هل يجمّد اللقاء البريطاني السعودي معركة الحديدة اليمنية؟

12 مارس 2018
أغلب الواردات إلى البلاد تصل عبر ميناء الحديدة (Getty)
+ الخط -

يُعدّ الساحل الغربي لليمن، حجر الزاوية بالنسبة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، بوصفه الجبهة التي تختصر إلى حد كبير ما تبقّى من المناطق الاستراتيجية لليمن، ومع ذلك فإن شكوكاً تثار عما إذا كان التحالف سيواصل بالفعل معاركه نحو مدينة الحديدة، في ظل الموقف الدولي الصارم، والذي تجسد أخيراً بالبيان السعودي البريطاني، في ختام زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى لندن، وشدد على أن تبقى كل موانئ اليمن مفتوحة أمام الإمدادات التجارية والمساعدات الإنسانية.

وكثفّت مقاتلات التحالف أخيراً من ضرباتها الجوية، في المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة، والتي أكدت مصادر ميدانية فيها لـ"العربي الجديد"، أن الإمارات تتولى الإشراف فيها على العمليات العسكرية إلى حد كبير، إذ تقدمت خلال الأشهر الأخيرة، قوات موالية للشرعية مدعومة إماراتياً، إلى مناطق جنوب محافظة الحديدة، بما جعلها ساحة معارك وضربات جوية لا تهدأ حتى تعود، يتكبّد خلالها مسلحو جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، خسائر بشرية، إلا أن المدنيين يدفعون ثمناً قاسياً أيضاً، سواء بكونهم عرضة للغارات الجوية، التي حصدت العشرات، أو نتيجة التصعيد العسكري في تلك المناطق بشكل عام.

وباتت القوات الحكومية، المدعومة من التحالف، وبإشراف إماراتي، تسيطر على مديرية الخوخة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وضمت إليها مناطق جديدة في مديرية حيس في فبراير/شباط الماضي. وتتركز أغلب الضربات الجوية، المستمرة بوتيرة شبه يومية، في مديريات الجراحي، والتحيتا، وزبيد، حيث يسيطر الحوثيون على الغالبية العظمى من مديريات المحافظة، ويحشدون فيها قواتهم، باعتبارها معركة استراتيجية بالنسبة لمناطق سيطرة الجماعة، إذ يقع فيها الميناء الوحيد الخاضع لسيطرة الجماعة.

وفيما تقول قوات الشرعية والتحالف إنها ماضية في العمليات العسكرية لاستكمال السيطرة على الحديدة، وهو ما سيؤدي إلى سيطرة التحالف على الساحل الغربي لليمن، يشكك متابعون في إمكانية مواصلة العمليات العسكرية، في ظل الموقف الدولي الحازم، الذي يشدد على أن يبقى ميناء الحديدة، وهو المرفأ الأول في اليمن، مفتوحاً أمام المساعدات الإنسانية والواردات التجارية. هذا الأمر كان قد تجسد في أشهر سابقة، بإعلان الولايات المتحدة، تقديم أربع رافعات لميناء الحديدة، بل إن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، اعتبرت في بيان نقلته سفارة واشنطن في الرياض، أواخر فبراير/شباط الماضي، أن إبقاء ميناء الحديدة مفتوحاً من قبل التحالف بقيادة السعودية، هو المؤشر على "نية التحالف الجادة لدعم جهود المجتمع الدولي لمعالجة الأزمة الإنسانية في اليمن".


وفي هذا السياق، كانت الجزئية المتعلقة بموانئ اليمن، من أبرز مخرجات لقاءات ولي العهد السعودي مع المسؤولين البريطانيين، خلال زيارته إلى لندن في الأيام الماضية، إذ احتل اليمن جزءاً كبيراً من البيان المشترك الذي صدر عن الدولتين، وقال البيان إنهما أعادتا "تأكيد التزامهما منذ نوفمبر/تشرين الثاني بالعمل سوية لتعزيز آلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة في اليمن (UNVIM)، لضمان أن كل الموانئ اليمنية يمكن أن تبقى مفتوحة بالكامل أمام التجارة، والإمدادات الإنسانية، وبحسب ما تقضي به قرارات الأمم المتحدّة ذات الصلة". هذا الأمر يعني أن الموقف المعلن على الأقل، يوضح أن المعركة في الساحل الغربي، قد لا تصل إلى الحديدة، كما يقول التحالف والحكومة اليمنية. وذكر البيان البريطاني-السعودي أن البلدين "اتفقا على أن أي حل سياسي يجب أن يؤدي إلى إنهاء التهديدات الأمنية للمملكة العربية السعودية، والدول الإقليمية الأخرى، وشحنات البحر الأحمر، بالإضافة إلى إنهاء الدعم الإيراني للمليشيات وانسحاب العناصر الإيرانية وحزب الله من اليمن".

الجدير بالذكر، أن ميناء الحديدة هو المرفأ الأول الذي تصل إليه أغلب الواردات إلى البلاد، بما فيها المواد الغذائية. وسعى التحالف خلال الأعوام الماضية، إلى إغلاقه، ونفذ ذلك بالفعل، لأسابيع، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إلا أن الضغوط الدولية، أعادت فتح الميناء، في وقتٍ يظهر فيه التناقض بالتصريحات الصادرة عن التحالف، بين الترويج لعمليات عسكرية تهدف لإخراج الحوثيين من الحديدة واستكمال "تحرير" الساحل الغربي، وبين الالتزامات المعلنة في المواقف الدولية المشتركة، والتي تؤكد أهمية أن يبقى الميناء مفتوحاً.

ومنذ أكثر من عام، سعى التحالف بقيادة إماراتية، إلى تحقيق نصر مكلف في الساحل الغربي، من خلال دعم تقدّم قوات يمنية مؤلفة بالغالب من جنوبيين للسيطرة على الأجزاء الساحلية من محافظة تعز، والتي تعد الأهم استراتيجياً بوصفها الأقرب إلى باب المندب. وقد تكللت العمليات منذ أكثر من عام، باستكمال السيطرة على ذوباب والمخا، وصولاً إلى الخوخة، في محافظة الحديدة، في حين أن الجزء الشمالي من الساحل الغربي، والحدودي مع السعودية، يشهد هو الآخر مواجهات، بين قوات يمنية مدعومة سعودياً وبين الحوثيين، إلا أن الأولى لم تحقق تقدماً محورياً ينهي سيطرة الجماعة، على المنطقة الساحلية (ميدي)، والتي تعد الأقرب إلى معاقل الحوثيين.

من جهة أخرى، تضمّن البيان السعودي-البريطاني المشترك، الصادر في ختام زيارة بن سلمان إلى لندن، العديد من النقاط المتعلقة باليمن، كان أبرزها تأكيد "أهمية التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليات تنفيذه ونتائج الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن رقم 2216"، مع إبراز أولوية في ما يتعلق بالتهديدات للجانب السعودي، بما يطمئن الرياض من جهة الحوثيين. كما شمل البيان ما يمكن اعتباره مضامين تخاطب الرأي العام الداخلي في بريطانيا، والساخط من آثار الحرب في اليمن، إذ جاء فيه أن المملكة المتحدة ترحب بـ"التزام السعودية المستمر بضمان أن تتم الحملة العسكرية للتحالف وفقاً للقانون الإنساني الدولي".

أما النقطة التي أثارت اهتماماً في الأوساط اليمنية، فكانت حديث البيان، عن اتفاق الطرفين "على العمل مع شركاء دوليين بما في ذلك الأمم المتحدة للاتفاق على آلية لدفع رواتب القطاع العام في كل أنحاء البلاد"، وهو الأمر المتعلق بالأزمة التي عصفت بالبلاد، منذ أكثر من عام. إلا أن المرجح، كما هو واضح في السياق، هو أن الاتفاق يقتضي دعم آلية كان مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قدم مقترحاً بخصوصها العام الماضي، رفضه الحوثيون. ويبقى مثل هذا الالتزام، حبراً على ورق، إلى أن يُترجم بخطوات واضحة تبين الآلية التي يمكن أن تساهم في حل الأزمة التي أثّرت على حياة الملايين من اليمنيين.

المساهمون