدى الحاجة لتحريك جهود الحل السياسي. وفيما أعرب عن "صدمته القوية تجاه المأساة المروعة التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء"، دعا الأطراف المتحاربة إلى "المشاركة البناءة" في الجولة الأولى من المشاورات المقرر عقدها في 6 سبتمبر/ أيلول في جنيف.