قضية بنعلا: تواصل الاستجوابات و"لوموند" تنشر روايته الشخصية للأحداث

26 يوليو 2018
دافع ماكرون عن بنعلا وعاتب الصحافة الفرنسية(بوب إيدمي/فرانس برس)
+ الخط -

يتواصل التراشق الكلامي في قضية ألكسندر بنعلا، بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بدأ يتحدث من حينٍ لآخر، وبين معارضيه.

ولم يأت استجواب لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ الأمينَ العام للإليزيه وأحد أبرز المقربين من ماكرون، ألكسي كوهلر، بإضافةٍ لما يعرفه أعضاءُ لجان التحقيق البرلمانية، في وقت دخل بنعلا، المسؤول الرئيسي في هذه القضية، على الخط، عبر حوارٍ طويل مع صحيفة "لوموند"، الواقفة وراء هذه "الزوبعة" التي اعتبرها الرئيس الفرنسي "زوبعة في فنجان"، حين قال: "قلتُ ما كان عليّ أن أقوله، أي أن الأمر يتعلق بزوبعة في فنجان. وبالنسبة لكثيرين، فهي زوبعة تحت جمجمة".

ولم يبخل بنعلا بالتفاصيل في لقاء "لوموند" الذي رأت فيه المعارضةُ يدَ ماكرون، لكنه حافظ على الاستراتيجية الدفاعية ذاتها التي تبناها محامياه منذ البداية، وهي أن ما حدث كان مؤامرةً، الغرض منها بكل تأكيد "الوصول إليَّ وقتلي، وهي فرصة للوصول إلى الرئيس".

واعترف بنعلا، الذي حرص على ألا يُظهِر أيّ تناقضٍ يُذكَر مع مواقف وتقديرات ماكرون لما حدث، بأنه ارتكب "خطأ"، معتبراً أن استخدامه في الأمر (من قبل سياسيين وأمنيين، بخاصة النقابيين، الذين لا يمثّلون الجسم البوليسي) "خدم مصالح عدة من أجل الوصول إلى رئيس الجمهورية". 

وبالرغم من أن ماكرون اعتبر ما حدث في الأول من مايو/أيار الماضي "خيانة"، وتحدث عن "إحساسه بالخيبة"، إلا أن بنعلا لم يَرَ نفسَه في وضعية الخائن: "ليس لديّ الانطباع بأني خُنتُ رئيس الجمهورية. لديّ الانطباع، فقط، بأني ارتكبتُ حماقة كبيرة. بأني ارتكبتُ خطأً"، لكنه أصر على أن هذا الخطأ يجب النظر إليه من زاوية سياسية: "خطأ سياسي، و(خطأ) صورة". 

وشدّد بنعلا على أنه فعل ما يراه واجباً، عبر تقديم المساعدة لرجال الشرطة في مواجهة "حرب مدن، وأناس مقنَّعين"، وتحدث عن ضحيتيه باعتبارهما "مجرمَيْن قاما بتوجيه الإهانات للشرطة، وألقيا بعض المقذوفات"، وهو ما رأى فيه "عنفاً إرادياً، وجنحة يُعاقَب عليها بالسجن". وأضاف: "هذا الأمر كان واضحاً في ذهني"، معتبراً أن الخطأ الذي ارتكبه، لا يتعلق بمهاجمة هذين الشخصين، بل فقط "في الذهاب إلى هذه التظاهرة، متخلياً عن وظائفي في الإليزيه". وأعاد التأكيد أنه "لو لم أكن مساعداً في الإليزيه لفعلت الشيء ذاته، ولكن، باعتباري مساعداً في الرئاسة، فلا".
      


وأكد أنه "ما كان ينبغي أن يكون حاضراً في التظاهرة، باعتباره مراقباً"، وأنه كان عليه أن يكون في وضع "المراقب"، أي بعيداً من الصدامات. واعترف بأنه كان حاضراً بدعوة من لوران سيمونان، رئيس الأركان في ولاية الأمن، لكنه أوضح أنه لم يتقدم بطلب الحضور باعتباره مراقباً. 

ولم يتملص بنعلا، الذي بات الجميع مُقرّاً بمسؤوليته، من هذه المسؤولية: "أتحمل مسؤولية ما حدث. لا أقول بنظرية المؤامرة. إنها الحقيقة". لكنه سرعان ما تحدث عن مؤامرة من طرف "من قام بإخراج هذه المعلومة، وهم يحتلون مواقع مهمة"، مشيراً إلى "سياسيين وأمنيين"، قد يكونون مقربين من وزير الداخلية فيليب كولومب، الذي برأه من أي تهمة.

وتحدث بنعلا عن "غيرة وحسد" الكثيرين من وصول شخص مثله، لم يتخرج في "المدرسة الوطنية للإدارة" إلى هذا المنصب، الذي يثير لعاب الكثيرين: "تعييني في هذا المنصب أغاظ كثراً من الناس". ثم كذّب تصريح الموظف الأمني ألان جيبلان، الذي اعترف، تحت القَسَم، أمام لجنة التحقيق البرلمانية، بأنه لم يَعلم إلا في الثاني من مايو/أيار بحضور بنعلا في التظاهرة. 

كوهلر يهبّ لنجدة بنعلا

وبالرغم من محاولة البعض منح بنعلا صلاحيات واسعة في الأمن الرئاسي، إلا أن الأمين العام للإليزيه، ألكسي كوهلر، صرّح أمام لجنة التحقيق التابعة لمجلس الشيوخ، بأنه "لا وجود لشرطة موازية في الإليزيه"، وأن "بنعلا لم يكن مكلفاً بالأمن، ولكن فقط بالتنسيق بين أجهزة الأمن المختلفة".

ولم يبخل كوهلر بالإطراء على بنعلا: "كان يحظى بتقدير كبير من قبل زملائه". كما نفى وجود أي "احتكاكات" بين بنعلا وبين "مجموعة أمن رئيس الجمهورية"، المكلفة بتوفير الأمن لماكرون.

وكان الرئيس الفرنسي سبّاقاً إلى تحديد موقفه، ورفض أيّ استغلال سياسي تريده المعارضة والصحافة، لـ"خطأ بشري محزن".

وقال ماكرون، في أول تصريح له أمام الصحافة، أمس الأربعاء، بعدما كان بعض المقربين منه ينقلون مواقفه، وبعدما خصّ، قبل يومين، نواب أغلبيته بتصريحات تحميسيّة: "يوجد كثير من الناس الذين فقدوا المنطق. يقولون كثيراً من الأشياء المغلوطة وينسون تصحيحها. لقد قلت ما أردت قوله. ولكن يتوجب على العدالة أن تؤدي عملها والبرلمان عمله، والحكومة عملها، والرئيس عمله أيضاً". 

وأضاف: "لم يكن مفروضاً عليّ حين اطلعتُ على الأمر أن أطلع القضاء، الأمر ليس بهذا الشكل، يوجد القضاء وتوجد تحقيقات إدارية"، وهو ما يعني أنّ "ما كان يجب أن يُفعل قد تم فعله، وأنا أقول إني وافقت على القرارات التي اتخذها موظفو الإليزيه. وأنا لن أبحث عن أكباش فداء".

ومخاطباً وسائل الإعلام الفرنسية بقسوة شديدة، قال ماكرون: "لأن لديكم رغبة في رؤية دم ودموع، هذا الصيف". 

وشدد ماكرون على أنه رجل بسيطٌ ومسؤول: "أنا أتخذُ قراراتٍ وأؤمن بهذه الجمهورية المثالية". ورأى أن دافعي الضرائب، الذين يعملون في ظروف صعبة طوال السنة، سمعوا كثيرا من الأشياء المغلوطة: "لا يوجد عندي إجحاف، ومن يعملون عندي لهم رواتب لأنهم يعملون، ومتعلقون بوظائفهم، وحين يخطئون تتم معاقبتهم. لا شيء مخبأ، وحين تريد العدالة أن تمر فهي تمرّ". 

وخاطب الصحافة مرة أخرى: "لقد قلتم، خلال الأيام الأخيرة، كثيراً من السخافات والتفاهات، حول مرتبات وامتيازات، وهي كلها أشياء مغلوطة، ومن المهم أن نقول هذا للفرنسيين، الذين سيعتبرون الأمر غير مقبول، ومعهم حق. وإن ما قيل خلال الأيام الماضية هو هُراءٌ. وإن بنعلا ارتكب خطأ وعوقب، وعقوبته مُناسِبة، واعتبرتها أنا مُناسِبة، وإلا لكنتُ طلبتُ منهم تغييرها. والعدالة ستقول إن كان يتوجب اتخاذ عقوبة أخرى. ولكن توقّفوا عن التهيّج بهذه الطريقة حول هذه القضية".


وأثنى ماكرون كثيراً على بنعلا، رغم ارتكابه "خيانة": "كنت فخوراً بتوظيفه في الإليزيه، لأنه متفانٍ ولأنّ مسارَه المهني مختلف. وأنجز كثيراً من الأشياء الرائعة حين كان في الإليزيه. ارتكب خطأ حقيقياً وخطيراً، عشتُهُ كخيانةٍ، وقلتها له، وتمت معاقبته على هذا الخطأ، ثم عاود العمل، في انسجام مع العقوبة، وحين ارتكب خطأ ثانياً، تمت معاقبته بقسوة، بتسريحه". 

وشدد على أن الجمهورية المثالية التي يصبو إليها "ليست معصومة من الخطأ"، والكل يقترف أخطاء، و"أنا ارتكبت أخطاء، ويجب أن تكون الأجوبة متناسبة. وهنا يرى البعض أنه يتوجب تصفية الجميع بمجرد ارتكاب خطأ، وأن الأمر (العقوبة) ليس كافيا". 

وعاد ثالثة إلى لوم الصحافة: "إن كثُراً من زملائكم ارتكبوا أخطاء، فهل يجب تصفيتهم. بالطبع لا. الصحافة تخطئ، ويجب عليها أن تصحّح. لا يجب على الناس أن يفقدوا عقولهم، وقد رأيت في الأيام الأخيرة كثُراً من الناس يفقدون عقولهم، من خلال ردود أفعال غير متناسبة، وبعنف من يريد محاكمة سياسية على أساس فعلٍ مُحزِنٍ، فِعلِ رجلٍ. وأنا أريد من المواطنين أن يَعلموا شيئاً، وهو أن الرجال الذين يعملون حولي هم رِجالٌ نزهاء، وكل شيء شفاف وتحت مراقبة ديوان المحاسبة".                         

المساهمون