اعتداءات واغادوغو: رسائل دموية لفرسنا ومرحلة جديدة من التصعيد في الساحل الأفريقي

03 مارس 2018
سقط العشرات من رجال الأمن بالاعتداءات (أحمد أووبا/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الحرب الفرنسية في الساحل الأفريقي ضد الجماعات الجهادية، والتي تحاول باريس نقل المسؤولية عنها إلى القوة الإقليمية المشتركة لمحاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي التي تعرف باسم "مجموعة الساحل 5" وتضم موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، ستدخل مرحلة جديدة، عنوانها التصعيد المتبادل بين فرنسا من جهة، والجماعات الجهادية من جهة ثانية، خصوصاً بعد الاعتداءات التي شنها مسلحون في بوركينا فاسو، والتي استهدفت السفارة الفرنسية في العاصمة واغادوغو، فضلاً عن المعهد الفرنسي ومقر القوات المسلحة في البلاد، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى. كما تزامنت الهجمات المنظمة، أمس، مع نشر مجموعة مسلّحة شريطاً مصوراً لعاملة الإغاثة الفرنسية صوفي بترونا، التي اختُطفت في أواخر عام 2016.

ولا يمكن فصل الهجمات عما حملته الأسابيع الأخيرة من مؤشرات لتصعيد مرتقب في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد كسب فرنسا دعماً أوروبياً وأميركياً وعربياً ترجم بتوفير أكثر من نصف مليار دولار للقوة الإقليمية المشتركة لمحاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي المعروفة باسم "مجموعة الساحل 5" وتضم موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، فضلاً عن إعلان الجماعات الجهادية توحيد جهودها ضد قوة "مجموعة الساحل 5". وفي ما بدا أنه انعكاس لـ"الحرب" ضد الوجود الفرنسي، شهدت واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، يوماً دامياً، أمس، بفعل شنّ مسلحين هجمات استهدفت السفارة الفرنسية في العاصمة والمعهد الفرنسي ومقر القوات المسلحة في البلاد، سقط فيها 4 مسلحين والعديد من رجال الأمن. وأظهرت العملية المنسقة مدى هشاشة الوضع في الدولة الأفريقية المكافحة ضد التنظيمات الجهادية في المنطقة. وفي التفاصيل أنه سُمع تبادل إطلاق نار كثيف واندلاع النيران في سيارة، قال شهود إنها "تعود للمهاجمين". وذكروا أن "قوات خاصة تابعة للجيش انتشرت في المكان فيما كانت مروحيات تحلق في أجواء واغادوغو". وأضاف شهود عيان أن "خمسة مسلحين ترجلوا من سيارة وأطلقوا النار على مارة قبل التوجه إلى السفارة الفرنسية في وسط عاصمة بوركينا فاسو".

وأفاد مصدر من داخل السفارة الفرنسية أن "المسلحين حاولوا الدخول إلى السفارة لكنهم فشلوا، فأطلقوا النار عليها قبل الدخول إلى مقرّ القوات المسلحة". وفي الوقت نفسه أشار شهود آخرون إلى "وقوع انفجار بالقرب من مقر القوات المسلحة والمعهد الفرنسي، على بعد نحو كيلومتر واحد من موقع الهجوم الأول، في وسط العاصمة".

وفي باريس، أفادت أوساط وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن "الوضع تحت السيطرة في السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي في واغادوغو". وذكرت أوساط الإليزيه أن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتابع بانتباه شديد ما يحصل، وأن الرعايا الفرنسيين المتواجدين في واغادوغو يجب أن يتبعوا تعليمات السفارة عبر البقاء في أماكن تواجدهم". وأكد لتلفزيون "أل سي أي" أنه "ليس هناك ضحايا من الفرنسيين على حدّ علمنا، وتمّ القضاء على المهاجمين". وأفاد بأنه "جرى تشكيل خلية أزمة بوزارة الخارجية في باريس لإدارة الوضع".

من جهتها، أكدت حكومة بوركينا فاسو أن "اعتداء استهدف سفارة فرنسا والمقر العام للقوات المسلحة في واغادوغو"، معلنة أنه "تم القضاء على أربعة مهاجمين". وكتب المبعوث الفرنسي الخاص إلى منطقة الساحل جان مارك شتانييه في تغريدة "هجوم إرهابي في واغادوغو. كل التضامن مع زملائنا وأصدقائنا في بوركينا فاسو". ودعا إلى توخي "الحذر، وتجنّب وسط المدينة". مع العلم أن قوات فرنسية خاصة متمركزة في مطار واغادوغو.



وسبق أن استُهدفت عاصمة بوركينا فاسو في السنوات الأخيرة مرات عدة، عبر شنّ هجمات على أماكن مخصصة للسياح الغربيين. كما يشهد شمال البلاد اعتداءات تنفذها مجموعات جهادية ضد مقرات رسمية خصوصاً مراكز شرطة ومدارس.

وقد تسببت حركة التمرد في شمال بوركينا فاسو بمقتل المئات ودفعت عشرات آلاف السكان إلى إخلاء منازلهم ووجهت ضربة قاسية إلى الاقتصاد الذي يعتبر من بين الأفقر في العالم. ويشهد الشمال هجمات عدة منذ الفصل الأول من عام 2015، أدت إلى مقتل 133 شخصاً خلال 80 هجوماً بحسب حصيلة رسمية. وفي 13 أغسطس/آب الماضي، أطلق مسلحان النار على مطعم في الجادة الرئيسية في واغادوغو، ما أدى إلى مقتل 19 شخصاً وإصابة 21 آخرين. ولم تعلن أي جهة تبنيها لهذا الاعتداء. وفي 15 يناير/كانون الثاني 2016، قُتل 30 شخصاً من بينهم ستة كنديين وخمسة أوروبيين في هجوم على فندق ومطعم في وسط المدينة تبنّاه تنظيم "القاعدة". وفي الثالث من فبراير/شباط الماضي، قُتل مسلح خلال كمين نصب لرجال شرطة في بلدة ديو بشمال بوركينا فاسو الواقعة على الحدود مع مالي.

وفي موازاة الهجمات في بوركينا فاسو، نشرت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" في مالي تسجيل فيديو لعاملة الإغاثة الفرنسية صوفي بترونا، التي اختُطفت في أواخر عام 2016. وظهرت في الفيديو لقطات محدودة لبترونا (72 عاماً) وهي راقدة على سرير صغير داخل خيمة، فيما يظهر في الخلفية إعادة لمقطع صوتي لماكرون وهو "يتعهّد بالحماية". ولم يتضح تاريخ تصوير اللقطات.

وقال ابن شقيقة الرهينة أرنو غرانويلاك، إن "صحتها بدت متدهورة عن آخر صور نشرت لها في الصيف"، متهماً الحكومة الفرنسية بـ"التخلي عن العائلة". وأدارت بترونا جمعية خيرية للأطفال الأيتام والذين يعانون من سوء التغذية وعاشت في مدينة جاو في شمال شرق مالي المضطرب لمدة 15 عاماً قبل اختطافها في شاحنة. وارتبط اسم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بخطف ستة رهائن غربيين على الأقل في السنوات الماضية.
وأتت الأحداث بعد تأكيدات لمجموعة الجهادي عدنان أبو وليد الصحراوي التي بايعت تنظيم "داعش"، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن "الجماعات الجهادية في منطقة الساحل الأفريقي تتعاون ضد القوة المشتركة المؤلفة من خمس دول في المنطقة". وأشار أحد المقربين من زعيم المجموعة، إلى أنه "سنقوم بكل ما بوسعنا لمنع تمركز قوة دول الساحل الخمس" في هذه المنطقة.
(العربي الجديد، فرانس برس)