2019... استحقاقات وتحولات عربية

01 يناير 2019
تحصين التجربة التونسية أولوية (Getty)
+ الخط -
يدخل عام 2019 والعرب على أبواب محطات هامة. ومن المنتظر أن يواجه بعض دول العالم العربي استحقاقات مفصلية، فيما يعيش البعض الآخر تحولات ذات طابع استراتيجي. 

تحولات سورية
ومن بين أهم التحولات الكبيرة المنتظرة، نهاية الحرب في سورية، وإعادة تأهيل نظام بشار الأسد. وشهد العام 2018 مقدمات هذا التحول الكبير من خلال إتمام روسيا عملية القضاء على المعارضة المسلحة في محيط دمشق والجنوب، والعمل مع إيران وتركيا لاستكمال المهمة في بقية المناطق، وهذا ما يمثل الفصل الأخير في إدلب ومنطقة الجزيرة السورية. ولن تكون المسألة سهلة، كما أنها ليست مستحيلة بعد قرار الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية، وتفاهم روسيا وتركيا على التنسيق العسكري بخصوص الوضع الكردي وداعش وجبهة النصرة.

وفي حين تقرع طبول الحرب من حول منبج، الواقعة غرب الفرات، وضعت زيارة الوفد التركي المكون من وزيري الخارجية مولود جاووش أوغلو والدفاع خلوصي آكار، ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، في الأسبوع الماضي إلى موسكو الأرضية للبدء بمعالجة تعقيدات الموقف في شرق الفرات. وهي تتلخص في قضيتين كبيرتين: الأولى حل عقدة قوات سورية الديمقراطية (قسد) ذات الغالبية الكردية، وهذه سوف تتولى روسيا حلها بالتفاهم مع النظام وتركيا؛ فالنظام يستعد للعودة إلى المنطقة، وتركيا تريد ضمانات أمنية للحدود مع سورية. ومن غير المستبعد أن يستوعب النظام هذه القوات التي يصل عددها إلى قرابة 75 ألف جندي قامت الولايات المتحدة بتسليحهم من أجل محاربة داعش. والقضية الثانية هي تنظيف جيوب داعش، والتي أوشكت على النهاية، وباتت محاصرة في مناطق الحدود العراقية - السورية لجهة البوكمال، وحصل تفاهم بين الحكومة العراقية والنظام السوري على التعاون من أجل القضاء عليها. كما أن هناك تفاهماً أميركياً - تركيا من أجل انخراط أنقرة في هذا العمل.
أما على صعيد جبهة النظام، فإن إعادة التأهيل لن تقتصر على إعادة فتح السفارات التي تم إغلاقها بقرار عربي في نهايات عام 2011، بل من المتوقع حصول اختراقات دبلوماسية، كانت قد مهدت لها زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق في 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ومن بين أهم المرشحين لزيارة دمشق، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يشتغل في اتجاهين كما تفيد أوساط دبلوماسية غربية. الأول، لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك في سياق تقديم ما يسمى صفقة القرن التي تشكل الاستحقاق الأكبر الذي يخص فلسطين. والثاني، زيارة العاصمة السورية. وقد لا ينتظر بن سلمان انعقاد القمة العربية في تونس في نهاية مارس/ آذار المقبل حتى يلتقي الأسد، وربما زار دمشق خلال فترة قريبة.

وفي جميع الأحوال، بات من شبه المؤكد أن حدث القمة العربية المقبلة سيكون عودة نظام الأسد إلى الحظيرة العربية، ونهاية فترة العزلة التي عاشها النظام بعد قرار تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، عندما زج النظام القوات المسلحة في عمليات قتل المتظاهرين السلميين. وتشكل عودة النظام إلى الجامعة انتصاراً لتيار الثورة المضادة من جهة، ومن جهة ثانية قطع الطريق على إمكانية محاكمة النظام السوري بسبب جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها على مدار 8 سنوات. وتنبع حاجة السعودية والإمارات ومصر إلى التطبيع مع النظام السوري من رغبة الرياض في طيّ ملف قتل الصحافي والكاتب جمال خاشقجي، وسعي أبوظبي والقاهرة لإعلان انتصار الثورة المضادة التي كانت تتعامل مع نظام الأسد رغم قرار المقاطعة، وشاركتا في محاصرة الثورة السورية على نحو حثيث في السنوات الثلاث الماضية.

والاستحقاق السوري الذي يأتي في المرتبة الثانية، وهو مطروح على جدول أعمال الأمم المتحدة، يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية التي من المقرر أن تضع دستوراً جديداً. وكان من المنتظر أن يتم الاتفاق حولها نهاية العام الماضي، لكن التعنت الروسي - الإيراني حال دون ذلك. وعلى الرغم من الضجة الكبيرة من حولها، فإن مجريات الوضع، وإعادة تأهيل النظام تجعل من مخرجاتها بلا قيمة كبيرة.

استحقاقات تونسية

المحطة الثانية، وهي على قدر كبير من الأهمية، تتمثل في استحقاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس، والمقررة في الخريف المقبل. وتنبع أهميتها من الهجوم الكاسح للثورة المضادة  من أجل تصفية التجربة العربية الوحيدة التي نجحت نسبياً في امتحان الربيع العربي، على الرغم من أنها تعيش تجاذبات سياسية عنيفة، ومهددة من العمليات الإرهابية التي أضعفت قدرة البلد على مواجهة التحديات الاقتصادية. وتدور معركة في تونس حول القرار السياسي وقيادة المرحلة المقبلة، وهناك ضغط شديد لإعادة المشهد إلى الوراء، وإعادة أنصار النظام القديم من خلال إقصاء معارضة نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وخلط الأوراق السياسية من أجل فتح الباب لرياح الثورة المضادة التي تمولها الرياض وأبوظبي. وقدمت زيارة بن سلمان الأخيرة إلى تونس دليلاً كبيراً على محاولات جرّ تونس إلى محور السعودية والرياض. ولذا سوف تكون المدة التي تفصل عن الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل والرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حافلة بالشد والجذب في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وتحركات نقابية ذات طابع مطلبي تهدد بإحداث خضات اجتماعية وسياسية.

السودان والجزائر
كذلك توجد محطتان عربيتان يتابعهما العالم بقلق شديد، هما السودان والجزائر. وفي حين أن قطار التغيير السوداني غادر المحطة منذ حوالي ثلاثة أسابيع، فإن الجزائر تنتظر حدث الانتخابات الرئاسية هذا العام، والذي يدور حول ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في انتخابات إبريل/نيسان المقبل.

لا يبدو أن هناك مخرجاً أمام الحكم السوداني للخروج من الأزمتين الاقتصادية والسياسية، ويقدم الحراك الشعبي نفسه على نحو مركب، فلا يكفي أن يحصل الناس على الخبز وحده، فهم ينشدون الحرية أيضاً. وعلى الرغم من أن السودان شهد انتفاضات شعبية في السابق، إلا أن التظاهرات الراهنة ذات طابع مختلف من حيث شعاراتها ومطالبها، ونوعية المشاركين فيها الذين يتحدرون من فئات عمرية شابة، رجالية ونسائية، ومستويات اقتصادية متعددة تجمع بينها النقمة على فشل إدارة البلد بعد قرابة 30 عاماً من حكم البشير.

أما في الجزائر، فإن أزمة خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تشكل العقدة الكبرى. وعلى الرغم من أنها تُعتبر الموضوع رقم واحد الذي يشغل الجزائريين، فلا أحد لديه رؤية حول اتجاه ترتيبات إدارة البلاد بعد بوتفليقة الذي يعاني من وضع صحي صعب منذ سنوات. ويترقب الجزائريون هذا المشهد الذي يخيم عليه الغموض، والانتخابات الرئاسية فيه هي بمثابة فاصل قصير لا أكثر.

من العراق إلى فلسطين
هناك بلدان عربية أخرى ستعرف استحقاقات من نوع آخر، منها العراق والسعودية ولبنان والأردن وفلسطين. وتلخص عقدة تشكيل الحكومة في لبنان حالة العطالة التي وصلها هذا البلد الذي يعيش تراجعاً سريعاً على المستويين السياسي والإعلامي. أما في الأردن فإن الحكومة الجديدة برئاسة الخبير الاقتصادي عمر الرزاز لم تتمكن، بالرغم من مرور أشهر على بدء عملها، من تقديم حلول لمطالب الحراك الأردني الذي عاد من جديد إلى الشارع. وهناك إشارات تفيد بأنه يمكن أن يزداد قوة عن ذلك الذي شهدته البلاد في يونيو/حزيران الماضي. وقد يضغط هذا الوضع باتجاه تغييرات سياسية، وعبرت عن صعوبة الموقف جولات الرزاز في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى التعويل على عودة العلاقات مع نظام دمشق، وتسريع التبادل الاقتصادي مع العراق. ويشهد العراق هو الآخر صعوبات كبيرة من أجل تحقيق التوافق الداخلي بسبب التدخلات الخارجية، ويتجلى ذلك في عقدة استكمال تشكيل الحكومة بعد أكثر من ستة أشهر على الانتخابات التشريعية. ويشكل حل هذه العقدة مدخلاً لتفعيل المؤسسات العراقية.

ومن الاستحقاقات المنتظرة أيضاً إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية في الربيع المقبل. ومن شأن هذه المحطة إن تم بلوغها بأمان أن تفتح الطريق أمام حل للنزاع الليبي. هذا على صعيد المحطات العربية المنظورة التي تمثل أهم الاستحقاقات في عام 2019.

أما بصدد المحطات غير المجدولة زمنياً، فإن مصر تجمع أكبر قدر من الاستحقاقات المعطلة، والخطير في الأمر أنها باتت تشكل نموذجاً فريداً في تجفيف الحياة السياسية. ومنذ انقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو/تموز 2013، تراجعت مصر في ما يخص العملية الديمقراطية على نحو دراماتيكي، وصارت كافة مظاهر ممارسة الانتخابات معطلة أو شكلية أو مجيرة للوضع الجديد، وهذا ما يفسر التدهور العام سياسياً واقتصادياً وإعلامياً.
وهناك ملفات مفتوحة من السنوات الماضية في عدد من البلدان العربية، وتشكل الأزمة الخليجية أبرزها. ومن مطالعة للخط العام لهذه الأزمة، لا تبدو هناك مؤشرات على انفراج قريب بسبب تعنت أبوظبي والرياض، والإصرار على سياسة المقاطعة والحصار لقطر بالرغم من أن الدوحة استطاعت أن تلغي مفاعيل الحصار من الناحية الاقتصادية، ولم تؤثر عليها الأزمة سياسياً، بل زادتها قوة بحسب مراقبين دوليين.

المساهمون