عن "كأس العالم 2018" وملف التدخل الروسي الذي سبَق تحقيق مولر

08 يونيو 2018
سادت شكوك بشأن قدرة روسيا على استضافة كأس العالم(Getty)
+ الخط -

قبل سنوات على تكديسه الوثائق لملفه الشهير حول دونالد ترامب وعلاقته المشبوهة بروسيا، كان لكريستوفر ستيل، العميل البريطاني السابق، اكتشافٌ آخر، من بوابة الرياضة. ففي ربيع 2010، وصلته معلومة مهمة، وهي أن فلاديمير بوتين، الذي لطالما اشتهر بمتابعته لعبة "هوكي" الجليد، قد أبدى بشكلٍ مفاجئ اهتماماً بكرة القدم.

وبدأت القصة، كما تروي صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الجمعة، لمناسبة انطلاق العد العكسي لمباريات "كأس العالم 2018" في كرة القدم، التي تستضيفها روسيا، حين استقبل ستيل أول زبائنه في شركة الاستخبارات الخاصة التي أنشأها حين تقاعد من جهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6"، الذين كانوا عبارة عن مجموعة من الأثرياء، والشركات الداعمة لطلب بريطانيا الحصول على شرف استضافة كأس العالم في كرة القدم للعام الحالي، وهي استضافة كانت تطمح إليها بعدما حظيت بهذه الفرصة آخر مرة في عام 1966. وقد حظي الطلب البريطاني بدعمٍ قوي من مشاهير عالميين، من ضمنهم الأمير ويليام وديفيد بيكهام، وكذلك ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك.

واستعانت هذه المجموعة الثرية بخبرات كريستوفر ستيل، نتيجة إلمامه القوي بالشأن الروسي، في وقت كان فيه هذا البلد يطمح بدوره لاستضافة كأس العالم 2018، مع خمس دول أخرى. وكان العميل البريطاني السابق قد عمل في بداية تسعينيات القرن الماضي في موسكو، وحافظ على علاقات جيدة مع شخصيات روسية في الوسط الحكومي وعالم الأعمال. وهو يدرك أن روسيا لا توفر أي وسيلة – تآمرية، فضائحية أو فاسدة – للوصول إلى تحقيق أي هدفٍ "وطني".

وبحسب رأي الصحيفة الأميركية، وكاتب المقال كين بيزنجر، فإن روسيا بالمقارنة مع بريطانيا، بدت غير مؤهلة على الإطلاق لاستضافة حدث رياضي عالمي ككأس العالم. إذ إنها أولاً، كما تقول "نيويورك تايمز"، لا تملك "تقليداً عريقاً" في اللعبة، ولم يتمكن فريقها من التأهل إلى كأس العالم 2010 الذي أقيم في جنوب أفريقيا، بعدما مني بخسارة محرجة أمام سلوفينيا. وأهم من ذلك، لا تملك روسيا بنية تحتية مناسبة لإقامة مثل هذا الحدث، وبما أنها كانت أيضاً تتحضر لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية 2014، فقد برزت تساؤلات حول قدرتها على تمويل المطلوب للحدث الكروي العالمي. وربما لم يمنح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) آنذاك طلب روسيا استضافة كأس العالم تصنيفاً جيداً لـ"أسباب عملياتية".

وبحسب الصحيفة، فإن المراقبين والمتابعين آنذاك لعملية اختيار الدولة المستضيفة لكأس العالم 2018، لم يكونوا يرون، بمعظمهم، في روسيا أي خطر على الآمال البريطانية المنعقدة لاستضافة هذا الحدث. لكن مصادر كريستوفر ستيل الخاصة كانت لها رواية مختلفة. فقد كان فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسي في ذلك الوقت، يرى في استضافة كأس العالم وسيلة حيوية لإظهار قوة بلاده، وقوته، حول العالم. وكان مصمماً، بحسب المصادر، على فوز ترشح بلاده.

هكذا، تمكّن ستيل، على مدى أشهر، من جمع معلومات استخبارية أكدت أن مسؤولين حكوميين وأثرياء وأصحاب نفوذ روساً مقربين من بوتين، طلب منهم العمل لتحقيق هذا الهدف، من خلال إبرام عقود نفظ مشبوهة وسرية مع دول في مقابل تصويتها إلى جانب روسيا، وتقديم هدايا فنية ثمينة إلى المقترعين في "فيفا"، وحتى إرسال رومان أبراموفيتش، الملياردير الذي يملك نادي تشلسي اللندني، إلى جنوب أفريقيا، للضغط على جوزيف بلاتر (سيب بلاتر)، رئيس "فيفا" آنذاك.

وقدم العميل البريطاني المتقاعد ما توصل إليه من معلومات إلى زبائنه الداعمين للترشح البريطاني، والمتفائلين بالفوز.


لكن قبل خمسة أشهر من تصويت الفيفا، وتحديداً في يوليو/ تموز 2010، أطلع ستيل "فريقاً ثالثاً" على معلوماته، ليقينه باهتمام هذا الفريق بما يحضّره الروس.

وأخبر ستيل عميلاً في مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، "إف بي آي"، بما لديه من معلومات. وبالطبع، بحسب "نيويورك تايمز"، لم يكن الأميركيون مهتمين بفوز بريطانيا، لكن العميل، الذي كان يترأس مجموعة "مكافحة الجريمة المنظمة في أوراسيا"، كان يبحث عن فرص لملاحقة وإحباط المؤامرات الصادرة من روسيا. وبعد كسر ظهر المافيا الروسية في نيويورك، كانت أعين الفريق في "إف بي آي" على الجرائم المالية العابرة للحدود، لذا كانت معلومات ستيل حول المحاولات الروسية لرشوة "فيفا" تصب في جميع الخانات التي ينبشون فيها.

هكذا إذا، تقول "نيويورك تايمز"، بدأ أحد أوسع التحقيقات الأميركية وأكثرها طموحاً على الإطلاق في تبييض الأموال، وهو تحقيق فضح عقوداً من الفساد المتجذر في عالم كرة القدم. لمدة خمس سنوات، عمل عملاء من "إف بي آي" والـ"أي آر إس" (دائرة الإيرادات الداخلية) تحت إشراف مدعين عامين ذوي كفاءة، على الغوص في أكثر زوايا كرة القدم العالمية غموضاً، لبناء ملف مقنع حول لعبة تحولت إلى مصدر منافع مادية ضخمة.

وخرج التحقيق إلى العلن في 27 مايو/ أيار 2015، مع التوقيفات التي طاولت مسؤولين في لعبة كرة القدم في مدينة زيوريخ السويسرية، ما هزّ اللعبة الأشهر في العالم في الصميم. وفي غضون أيام، أعلن بلاتر عزمه الاستقالة، وخضع في وقت سريع بدوره للتحقيق.

في هذه الأثناء، بنى هذا التحقيق جسراً متيناً من الثقة بين كريستوفر ستيل، والمسؤولين عن تطبيق القانون في الولايات المتحدة، وهي ثقة دفعت في عام 2016 ستيل إلى مدّ العميل ذاته الذي تعامل معه في تحقيق كرة القدم بملف دونالد ترامب والتدخل الروسي بالانتخابات الأميركية لذلك العام.

بكل المقاييس، شكلت قضية "فيفا" قصة نجاح لعمل الشرطة والقانون الأميركي، تقول "نيويورك تايمز". لكن روسيا، كانت بشكلٍ غريب، غائبة عن التحقيق.

فقد ظهر أن حملة بوتين للفوز باستضافة كأس العالم قد نجحت. وبعد هذه الحملة، عاد إلى رئاسة روسيا، معززاً بشعور وطني عارم وسط المواطنين الروس.

خلال السنوات الماضية، اتهمت روسيا بالتدخل بانتخابات دول أخرى، ودعم الحرب السيبرانية، وتسميم عملاء، واجتياح أوكرانيا، ودعم نظام ديكتاتوري في سورية. وهي حجزت لنفسها مكاناً تقريباً في قلب أو بالقرب من جميع المؤامرات الجيوسياسية التي حصلت خلال السنوات الماضية، ومعظمها أكثر خبثاً من التنافس على استضافة دورة كرة قدم تجرى كل أربع سنوات.

وأخيراً، تقول الصحيفة الأميركية، سيجلس مئات ملايين الأشخاص حول العالم قريباً حول شاشات التلفزة، لمتابعة هذا الحدث الرياضي العالمي. من بينهم، على الأرجح، محققو "إف بي آي" الذين لاحقوا ملف فساد "فيفا". اليوم، روسيا تشعر بالقلق من تحقيق أميركي يقوده هذه المرة روبرت مولر، الذي كان مديراً لـ"إف بي آي" حين فتح ملف "فيفا".

قليلون سيتساءلون إذا ما كان بالإمكان أن تحمل روسيا الكأس في نهاية شهر المباريات.. في الحقيقة، ما يحصل على أرض الملاعب غير مهم، تقول الصحيفة الأميركية. فبحسب رأيها، "روسيا قد ربحت أصلاً".