الجديد والمكرر في إعلان باريس حول ليبيا: التفاؤل والتشاؤم

31 مايو 2018
حفتر رجل فرنسا في ليبيا (أنطوان جيوري/Getty)
+ الخط -

على الرغم من الحشد الدولي والمحلي اللافت في لقاء باريس، يوم الثلاثاء الماضي، والإعلان السياسي الذي صدر عنه كإشارة لتحقيق اختراق دبلوماسي في جدار الأزمة الليبية المستعصية منذ سنوات، إلا أن قراءة لمضمون مخرجاته تجعله لا يذهب بعيداً عن محاولات مبادرات سابقة لفك الاشتباك بين الأطراف في مستواها السياسي أو العسكري.

وتشابهت مواد إعلان باريس مع اتفاق باريس المعلن في 27 يوليو/ تموز الماضي بين رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وقائد قوات برلمان طبرق خليفة حفتر، باستثناء توسيع دائرة المشاركين ودعوة ممثلين دوليين في محاولة لإضفاء موافقة دولية عليه. وأول الإخفاقات التي منيت بها المبادرة كان تراجعها من شكل "اتفاق" في لقاء باريس في يوليو الماضي إلى "إعلان سياسي". وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا في مؤتمره الصحافي قائلاً إنه "لم يتم التوقيع على الإعلان المشترك، لأن كل طرف رغب بالتشاور مع من يمثل في ليبيا، وثانياً لأن الأطراف الحاضرة لا تعترف ببعضها، ولهذا وجدنا هذه الصيغة وهي طلب إعلان التزامهم بالإعلان"، من دون أن يحدد موعداً للقاء آخر يرجع فيه الممثلون الأربعة (السراج، حفتر، رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري) لتوقيع الاتفاق على أساس هذا الإعلان أو رفضه، كما أشار إلى أن "الممثلين الأربعة لا يملكون قرار التوقيع، ما يدفع للتساؤل حول قدرتهم على فرض نتائج هذا اللقاء".

ولم يعكس نص الإعلان أي جديد في المبادرة الفرنسية باستثناء التأكيد على الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية وبناء قاعدة دستورية قبلها. وهو ما أكدته المدد الزمنية التي وضعت لكل منها، فالأولى تبدأ في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول المقبل على أن يسبقها توافق على إطار قانوني دستوري في سبتمبر/ أيلول المقبل.

وإن لم يكن جديد الحديث عن انتخابات لنقل البلاد من مرحلة الانقسام والانتقال إلى مرحلة توحّد مؤسساتها الحكومية ضمن مرحلة دائمة، إلا أن إعلان باريس بدت فيه الثغرات القانونية ذاتها التي اعترت اتفاق الصخيرات المغربي، الذي عجزت الأطراف السياسية عن تنفيذه. فالانتخابات بحسب المواد 1، و2، و3 من الإعلان علّقت على فرضية بناء قاعدة دستورية وتركت مبهمة ومن دون آلية واضحة. فهل ستكون على أساس مسودة الدستور التي يرفضها مجلس النواب أم الاتفاق السياسي الذي أقرّت الأمم المتحدة باستحالة تطبيقه أم على أساس مقترحات لجنة فبراير التي انتخب مجلس النواب على أساسها وأبطلتها المحكمة العليا في سبتمبر 2014؟ وكلها من دون استثناء لا يكفي لها ما تبقى من وقت حتى سبتمبر المقبل إذا ما أُضيفت إليها توصية الإعلان بإعادة فتح سجل الانتخابات مجدداً.



وبتجاوز العقبات القانونية قد يبرز سؤال آخر حول الضمانات التي يمكن توفرها لإلزام الأطراف المحلية بنتائج أي انتخابات مقبلة وعدم تكرار سيناريو انتحابات مجلس النواب. ويبدو أن تدويل القضية الليبية، وأهم مؤشراتها لقاء باريس نفسه، دليل على ضرورة توافق الرؤى لدى الأطراف الإقليمية المؤثرة في المشهد كأحد تلك الضمانات. لكن كلمات ممثلي دول الجوار الليبي والدول الأخرى المعنية بها لا يبدو أنها تعكس ذلك التوافق، وأولها باريس المصرّة أن يكون رجلها العسكري، حفتر، حاضراً بقوة كشخصية محورية في هذا اللقاء، واستفزازها الواضح للأطراف المسلحة الأخرى التي ترفض مشروعه العسكري.

بدورهم، قلّل مراقبون من شأن الزخم الدولي المشارك في اللقاء كضامن لمخرجاته، فهي الدول ذاتها التي حضرت توقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر عام 2015. كما أن التلويح عبر مواد الإعلان بفرض عقوبات ضد أي جهة تفكر في عرقلة أو تعطيل الانتخابات أو رفض نتائجها أمر لم يعد يجدي كثيراً، بدليل وجود عقيلة صالح المفروضة عليه عقوبات أوروبية ويتنقل بحريّة بين عواصم الدول لتمثيل مجلس النواب.

إذاً ما جدوى إعلان باريس وفي هذا التوقيت، ولا سيما أن ردود الفعل الليبية لم تكن متفائلة بشكل كبير وأكدت على أن لا جديد في إعلان باريس، لكن اللافت هو مسارعة التيار النيابي المؤيد لحفتر بمجلس النواب للترحيب بنتائج اللقاء.

ومن دون أن يشير بيان 41 نائباً عن برقة، وهم أعضاء كتلة الوفاق بمجلس النواب المؤيدة لحفتر، إلى مواد الإعلان بكاملها، ركز ترحيبه على تأكيد الإعلان على نقل مقر مجلس النواب إلى بنغازي ومواصلة لقاءات القاهرة الساعية لتوحيد مؤسسة الجيش، ما يشير ربما إلى ميل نتائج اللقاء لصالح حفتر.

من غير الخفي دعم باريس لحفتر ورهانها عليه وبالتالي، فإن استبعاد فرضية محاولتها لإنقاذه من خلال هذه المساعي ربما لا تكون صحيحة، ففشل حفتر في الحسم العسكري وتهاوي شعبيته داخلياً، يحتّم على داعميه البحث عن حلول أخرى، من بينها التأكيد على أهميته في أي حل سياسي واستعدادها للتعاطي مع شروط خصومه، وعلى رأسها خضوعه لسلطة مدنية. وهو ما أكده حفتر ضمنياً مرتين، الأولى حين التقى السراج في يوليو/ تموز الماضي، والثانية بقبوله الجلوس مع السراج مجدداً بل وأيضاً مع المشري.

وفي مواد الإعلان ما يشير إلى تلك الفرضية، فقد قبل مجلس النواب في طبرق، الواجهة السياسية لحفتر، إلغاء الحكومة الموازية المنبثقة عنه في الشرق، ما يعني جلياً الاعتراف بحكومة الوفاق كسلطة مدنية لم يتأخر رئيسها، السراج، خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه بماكرون عقب انتهاء اللقاء، بتسريب بعض شروطه في كواليس اللقاء بالقول "دعوت لوقف الاقتتال واللجوء للحوار ووقف القتال في مدينة درنة كأحد الشروط للقبول بحفتر". ولكن جهود باريس تبدو صعبة في ظل غياب تعليق مجلس الدولة الممثل لتيارات أخرى أشدّ رفضاً لحفتر، وعدم تعليق دول الطوق الليبي كالجزائر وتونس المتحفظين أساساً على الإعلان.