حملة تشويه وتهديد تطاول التيار المدني العراقي قبيل الانتخابات

01 مارس 2018
من احتفال الحزب الشيوعي العراقي بعيد العمال(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
للأسبوع الثاني على التوالي يتعرض قادة وأعضاء التيار المدني العراقي بمختلف مدن البلاد إلى حملة تهديد وتشويه واسعة تتزامن مع تصريحات أطلقها مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، من بغداد قال فيها إنه لا يمكن السماح بعودة الليبراليين والشيوعيين والعلمانيين لحكم العراق.

وعلى الرغم من أن التيار بمختلف قواه، من الحزب الشيوعي أو الأكاديميين أو المدنيين أو أصحاب الكفاءات، دخل بشكل متفرق مع عدة كتل وتحالفات انتخابية أبرزها مع التيار الصدري وتحالف رئيس الوزراء حيدر العبادي وتحالف آخر تهيمن عليه القوى السنية أطلق عليه اسم "تحالف بغداد"، إلا أنه لا يزال يتعرض لحملة تشويه وتهديد من جهات مختلفة.

وقال القيادي البارز في التيار المدني، قاسم محمد، إن "في أكثر من 80 خطة ومحاضرة ودرساً دينياً هوجم المدنيون واعتُبرو كفاراً أو زنادقة". وذهب البعض إلى أنهم "سبب تأخر الأمطار والزلازل الأخيرة وعدم استجابة الدعاء".

ولفت محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عدداً من المرشحين المدنيين أو اللادينيين تعرضوا لتهديد بالقتل من مليشيات مختلفة، مؤكداً أن هناك حملة تنفذها أحزاب متنفذة ذات طابع إسلامي ومليشيات مسلحة ضد المدنيين في مختلف مدن العراق. وأرجع السبب إلى انتشار "دراسات صدرت أخيراً تؤكد ارتفاع شعبية التيارات غير الإسلامية مقابل تراجع الأحزاب الإسلامية أو الدينية بشكل عام بسبب فشلها لعقد ونصف في إدارة البلاد". ولفت إلى أنه "حتى الآن لا يوجد تحرك قضائي ضد رجال الدين وخطباء المنابر أو السياسيين الإسلاميين الذين شنوا حملة التشويه ضدنا أو هددونا كوننا نعلم مسبقاً أن القضاء العراقي خاضع لسيطرتهم بشكل أو آخر مع الأسف ومعركتنا خاسرة".


وخلال العامين الماضيين بدا حضور المدنيين أكثر وضوحاً في العملية السياسية بالعراق عموماً، وهو ما اعتبر خطراً يهدد سطوة الأحزاب الإسلامية على الحكم في عراق ما بعد الاحتلال.

وكشف ضابط في وزارة الداخلية عن تعرض منزل مرشح مدني في محافظة المثنى جنوب العراق يدعى عباس خضر إلى إطلاق نار بعد يوم من تلقي رسائل تطالبه بعدم الترشح ومنافسة المؤمنين الساعين لإصلاح العراق"، على حد وصف المصدر الذي أكد وقوع إضرار مادية في منزل المرشح المدني.

من جهتها، قالت النائبة عن التيار المدني، شروق العبايجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك تحولاً بالمزاج العراقي يمكن اعتباره إيجابياً في استبدال النخب الإسلامية الحالية في العملية السياسية بأخرى مدنية تعمل من اجل إرساء الدولة المدنية التي تخدم المواطن بشكل مباشر". وأضافت "سنعمل على هدم نظام المحاصصة الطائفية، وبالتالي مصدر التهجم على هذه القوى المدنية هو الخوف من تهجير مصالح السياسيين الذين فعلاً ترسخت مصالحهم من خلال نظام المحاصصة، وبالتالي أصبح الأمر واضحاً للجمهور العراقي". ووفقاً للعبايجي فإنه "يتم استهداف المرشحين والسياسيين المدنيين بأشكال مختلفة من محاولات التسقيط والهجوم عليهم والتهديد وتشويه صورتهم، لكنّ هناك قراراً بمواصلة هذا الطريق". وقالت إن "الجميع يعلم أن الأحزاب الإسلامية هي التي صنعت المشهد السياسي وبنت نظام المحاصصة واستفادت من كل المقدرات التي وفرتها لها السلطة من دون أن تقدم في المقابل أي عنصر من عناصر الدولة الحقيقية بشكل صحيح".

 بدوره، قال رئيس تحالف "تمدن"، النائب فائق الشيخ علي، إن تحالفه يتعرض لحملة من التسقيط والتشويه، منتقداً في الوقت نفسه أحزاباً إسلامية قال إنها نزعت جلباب الدين وارتدت ثوب المدنية تماشياً مع رغبة الشارع. وأشار إلى وجود حملة تسقيط ضد القوى المدنية في العراق، مطالباً خلال مؤتمر صحافي عقد يوم الاثنين الماضي، العراقيين بضرورة التمييز بين المدنيين الحقيقيين والآخرين الذين يدّعون المدنية. ولفت إلى أن سرّاق العراق يمتلكون اليوم الجيوش الإلكترونية للتهجم على المدنيين. وأكد أن حملة التسقيط ضد المدنيين لن تضعف هذا التيار، داعياً مرشحي التيار المدني إلى "الاستمرار وعدم الانصياع للضغوط التي تمارس من قبل بعض السياسيين الذين سبق أن دعوا للحرب الطائفية أمثال صاحبة معادلة (7 مقابل 7) وآخرين"، في إشارة إلى النائبة حنان الفتلاوي التي قالت في أحد اللقاءات المتلفزة إن التوازن يقتضي أن كل سبعة مقاتلين من "الشيعة" يقتلون يجب أن يموت مقابلهم سبعة من "السنّة" قبل أن تدافع عن نفسها في وقت لاحق قائلةً إن حديثها أتى في معرض شرح فكرة "العدالة والمساواة في السراء والضراء".

وكانت الفتلاوي قد شنّت هجوماً شديد اللهجة على نواب التيار المدني في البرلمان العراقي، مؤكدة انهم لم يقوموا بواجباتهم كنواب بالشكل الصحيح. واتهمت نواب التيار المدني بأنهم جاءوا عن طريق الأميركيين.

اتهامات الفتلاوي وسياسيين إسلاميين آخرين تجاه التيار المدني خطرة، وغير دقيقة، كما يؤكد عضو التيار فلاح العقابي الذي أوضح أن هذه الاتهامات ليست جديدة، لكن الخطر فيها هو تزامنها مع حملة شرسة يقوم بها سياسيون وإعلاميون ضد التيار المدني. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن هذه الحملة تزداد شراسة كلما اقترب موعد الانتخابات.

وأشار إلى أن بعض السياسيين يحمّلون نواب التيار المدني أكثر من طاقتهم، متسائلاً: "بماذا يمكن أن يؤثر صوت ثلاثة نواب فقط مقابل 325 آخرين؟".

وانتقد الأحزاب الإسلامية التي غيرت أسماءها وحملت عناوين مدنية عند دخولها الانتخابات، مؤكداً أن توجه الأحزاب الإسلامية لتغيير عناوينها يشير بشكل واضح إلى اعتراف هذه الأحزاب بالفشل الذريع في إدارة الدولة العراقية خلال الخمسة عشر سنة الماضية. واستدرك بأنه "لا يمكن القول إن جميع الأحزاب والقوى الإسلامية سيئة، ودليل ذلك قبول الحزب الشيوعي العراقي بالتحالف مع التيار الصدري تحضيراً للانتخابات المقبلة"، مبيناً أن الشارع يعول على المدنيين بعد أن فقد الثقة ببرامج الأحزاب الإسلامية بشكل كامل.

وأعلن في شهر يناير/كانون الثاني الماضي عن تشكيل تحالف "سائرون"، الذي يضم حزب الاستقامة التابع للتيار الصدري، والحزب الشيوعي العراقي وتيارات مدنية أخرى. وترأس التحالف القيادي في التيار الصدري حسن العاقولي الذي كان يشغل منصب نقيب الأطباء في النجف (جنوب بغداد). وقال العاقولي إن دخول هذا التحالف تم بمباركة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مشيراً إلى وجود تقارب مع الحزب الشيوعي والقوى المدنية ما دفعهم للتحالف.

في هذه الأثناء، دعا القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلفي، الشعب إلى عدم انتخاب "أبناء الطغاة"، محذراً في بيان من خطط زعماء السلطة من أجل تهيئة أبنائهم لحكم العراق، مشدداً على ضرورة الوقوف بوجه زعماء المحاصصة.

وعلى الرغم من مشاركة التيار المدني في العملية السياسية بشكل متكرر، لم يحصل في الانتخابات البرلمانية الماضية التي أجريت عام 2014 إلا على ثلاثة نواب فقط.