الفصائل السورية المسلحة: خريطة الانتشار بعد التحولات الكبرى

24 ابريل 2018
تعددّت الفصائل ومواقع انتشارها (بكر قاسم/الأناضول)
+ الخط -
شهدت السنوات الخمس الماضية تحوّلات كبيرة على فصائل المعارضة المسلّحة في سورية، سواء لناحية الحجم والتسليح ومناطق السيطرة وحتى الولاء، وذلك تبعاً للمتغيرات التي عصفت بها، إما بسبب الدول المتدخلة بالشأن السوري التي دعمت فصيلاً على حساب حجب الدعم عن فصيل آخر، أو تلك التي دعمت الطرف المقابل أي النظام والمليشيات الموالية له، فتسببت بإنهاء بعض الفصائل، أو بسبب النزاعات البينية بين تلك الفصائل على مناطق النفوذ التي أدت إلى تغيّر خارطة نفوذها، فانحسرت مناطق سيطرتها مجتمعةً إلى نحو 22 ألف كيلومتر مربع من مساحة سورية  (185 ألف كيلومتر مربّع).

وشهدت فصائل المعارضة المسلحة في شمال سورية التغيّرات الأكبر في تاريخها، في الفترة التي تلت سقوط مدينة حلب، والتي عُدّت حدثاً فارقاً في مسار الثورة السورية بشكل عام والمسلّح بشكل خاص. أما في الوسط السوري فقد سيطر عدد من الفصائل على منطقة شرقي حمص، ضمن منطقة محاصرة من قوات النظام منذ نحو ست سنوات، ولم تشهد تغيّرات كبيرة في مناطق نفوذها بسبب الحصار المفروض عليها. كما شهدت فصائل محيط دمشق وريفها انحساراً كبيراً في مناطق نفوذها، كان أكبره الشهر الماضي الذي تم خلاله القضاء على مناطق نفوذ الفصيلين الكبيرين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" في الغوطة الشرقية، إثر إجبارهما على التهجير إلى شمال سورية، فلم يبقَ من فصائل محافظة دمشق سوى الفصائل المسيطرة في مناطق القلمون.

أما في المنطقة الجنوبية فقد شهدت مناطق سيطرة الفصائل استقراراً نسبياً، خصوصاً بعد فرض اتفاق خفض التصعيد فيها وتوحّدها كلها ضمن الجبهة الجنوبية، وانحسار معاركها مع "جيش خالد بن الوليد" المتهم بالولاء لتنظيم "داعش". ويمكن فهم الخريطة الحالية لتوزع فصائل المعارضة من خلال استعراض أبرزها.

"حركة أحرار الشام": يعود تأسيس الحركة إلى عام 2012 على يد مجموعة من الشبان، الذين حملوا الفكر السلفي الجهادي، وبعضهم قاتل في صفوف تنظيم "القاعدة"، أو اعتنق أفكارها خلال فترة الاعتقال في سجن صيدنايا سيئ الصيت. وكان للحركة انتشار واسع منذ تأسيسها في أغلب مناطق سيطرة المعارضة السورية، وكان مركز الثقل لها في كل من إدلب وريف حلب والساحل. كما امتلكت فصائل صغيرة في كل من دير الزور والرقة والحسكة ودرعا وريف دمشق ومدينة حمص وريفها الشمالي.



وبلغت الحركة ذروة قوتها لناحية العدد ومساحة السيطرة بين عامي 2013 و2014، قبل تقلّص هذه المساحة وانتهاء وجود الحركة في كل من المنطقة الشرقية المتمثلة بريف دير الزور، والحسكة، إضافة للغوطة الشرقية، خصوصاً بعد الاقتتال الأخير بين الحركة وتنظيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، الذي سيطر على أغلب مقرات ومواقع ونقاط قوة الحركة في محافظة إدلب والريف الشمالي لحماة ومناطق ريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي. ومصدر الدخل الأساسي للحركة كان من خلال معبر باب الهوى، الذي بات بالكامل حالياً تحت سيطرة تنظيم "هيئة تحرير الشام". وبلغ عدد مقاتلي الحركة قرابة 40 ألف مقاتل في عام 2017 وفقاً لقادة في الحركة، بينما قدّر مراقبون الأعداد الفعلية لمقاتلي الحركة بـنحو 10 آلاف مقاتل.

"صقور الشام": بدأ العمل تحت اسم "ألوية صقور الشام"، بقيادة أحمد عيسى الشيخ، المعروف بلقب "أبو عيسى". ويحمل الفصيل ميولاً إسلامية توصف بـ"المعتدلة"، مع تبنيه مبادئ الثورة السورية، ورفعه علمها. وتشير مصادر من الفصيل، إلى أنه "تلقّى دعماً من الحكومة القطرية والحكومة التركية عبر غرف تنسيق الدعم (موك)". وحافظ الفصيل على رقعة نفوذ جغرافية، مع توزع انتشاره على بلدات وقرى منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى وجود مقاتلين له في ريف حلب الشمالي ضمن عملية درع الفرات، ويقدر عدد مقاتلي "صقور الشام" بقرابة 2000 مقاتل.

"فيلق الشام": يعدّ الفيلق الذي أُعلن عن تشكيله في عام 2014 امتداداً لفصيل "هيئة حماية المدنيين"، والذي يعود الدور الأبرز في تشكيله للإخوان المسلمين في سورية. ويتلقى الفصيل الدعم من مصادر عدة، منها غرفة تنسيق الدعم "موم" إضافة لاستثمار علاقات مؤسسين فيه مع دول غير مرتبطة بهذه الغرفة. ويعتبر الفصيل مقرّباً من تركيا، كون التيار المتحكم في هذا الفصيل هو "الإخوان المسلمون"، القريب فكرياً من الحزب الحاكم في تركيا. ويقدّر عدد مقاتليه نحو 18 ألف مقاتل، منتشرين في مناطق ريفي حلب الشمالي والغربي إضافة لمناطق إدلب وريفها والريف الشمالي لمدينة حماة.



"جيش الإسلام": أعلن عن تشكيله في الربع الأخير من عام 2013، كنتيجة لتوحّد 40 فصيلاً عسكرياً في الغوطة الشرقية بقيادة زهران علوش، الذي قُتل بغارة روسية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2015. ويتخذ الجيش من السلفية العلمية منهجاً له، متبنّياً مبادى الثورة السورية، ويقدّم نفسه كفصيل من فصائل الجيش السوري الحر. ويُشاع إعلامياً أن الجيش يتلقى دعمه من السعودية. الأمر الذي نفاه دائماً قادة التشكيل، كما قال أخيراً رئيس المكتب السياسي في الجيش محمد علوش. ويُقدّر عدد مقاتلي "جيش الإسلام" بنحو 8 آلاف مقاتل موزعين في مناطق بدرعا والقلمون الشرقي وجنوبي دمشق، إضافة لريف حمص الشمالي ومنطقة درع الفرات في الريف الشمالي لحلب. وكانت الغوطة الشرقية المعقل الرئيسي للجيش ومركز ثقله كونها منشأ هذا الفصيل، قبل عملية التهجير الأخيرة التي فرضتها روسيا بعد الهجوم الكيميائي الأخير على المنطقة، فتركّز في مدينة دوما والتي قُدّر عدد مقاتليه فيها قبل التهجير بنحو 20 ألف مقاتل.

"حركة نور الدين زنكي": تأسست أواخر عام 2011، ثم عملت بعدها تحت راية "جيش المجاهدين" في حلب وريفها. وتغيّر اسم الكتائب إلى "حركة نور الدين الزنكي" بعد انفصالها عن "جيش المجاهدين" في 4 مايو/ أيار 2014، وتلا الإعلان الجديد انضمام لألوية وفصائل مقاتلة في حلب وريفها للحركة، وقُدّر عدد مقاتليها حينها بنحو 1600 مقاتل. كما أعلنت الحركة في 16 أبريل/نيسان 2016، إعفاء النقيب محمد سعيد مصري عن قيادة الحركة، فتسلّم بعده توفيق شهاب الدين قيادتها. وأهم كتلتين انضمتا للحركة هما "لواء حلب المدينة" بقيادة عمر سلخو وحركة "الظاهر بيبرس". وفي 20 أبريل 2016، انضمّت كتائب "فجر الشهباء" إلى الحركة. وتتنوّع مصادر دعم الحركة بين علاقات شخصية من رجال دين في السعودية وغيرها، إضافة لحصولها على الدعم من قبل "جبهة فتح الشام" خلال فترة تشكيل "هيئة تحرير الشام". وبعد الانفصال والاقتتال مع الهيئة توقفت هذه المصادر بشكل شبه كلي. ويُقدّر عدد مقاتليها في الوقت الحالي بنحو ألف مقاتل متمركزين في مناطق محدودة بريف حلب الغربي ومنطقة درع الفرات.



"الفرقة الوسطى": تأسست في ريف حماة الشمالي الغربي، وضمّت مقاتلين من سهل الغاب والريف الشمالي لحماة، إضافة إلى المقاتلين الذين تم إخراجهم من مدينة حمص بعد الاتفاق الذي تم بوساطة إيرانية، وتم إخراجهم ونقلهم إلى مناطق سيطرة الثوار في شهر مايو/أيار عام 2015. وسجل وجود عسكري للفرقة في مناطق ريف إدلب الجنوبي، وسهل الغاب في حماة، وريف حماة الشمالي، ونقاط في ريف حلب الجنوبي، وريف اللاذقية". القائد العام للفرقة هو مأمون سويد من مواليد مدينة حمص، وتحمل الفرقة توجهاً داخلياً إسلامياً، وتتلقى دعماً مباشراً من غرفة عمليات" الموك"، كونها منضوية ضمن الغرفة على اعتبارها فصيلاً للجيش السوري الحر. والقائد العسكري هو ياسر الجاسم. أما قائد الأركان عبد الغني سويد، فقد اختُطف في 12 يونيو/حزيران 2016، بعد هجوم لمجموعة مسلّحة مجهولة على مستشفى مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، ولم يصدر أي اتهام لأي جهة محددة بعينها من قبل الفرقة. ويقود الفرقة اليوم المقدّم أسامة الحامد وهو من أبناء بلدة حلفايا. وكانت الفرقة تابعة لـ"حركة أحرار الشام الاسلامية"، وهي غطاء لها لتلقي الدعم من غرفة عمليات "الموك"، إضافة للعلاقة الجيدة بين قائدها العام الذي كان يعمل في "لواء الحق" التابع لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية" قبل تشكيل الفرقة، وله قرب كبير من جماعة "الإخوان المسلمين". وبعد خلافات انضمت الفرقة أخيراً لـ"فيلق الشام"، مع انتهاء تلقيها الدعم من غرفة التنسيق "موك". الخلاف مع "جبهة النصرة"، نفت الفرقة وجود أي انشقاقات في صفوفها، واتجاه عناصرها باتجاه تنظيم "جبهة النصرة"، مشيرين إلى أن "الموضوع مجرد سوء فهم". وتقدمت الفرقة في بيان لها بشكر لحركة "أحرار الشام الإسلامية" على تدخلها والسعي للإيضاح وتقديم تفسير عن الأحداث التي جرت.

"حركة تحرير الوطن": هي حركة سورية، تتبنّى رؤية سياسية وعسكرية منسجمة ومتكاملة مع أهداف الثورة السورية، تعمل على استعادة حقوق السوريين المسلوبة والحفاظ على هوية المجتمع وقيمه الحضارية وذلك من خلال حراك سياسي وعسكري متناغم مع القوى الوطنية الأخرى والمشاركة بالقرارات المصيرية للوطن. ويقود الحركة العقيد فاتح حسون، ابن مدينة حمص والمذخّر السابق لجبهات المدينة، حاصل على ماجستير في العلوم العسكرية من الأكاديمية العسكرية العليا في دمشق. وتنقل الضابط المنشق في مناصب عسكرية عدة، إذ عمل مساعداً لرئيس هيئة الأركان في سورية سابقاً، وقائدًا لجبهة حمص في "الجيش الحر". كما شارك في تأسيس "حركة التحرير الوطنية" التي تحول اسمها لـ "تحرير الوطن" أخيراً، وما زال على رأس قيادتها، عدا عن توليه رئيس المجلس الثوري العسكري لمحافظة حمص. ويقدّر عدد مقاتلي الحركة بنحو ألفي عنصر، ويتركز انتشارها في ريف حمص الشمالي، أي الحولة والرستن وتلبيسة.

"الجبهة الجنوبية": هي عبارة عن تكتل يضمّ 49 فصيلاً عسكرياً معارضاً، ويتوزع مقاتلو الجبهة الجنوبية، في جنوبي سورية بما فيها دمشق، وريف دمشق، ومحافظات درعا، والقنيطرة، والسويداء. ويقدّر عدد مقاتلي الجبهة الجنوبية بـ30 ألف عنصر مع تركز مركز ثقلها في درعا وريفها، وتتلقى الدعم عن طريق غرفة تنسيق الدعم "موك".