الورقة البيضاء"... محاولة بريطانية جديدة لـ"بريكست" آمن

13 يوليو 2018
لم تحظ خطة راب بالترحيب في البرلمان (جاك تايلور/Getty)
+ الخط -

أصدرت الحكومة البريطانية، أمس الخميس، ورقتها البيضاء التي تحدد الخطوط العريضة لرؤيتها إلى مسار مفاوضات بريكست، وهي التي تم الاتفاق عليها، الجمعة الماضي في قصر تشيكرز، وأدت إلى استقالة وزير بريكست، ديفيد ديفيس، ووزير الخارجية، بوريس جونسون، اعتراضاً عليها. وتضم هذه الورقة الخطة الأكثر تفصيلاً من الجانب البريطاني حول تصوره عن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد بريكست.

إلا أن الورقة البيضاء، المعنونة "العلاقة المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي"، لا تكشف الكثير من التفاصيل حول هذا المستقبل، وهي لا تتعدى كونها ورقة خطوط تفاوضية عريضة، يبدو أنها قابلة للتغير مع تقدم المفاوضات. ولم تأت الخطة بالتغيير الكبير في التفكير التفاوضي البريطاني. بل إن الوثيقة تنص على أن بريطانيا ستسعى إلى "بريكست عملي" لكنه أيضاً "مبني على المبادئ" التي طرحتها رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، في خطاباتها السابقة في كل من لانكاستر، وفلورنسا، وقصر مانشن، وميونخ.

وتسعى الورقة البيضاء إلى دفع عجلة التفاوض قدماً إلى الأمام، لكن من دون التفريط بنتيجة استفتاء بريكست و"احترام قرار الشعب البريطاني باستعادة السيطرة على القوانين والحدود والأموال البريطانية". وتهدف الوثيقة أيضاً إلى التعامل مع "الأسئلة التي وضعها الاتحاد الأوروبي" حول عدد من القضايا الرئيسية، مثل التسوية الجمركية، وحرية الحركة، والحدود الأيرلندية. وتأمل الوثيقة أن تكون العلاقة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي أفضل من أية علاقة أخرى يمتلكها مع دول ثالثة. وتضم الورقة البيضاء خمسة محاور أساسية. وتسعى في المجال الاقتصادي إلى تطوير علاقة اقتصادية قوية وواسعة مع الاتحاد الأوروبي تفتح أبواباً واسعة جداً من التعاون بين الطرفين، إذ تحد من عرقلة التجارة بين الطرفين، لكنها تقوم أيضاً بحماية أسواق العمل لدى الطرفين، وتسمح لبريطانيا بالدخول في صفقات تجارية مع أطراف ثالثة بما يحفظ مصالحها الخاصة. وتمنح الورقة البضائع حرية الحركة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني حماية شبكة التموين الخاصة بالبضائع التي يتم تصنيع موادها الأولية في بريطانيا أو دول الاتحاد، إضافة إلى الحفاظ على سرعة تنقلها بين هذه الدول، بحيث لا تتضرر الشركات المصنعة من أي تأخير على الحدود، أو تتكلف تكاليف جمركية إضافية. ولذلك تنص الخطة على أن تمر المنتجات عبر سلسلة موافقات موحدة بين الطرفين، بحيث إن وافق أحدهما عليها يمكن لها أن تباع في أسواق الطرف الآخر.



أما من ناحية الخدمات المالية، فتسعى بريطانيا إلى أن تمتلك الحرية الكافية لشق مسارها الخاص في المجالات التي تعزز من قوة اقتصادها. ويشمل الاتفاق أيضاً كتيب قواعد مشتركة حول الصناعات الزراعية والغذائية، إضافة إلى عضوية بريطانيا في الهيئات الأوروبية الخاصة بالصناعات الكيميائية والطيران والأدوية، "بحيث تلتزم بقواعد هذه الهيئات وتساهم في تكاليفها". أما من حيث حرية الحركة، فتنص الوثيقة على وضع حد لها، لكنها تسعى أيضاً إلى جعلها انتقائية لجذب المهارات من الاتحاد الأوروبي، فتتيح الفرصة أمام الأعمال في الطرفين للتنقل بحرية. كما سيسمح لمواطني الاتحاد الأوروبي بزيارة بريطانيا بغرض السياحة والعمل المؤقت من دون تأشيرة دخول، وسيسمح لهم أيضاً بالدراسة في الجامعات البريطانية. لكن الوثيقة لا تدخل في التفاصيل، تاركة إياها للمفاوضات اللاحقة مع الاتحاد.

كما تنص على حماية الوحدة التنظيمية لأراضي المملكة المتحدة، وهو ما يعني عدم إخضاع أيرلندا الشمالية للنظام الأوروبي وفصلها عن بقية بريطانيا. لكن ذلك لن يتم على حساب اتفاق السلام في أيرلندا، إذ ستلتزم بريطانيا بعدم رفع الحدود الصلبة في الجزيرة مع ضمان الوحدة الدستورية البريطانية، ومنح شطرها الأيرلندي السلطات المحلية الواسعة والكافية للتعامل مع الوضع الجديد. كما تنص على تشكيل "منطقة جمركية مشتركة" تقوم بريطانيا فيها بتطبيق التعرفة الجمركية والسياسات التجارية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، في ما يتعلق بالبضائع المتجهة إلى الاتحاد، بينما تطبق التعرفة المحلية على البضائع المخصصة للسوق البريطانية. وتنص الاتفاقية الجمركية الميسرة، التي تسعى إليها بريطانيا في هذه الوثيقة، على "حماية التجارة السلسة لغالبية البضائع البريطانية، وتيسير الاستيراد والتصدير أمام التجار البريطانيين". كما أن الحكومة البريطانية مستعدة "للبحث في التقنيات المستقبلية المتطورة في تيسير سير البضائع". وتتعهد بريطانيا في الوثيقة باستمرار التعاون مع الاتحاد الأوروبي في الناحية الأمنية، من حيث مشاركة البيانات والمعلومات لحماية مواطني الطرفين، إضافة إلى استمرار عضوية بريطانيا في هيئات مثل "يوروبول". وتضم أيضاً تنسيق الطرفين في السياسات الدفاعية والخارجية. وتنص الوثيقة أيضاً على تطلع بريطانيا إلى دور أكثر عالمية بعد بريكست، حيث تجدد التزامها بنشر الانفتاح والحرية، وعدم الانكفاء بعد خروجها من الكتلة الأوروبية والاستسلام للانعزالية. إلا أن الجديد كلياً في الخطة الحكومية هو استعدادها لوقف دفع فاتورة الطلاق، التي تصل قيمتها إلى 40 مليار جنيه إسترليني، في حال قام الاتحاد الأوروبي عن عمد بعرقلة المفاوضات التجارية مستقبلاً.

ولم تحظ الخطة الحكومية التي طرحها وزير بريكست الجديد، دومينيك راب، بالترحيب الذي كانت تتوقعه في البرلمان البريطاني. ففي جلسة عاصفة، وبدأت بانتقاد الطريقة التي أصدرت فيها الحكومة ورقتها البيضاء، والتي لم تمنح الوقت الكافي لأعضاء البرلمان للاطلاع عليها، اضطر راب للدفاع عنها أمام مواقف تراوحت بين التشكيك والعدوانية، ومن جميع الأحزاب. وعبّر مؤيدو بريكست المشدد، الذين توعدوا ماي بعرقلة خططها لتخفيف بريكست، عن اعتراضهم على الورقة كلياً. واعتبر جاكوب ريس موغ، وهو النائب المحافظ الذي يتصدر المشهد المؤيد بريكست مشددا، والمعارض بشدة خطة تشيكرز، أن الخطة ستعيد تشكيل "أسوأ أوجه الاتحاد الأوروبي التي صوّت البريطانيون للخروج منها". واتهم رئيسة الوزراء بالتنازل عن كافة خطوطها الحمر التي رسمتها في خطاباتها السابقة، والتي تقضي باستقلال القرار البريطاني والسيطرة على الحدود. وأكد أنه لن يصوت لمصلحتها مطلقاً. ورأى ريس موغ أن "الورقة تجعل بريطانيا تابعة لقوانين الاتحاد الأوروبي ولا تتيح لها المساهمة في صنع هذه القرارات"، وأن كتيب القواعد المشتركة، ما هو إلا قواعد الاتحاد الأوروبي كما تراها محكمة العدل الأوروبية، وهو ما سيلزم بريطانيا بعقوبات مالية في حال عدم التزامها بهذه القرارات. وأضاف: "لقد وافقت بريطانيا على أنها لن تستطيع الابتعاد من التجانس الحاصل من دون تبعات على الحدود الأيرلندية الشمالية. ويعني ذلك عملياً أن البرلمان لن يمتلك أي رأي حول القوانين الأوروبية التي ستطبق في بريطانيا". كما انتقد الفقرة الخاصة بإنهاء حرية الحركة، قائلاً إن الوثيقة تفتح الباب أمام تطبيق المعاملة الخاصة التي سيتلقاها مواطنو الاتحاد الأوروبي مع جميع الأطراف الأخرى التي تبرم معها بريطانيا اتفاقيات مستقبلية. واعتبر أنها أسوأ تبعية تفرض على بريطانيا منذ قرون.

وبينما وصف حزب العمال الوثيقة الحكومية بأنها "فوضى شاملة"، قالت الحكومة الإسكتلندية إن الوثيقة لا تعرض الضمانات التي تريدها حول مستقبل اسكتلندا خارج الاتحاد. أما الاتحاد الأوروبي فقد اتخذ موقفاً أكثر حذراً عندما رحب كبير مفاوضيه ميشيل بارنييه بالورقة، مؤكداً أنه سيتم تقييمها وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي. وستعود المفاوضات بين الجانبين للانعقاد الجمعة المقبل. وقال رئيس وزراء فرنسا، إدوار فيليب، إن السيناريو الأسوأ، وهو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق ما زال ممكناً، رغم صدور خطة بريكست. وأشار إلى أن التحضيرات جارية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنه أضاف: "كلما فكرنا في أنه يتعين علينا تجنب الأسوأ، وجدنا أنه ليس مستحيلاً بل يمكن أن يحدث في نهاية المطاف". وأشار إلى أن ما يطلق عليه خروجاً صعباً من الاتحاد الأوروبي ستكون له "عواقب وخيمة على بريطانيا أولاً وبدرجة أكبر وأيضاً العديد من المناطق الفرنسية".

المساهمون