مسيرة العودة الكبرى في غزة: حماسة مشكوك بجدواها السياسية

15 فبراير 2018
يتمسك اللاجئون بحق العودة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
بات الحديث عن مسيرة "العودة الكبرى" التي يجري التجهيز لها في قطاع غزة ومناطق أخرى على قدم وساق، متزايداً شعبياً ورسمياً، رغم عدم حسم موعد لها. ودخلت الفصائل الفلسطينية على خط التجهيز والترتيب مع مطلقي الفكرة، التي بدأ الترويج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأفكار فردية. 

وتنطلق الفكرة من سابقة جرّبها حزب الله في لبنان، عام 2011، في ذكرى النكبة (15 مايو/ أيار)، حين حشد جماهير متحمسة عند الحدود، فحاول شبان وشابات اجتياز الشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة، فسقط منهم قتلى وجرحى من دون أن يكون لتلك الحركة أي مردود سياسي في حينها.
وتنص الفكرة التي يتم التداول بها في غزة اليوم، على تجميع أكبر عدد من الفلسطينيين على الحدود مع الأراضي المحتلة، ومن ثم محاولة اجتياز السياج الحدودي الفاصل والاستقرار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن يحول دون التنفيذ والتطبيق عوائق كثيرة جداً وصعوبات يحاول الداعون للفكرة تجاوزها.



وتُعرِّف صفحة "مسيرة العودة" على فيسبوك، المسيرة بأنها "سلمية شعبية مليونية فلسطينية ستنطلق من غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسورية ومصر، وستنطلق باتجاه الأراضي التي تم تهجير الفلسطينيين منها عام 1948". والهدف منها، تنفيذ وتطبيق حق العودة للشعب الفلسطيني إلى أرضه التي طرد منها، وذلك تماشياً مع وتطبيقاً للقرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة الخاصة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، ومنها القرار 194. ودعا القرار بوضوح إلى "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر". وعلى الرغم من أنّ سكان قطاع غزة بالتحديد لا يميلون بطبعهم وبالظروف المحيطة بهم إلى العمل السلمي لمجابهة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنّ الفكرة باتت على كثير من الألسن، وأصبح واضحاً الاهتمام بها والرغبة في القيام بعمل يلفت الأنظار إلى قضية اللاجئين. ويتحمس كثير من الفلسطينيين في غزة والمناطق الأخرى للفكرة، فهي ورغم مخاطر أن تجابها قوات الاحتلال الإسرائيلي بالنيران، فرصة للفت الأنظار إلى أوضاعهم وإلى قضية اللاجئين، كقضية مركزية يجري التحضير لتصفيتها ضمن مقررات ما بات يعرف بـ"صفقة القرن".

ومن المتوقع أنّ تجابه قوات الاحتلال الفكرة حال تطبيقها على الحدود بالرصاص، لكن ذلك لم يمنع من التفكير بخيارات أخرى، مثل التنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، والمنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام لدفع الاحتلال نحو عدم استخدام أي وسائل قوية ضد المتظاهرين. وناقشت الفصائل أكثر من مرة في اجتماعاتها الداخلية فكرة دعم الحراك الجماهيري الفلسطيني تجاه الحدود مع الأراضي المحتلة، لكن ذلك أحدث نقاشاً أيضاً، إذ كان يرغب الداعون للفكرة والمروجون لها أنّ تبقى بعيدة عن العمل الحزبي والفصائلي.

لكن الفصائل قد تكون عامل حشد وتأطير للفكرة، ما قد ينجحها بشكل أكبر ويلفت الأنظار إليها، إنّ هي دخلت بقوة في الفكرة. ورغم ذلك، هناك بعض المتخوفين من أنّ تجابه قوات الاحتلال المسيرات بإطلاق النار عليها، إذ إنها عادة ما تجابه أي تحرك على الحدود بكثافة نارية غير عادية، ويمكن أنّ يكون القتل وسيلة إسرائيل للمجابهة كما تفعل دائماً.

وأصدرت اللجنة التنسيقية لمسيرة "العودة الكبرى" بيانها الأول، أعلنت فيه "بزوغ فجر العودة إلى الديار، وأن حراكاً جماهيرياً قد انطلق وسيتصاعد لينسج خيوط العودة من آمال شعبنا المشرّد، ومن تضحيات شهدائنا وأسرانا وجرحانا، ومن نضالات شعبنا عبر مسيرة الكفاح الممتدة، وعبر مسيرة العودة عام 2011، وعبر المسيرة العالمية للقدس عام 2012". وذكر البيان أنّ حرب عام 1948 توقفت منذ سبعين سنة، ولم يعد هناك أي مبرر لبقاء اللاجئين بعيدين عن ديارهم، مذكراً بالقرارات الدولية التي صدرت وأبرزها قرار 194 القاضي بعودة اللاجئين، مشيراً في الوقت نفسه إلى انّ القرار الآن أصبح لهؤلاء اللاجئين، وهم من سيمارسون حق العودة بطريقة سلمية متى أرادوا.

ويلفت البيان إلى أنّ اللاجئين لم يبتعدوا كثيراً عن ديارهم، بل لا تفصل بعضهم عن أرضه سوى عدة مئات من الأمتار، أو مجرد سياج شائك، وقد جاء أوان العودة، مؤكداً أنّ "أراضي اللاجئين وقراهم ومدنهم وبلداتهم لا زالت تنتظرهم، لم يسكن بعضها أحد منذ النكبة، ومفاتيح بيوتهم وأوراق ملكياتهم لا زالت بأيديهم".

لكن التحرك يرتبط، إنّ نجح، بالظروف القاسية التي بات يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، في ظل تخلي الجميع عنهم، والضغوط غير المسبوقة التي يعيشونها، إنسانياً ومادياً واقتصادياً وسياسياً، ومع ملامح صفقة تستهدف قضيتهم وتهدد مستقبل عودتهم، وبدأت مع تقليص الدعم الأميركي والدولي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا". ووضع فلسطينيون خطوات عدة للنجاح، منها الحشد التصاعدي والبقاء لفترات أطول، وليس فعالية تنتهي بانتهاء اليوم الذي ستنظم فيه، لكن الحراك وإن أصبح حديثاً متكرراً على ألسنة الفلسطينيين، لم يقرن بعد بأي خطوات على أرض الواقع.

وفي السابقة اللبنانية، سقط 10 ضحايا وأكثر من مائة جريح بعد تحوّل "مسيرة العودة" التي نظمتها فصائل فلسطينية بالتعاون مع "حزب الله" في الشهر الخامس من عام 2011 باتجاه الحدود اللبنانية - الفلسطينية، إلى مواجهات بين مئات المشاركين وقوات الاحتلال. وقد عمد الجنود الإسرائيليون الذين انتشروا مقابل بلدة مارون الراس اللبنانية الحدودية، إلى إطلاق النار بشكل مباشر على الشبان الذين وقفوا على الخط الحدودي ورشقوا المواقع الإسرائيلية بالحجارة. وتواصل رمي الحجارة وإطلاق النار طوال 6 ساعات، قبل أن تتمكن القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية من إبعاد الشبان عن الخط الحدودي. وتخلل هذه المدة محاولة الشبان إزالة أجزاء من الشريك الشائك، ورفع ألغام مزروعة هناك.