الضربة الأميركية للأسد بلا جدوى باعترافات مؤيدي ترامب

19 ابريل 2018
هل تكون الضربات مقدمة للانسحاب من سورية؟(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أبرز الأميركيين الذي وجّهوا انتقادات وتساؤلات حول الضربة العسكرية الثلاثية بقيادة أميركية لمواقع تابعة للنظام السوري، فجر السبت الماضي، فقط من معارضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخصومه، بل من أقرب المقربين إليه فكرياً وسياسياً من اليمين الأميركي المتطرف والجمهوريين التابعين لحزبه المهشَّم.
وأجمع المؤيدون والمعارضون على أن ترامب أعاد تفعيل الخط الأحمر الأميركي الذي كانت قد وضعته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لكنه تقاعس عن ضرب نظام بشار الأسد عندما تجاوز ذلك الخط الشهير، واستخدم السلاح الكيميائي ضد معارضيه عام 2013. عبّرت عن ذلك بوضوح مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي نيكي هيلي، التي قالت "أصبح لدينا رئيس يلزم الآخرين باحترام الخطوط الحمر الأميركية". لكن ما لم تقله السفيرة الأميركية أن جلّ ما تقوم به إدارة ترامب هو استكمال تنفيذ استراتيجية أوباما التي قامت على مبادئ "القيادة من الخلف" وعدم الغرق في المستنقع السوري حتى لو كان البديل إخلاء الساحة السورية للروس والإيرانيين.

واتفق السيناتور الجمهوري لندسي غراهام مع هيلي في الإقرار لترامب بهذا "الإنجاز" الذي أعاد الولايات المتحدة وحلفاءها البريطانيين والفرنسيين إلى الميدان السوري. إلا أن غراهام تخوّف في الوقت نفسه من أن تكون الضربات العسكرية الخاطفة التي تجنّبت الاحتكاك مع الروس والإيرانيين هي مقدمة لإعلان الانسحاب الأميركي من سورية، واكتفاء واشنطن بلعب دور "الشرطي الكيميائي". بمعنى آخر، فإن ما تقوم به إدارة ترامب هو ضمان عدم استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي في المستقبل تمهيداً لإعلان انسحابها من سورية.

في المقابل، ركّزت الانتقادات الديمقراطية على ضعف الضربات من الناحية العسكرية، ورأت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، أن لا جدوى من العملية العسكرية الثلاثية التي نُفذت في سورية بسبب عدم اعتماد استراتيجية شاملة وواضحة تجاه المسألة السورية. فيما اعترض ديمقراطيون آخرون على عدم قيام ترامب بإبلاغ الكونغرس وأخذ موافقته قبل تنفيذ الضربات، وأعيدت بذلك إثارة السجال حول من يملك صلاحية اتخاذ قرار الحرب، البيت الأبيض أم الكونغرس.

صحيح أن تغريدات ترامب حول الصواريخ الذكية القادمة إلى سورية صدقت، وبالفعل سقط أكثر من مائة صاروخ على مواقع تصنيع وتخزين الأسلحة الكيميائية السورية، إلا أن إبلاغ القوات الروسية مسبقاً عن الضربات، وإن بطريقة غير مباشرة، نسف تكتيك المفاجأة الذي لطالما كان يتحدث عنه ترامب خلال حملته الانتخابية في معرض انتقاده للتكتيكات العسكرية التي اعتمدها الجيش الأميركي في حروب العراق وأفغانستان.
أضف إلى ذلك أن قرار الرئيس الأميركي معاقبة نظام بشار الأسد وإعطاء أوامره للقوات المسلحة الأميركية بتنفيذ ضربات عسكرية في سورية، على الرغم من تكرار التأكيد أنها لا تستهدف تغيير النظام في دمشق، قد يتناقض مع مجمل خطاب ترامب المعارض لتورط أميركا في حروب الشرق الأوسط، وإعلانه قبل أسابيع قليلة عزمه على سحب الجنود الأميركيين من سورية في أسرع وقت ممكن.


ورأى ريتشارد سبنسر، أحد رموز اليمين العنصري الأميركي، أو ما يُعرف باليمين البديل، أن ترامب "وقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه الرؤساء الأميركيون السابقون الذين تورطوا بحروب الشرق الأوسط، وأصبح متورطاً بالحرب الأهلية في سورية". وحذر سبنسر من أن انجرار أميركا إلى تلك الحرب سيكون له تداعيات وعواقب وخيمة لا يمكن تخيّلها.
سبنسر الذي يُعتبر من أبرز منظّري مجموعات النازيين الجدد في الولايات المتحدة، اعتبر أن ترامب خان الشعارات التي رفعها خلال الانتخابات والتي تعارض تورط الولايات المتحدة واستنزاف ثرواتها المادية والبشرية في حروب خارج أرضها، قائلاً إن ترامب أصبح مجرد أداة في يد صنّاع الحرب في الولايات المتحدة بعد تعيينه أحد أبرز مهندسي الحرب الأميركية على العراق جون بولتون مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض.

وفي رسالة نشرها على مدونته الخاصة، قال سبنسر إن ترامب، عن قصد أو غير قصد، أصبح منفذاً لأجندة "مشروع القرن الأميركي الجديد" Project of New American Century (PNCA) الذي كان بولتون قد تسلّم إدارته لسنوات عدة، وهو من أبرز مراكز الأبحاث في واشنطن التي تروّج للتدخّل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط ووضَع خططاً لتغيير الأنظمة في سبع دول على الأقل، هي: العراق، لبنان، ليبيا، السودان، الصومال، إيران، وسورية. وأشار سبنسر إلى أن أجندة PNCA تتقاطع بالدرجة الأولى مع مصلحة إسرائيل التي يرى أحد رموز النازيين الجدد في أميركا أنها لا تريد استقرار الدول المجاورة لها وتسعى إلى إضعاف الدول العربية المحاذية لها.

ومع أن الضربات العسكرية الأميركية الخاطفة ضد النظام السوري سرعان ما تحوّلت إلى عنوان من عناوين السجال الداخلي الأميركي، إلا أنها طرحت أيضاً أسئلة حقيقية حول مستقبل الوجود الأميركي في سورية والدور الذي تطمح الولايات المتحدة للقيام به في تلك المنطقة من العالم. ولعل من إيجابيات هذا النقاش أنه يسلّط الضوء أكثر على التباسات العلاقة مع الحليف الإسرائيلي الذي يسعى إلى توظيف واستثمار القوة العسكرية الأميركية في خدمة حروبه ومصالحه في الشرق الأوسط.