حرب أدمغة استخبارية بين "حماس" وإسرائيل

08 مايو 2018
سبق للمقاومة أن فككت منظومات استخبارية إسرائيلية (عبدالرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -
كشف الانفجار، الذي أفضى السبت إلى استشهاد ستة من عناصر "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، وسط قطاع غزة، عن بعض من وجوه معركة الأدمغة الاستخبارية بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية. فعلى الرغم من الخسارة الكبيرة التي تكبّدتها، والمتمثلة في سقوط ستة من قادتها الميدانيين، إلا أن "كتائب القسام" اعتبرت الظروف التي قادت إلى الانفجار إنجازاً أمنياً واستخبارياً من الطراز الأول. ومع أن "القسام" قد تحفّظت عن نشر تفاصيل حول حقيقة ما جرى، إلا أن الحديث يدور عن تمكّنها من الكشف عن منظومة تجهيزات وبنى استخبارية مادية زرعتها إسرائيل في المنطقة. وتبيّن لاحقاً أن استخبارات الاحتلال قامت بتفخيخ هذه المنظومة لتنفجر أثناء أي محاولة لتفكيكها وتحييدها، وهذا ما أدى إلى مقتل عناصر "القسام". ويستدل من ذلك أن الهدف من وراء زرع هذه المنظومة، التي يرجح أنها تضم أجهزة تنصت ومراقبة، هو محاولة ضمان تحقيق السيطرة المعلوماتية على منطقة يعتقد الاحتلال أنها تشهد تحركات لرجال المقاومة.

وتسلّط هذه الحادثة الأضواء على أنماط الجهود السرية التي تبذلها الاستخبارات الإسرائيلية، لا سيما جهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك" أو شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، لتأمين الحصول على معلومات استخبارية تساعد على رصد تحركات المقاومة وعناصرها، ومراقبة جهودها الهادفة لمراكمة القوة العسكرية. ومن الواضح أن مسارعة الاحتلال لنفي مسؤوليته عن الانفجار هدف إلى عدم توفير دليل على الإنجاز الذي حققته المقاومة الفلسطينية.
وإن كان الانفجار الذي أفضى إلى استشهاد المقاومين الستة هو ما لفت إلى هذا النمط من الحرب السرية، فيمكن القول إنه سبق للمقاومة الفلسطينية أن فككت العديد من البنى المادية الاستخبارية التي زرعها الاحتلال في أرجاء القطاع، ولكن لا توجد للمقاومة مصلحة في الإعلان عن هذه الإنجازات حتى لا يستخلص الاحتلال العبر من ذلك.

وأكد خبير أمني تحدث لـ"العربي الجديد"، لم يرغب في الكشف عن هويته، أنه سبق لاستخبارات الاحتلال أن قامت برمي قطع خشبية صغيرة قبالة منازل تعود لبعض الشخصيات في القطاع، واحتوت هذه القطع على تجهيزات استخبارية تتلف بعد فترة قصيرة نسبياً، وتهدف إلى مراقبة تحركات هذه الشخصيات.


وسبق لوسائل إعلام إسرائيلية وغربية أن أشارت إلى أنه قبل أن يتم تطبيق اتفاقية أوسلو، وإعادة تموضع قوات الاحتلال في قطاع غزة، عمدت الاستخبارات الإسرائيلية إلى زرع الكثير من التجهيزات الاستخبارية، وضمنها كاميرات تصوير مخفية وأجهزة تنصت، لا سيما في المؤسسات الرسمية والإدارات، التي افترض الاحتلال أن السلطة الفلسطينية ستباشر عملها منها. وحسب ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الاحتلال عمد إلى الإجراءات نفسها قبيل تطبيق خطة "فك الارتباط" عام 2005، والتي انسحب خلالها الجيش الإسرائيلي كلياً من القطاع وقام بتفكيك المستوطنات اليهودية هناك.

وإلى جانب التجهيزات السرية، فإن إسرائيل توظّف تقنيات استخبارية بشكل معلن في جمع المعلومات الاستخبارية، مثل أسراب الطائرات من دون طيار التي تتعاقب على أجواء قطاع غزة، إلى جانب نشر مناطيد التصوير الكبيرة عند الأطراف الشرقية من الحدود. وعلى الرغم من أن "الشاباك" و"أمان" يتقاسمان تنفيذ الجهود الاستخبارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن "أمان" تؤدي الدور الرئيس في زرع التجهيزات الاستخبارية. وتضطلع وحدة "سييرت متكال" (سرية الأركان) التي تتبع مباشرة لقائد "أمان"، بدور كبير في زرع التجهيزات المادية الاستخبارية من خلال التسلل إلى أرض "العدو" وزرع العتاد والانسحاب.

وتطرق رئيس الوزراء، وزير الحرب ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، في سيرته الذاتية التي صدرت أخيراً، إلى بعض عمليات زرع التجهيزات الاستخبارية التي قام بها شخصياً عندما كان ضابطاً في "سييرت متكال" وقائداً لها بعد ذلك مطلع وأواسط سبعينيات القرن الماضي. وتشبه أساليب عمل الاستخبارات الإسرائيلية في قطاع غزة أساليب العمل في لبنان، إذ إن الأمن اللبناني و"حزب الله" قد اكتشفا الكثير من التجهيزات الاستخبارية الإسرائيلية التي يتم نشرها على الجبال وفي قلب المدن اللبنانية.

لكن إلى جانب التجهيزات الاستخبارية التي تُستخدم في عمليات التنصت والتصوير، فإن الاستخبارات الإسرائيلية عمدت أيضاً إلى استخدام هذه التجهيزات في تنفيذ عمليات اغتيال. فعلى سبيل المثال، اغتال "الشاباك" يحيى عياش، القيادي في كتائب "القسام"، عام 1996 من خلال تفجير هاتف تبيّن أنه مفخخ، بعدما قام أحد العملاء بإيصاله له بشكل غير مباشر. وفي العام 2002، تم اغتيال عدد من قيادات "كتائب القسام" أثناء انشغالهم بفحص طائرة مسيرة مفخخة أوصلها إليهم تاجر سلاح.