مصير منبج رهن تفاوض دولي... و"قسد" تلجأ للنظام السوري

28 ديسمبر 2018
قوات للجيش الحر وصلت لحدود منبج أخيراً(نذير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
تتصدر مدينة منبج السورية واجهة الحدث، مع تسارع التطورات السياسية والعسكرية حول مصير المدينة الواقعة شرقي مدينة حلب، في ظل احتدام تنافس روسي وتركي للوصول أولاً إلى هذه المدينة التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، فيما يبدو أن هذه الوحدات تسعى لتجنّب المواجهة مع الجيش التركي عن طريق عقد "صفقة" مع النظام السوري، الذي يحاول استغلال الموقف من أجل إجبار الجانب الكردي على تسليم كامل منطقة شرقي الفرات.

وهدأت نبرة الحرب التي تصاعدت الثلاثاء والأربعاء بانتظار بلورة المزيد من التفاهمات حول المدينة، وتحديداً بين تركيا وروسيا، وتركيا والولايات المتحدة، ومن المنتظر أن تستقبل موسكو وفداً تركياً رفيع المستوى، فيما يزور مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أنقرة خلال أيام. من جهتها، تعوّل المعارضة السورية على انقسامات داخل "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بعدما طفا على السطح خلاف بين تيارين داخل هذه القوات التي تضم فصائل غير متجانسة.

أما الوحدات الكردية، النواة الصلبة في "قسد"، فلا تزال تحاول تجنّب عملية تركية، من خلال السعي لصفقة مع النظام، تتيح للأخير العودة إلى الحدود السورية التركية، للحيلولة دون بدء الجيش التركي عملية عسكرية من المتوقع أن تفضي للقضاء على الوحدات الكردية والفصائل المتحالفة معها في تلك المنطقة. وأكدت مصادر مقربة من "قسد" لـ"العربي الجديد" أن اجتماعاً عُقد في قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري منذ أيام بين شخصيات من هذه القوات وضباط روس، للتباحث في مصير المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات بعد الانسحاب الأميركي من سورية، والذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام. وكشفت المصادر أن وفداً من النظام السوري حضر المباحثات، التي انتهت من دون اتفاق بسبب إصرار النظام على السيطرة الكاملة على كل الأراضي الخاضعة لـ"قسد" غربي نهر الفرات وشرقه، لكن قيادة "قسد" وافقت فقط على تمركز قوات النظام على كامل الحدود السورية التركية تجنّباً لعمل عسكري تركي، لكن بضمانات روسية. كما كشفت المصادر أن الأمم المتحدة تسعى وراء "تسوية" في منطقة شرقي الفرات تجنّب المدنيين ويلات حروب متوقعة، مضيفة: "ربما تكون هناك منطقة حظر جوي في المنطقة لحماية المدنيين".

وتحاول الوحدات الكردية تجنّب عمل عسكري من قبل الجيش التركي في مدينة منبج غربي الفرات، ولاحقاً في منطقة شرقي الفرات حيث تسيطر الوحدات على أغلب هذه المنطقة التي تشكل أكثر من ربع مساحة سورية (أكثر من 40 ألف كيلومتر مربع). وتقع مدينة منبج، التي يشكّل العرب غالبية مطلقة من سكانها، على بعد 85 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من حلب، وتعد كبرى مدن الريف الحلبي، وتتمتع بموقع جغرافي يُفسر سبب تنافس أطراف الصراع في سورية على السيطرة عليها. وانتزعت "قسد" السيطرة على منبج من تنظيم "داعش" منتصف العام 2016، بعد 56 يوماً من الحصار والقصف المكثف من قبل قوات التحالف الدولي.

في المقابل، يواصل الجيش التركي حشد المزيد من التعزيزات العسكرية على الحدود السورية التركية استعداداً كما يبدو للبدء بعمل عسكري لانتزاع السيطرة على مدينة منبج وبعض ريفها للقضاء على خطر الوحدات الكردية التي يعتبرها نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني" المصنف في خانة التنظيمات "الإرهابية". وذكرت وكالة "الأناضول" التركية أمس الخميس أن "التعزيزات تضم ناقلات جنود مدرعة جرى إحضارها من ولاية جانقيري شمالي تركيا، ووصلت إلى منطقة ألبيلي في كليس، وسط إجراءات أمنية مشددة". ونقلت الوكالة عن "مصادر عسكرية" أن التعزيزات "جرى توجيهها إلى الوحدات المتمركزة على الحدود مع سورية"، مضيفة: "تتوالى تعزيزات الجيش التركي إلى المنطقة، وسط ترقب لإطلاق عملية عسكرية ضد تنظيمات إرهابية شمالي سورية". وأكدت "الأناضول" أنها رصدت أنفاقاً جديدة للوحدات الكردية على أطراف مدينة منبج السورية، استعداداً للحملة العسكرية التركية المرتقبة. ونشرت الوكالة صوراً لما قالت إنها "أعمال حفر بغية زيادة طول الأنفاق المحفورة سابقاً"، مشيرة إلى أن الوحدات الكردية "تستخدم في أعمال الحفر آليات وعربات يدوية، وتعمل على إنارة الأنفاق بالتيار الكهربائي". وذكرت الوكالة أن "الأنفاق تحيط بأطراف المدينة، وصُممت لتتسع للمعدات القتالية ولعبور الإرهابيين دون انحناء"، مشيرة إلى أن مسلحي الوحدات يحاولون "من خلال الأنفاق التي أنشأوها في المناطق الصخرية، الاختباء من الضربات الجوية والالتفاف على الجنود الأتراك من الخلف، وشن هجمات مفاجئة".


وكانت التوقعات تتحدث عن إمكان بدء العملية العسكرية التركية الأربعاء بمشاركة آلاف من الجيش السوري الحر، ولكن تم إرجاء العملية لحين بلورة تفاهم تركي مع الجانب الروسي الذي يحاول استثمار الموقف للحصول على مكاسب على الأرض لصالح النظام السوري.
ومن المنتظر أن يزور السبت وفد تركي رفيع المستوى موسكو ويضم وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو والدفاع خلوصي آكار ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، إضافة إلى المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، من أجل وضع الترتيبات النهائية لمصير مدينة منبج ومحيطها. واستبقت موسكو الزيارة برفع سقف مطالبها، إذ قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الأربعاء، إنه "يجب أن تسيطر السلطات السورية على الأراضي التي سيخرج منها الأميركيون"، في إشارة إلى رفض موسكو دخول الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية إلى مدينة منبج ومحيطها.
بالتوازي، يزور مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، تركيا مطلع العام 2019، كما سيتوجه وفد تركي يترأسه نائب وزير الخارجية سادات أونال، إلى الولايات المتحدة، من دون تحديد موعد الزيارة.

في غضون ذلك، يواصل النظام حربه الإعلامية تجاه مدينة منبج، إذ زعمت وسائل إعلام تابعة له أمس الخميس أن قوات النظام ومليشيات تتبع لها "تستعد لدخول منبج". ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية عن "مصادر ميدانية" أن الوحدات الكردية "استعدت بشكل جيد لمعركة شرق الفرات على طول الحدود السورية التركية، ولا سيما في المناطق التي حشد فيها الجيش التركي تعزيزاته مقابل مدينتي رأس العين وتل أبيض شمال الحسكة". وزعمت المصادر أنه "ليس بمقدور أنقرة إحراز نصر عسكري سهل خلال فترة وجيزة كما تتوقع"، مشيرة إلى أن "قسد" حفرت أنفاقاً "على طول حدود المناطق المنتخبة لشن هجمات برية من الجيش التركي وفصائل المعارضة".

مقابل ذلك، يبدو أن المعارضة السورية المسلحة تعوّل على فصائل عربية وغير عربية منضوية في قوات "قسد" تعارض التقارب مع قوات النظام، وترفض عودة الأخيرة إلى منطقة منبج وشرقي الفرات وتعتبر هذا الأمر "خيانة". وكشف القيادي في الجيش السوري الحر، مصطفى سيجري، لـ"العربي الجديد"، أن هناك قنوات اتصال مع هذه الفصائل، مشيراً إلى أن نتائج الاتصالات "جيدة"، مضيفاً: "هناك صراع كبير داخل قسد بين من يريد المواجهة العسكرية وبين من يطالب بحل سلمي". وكشف سيجري أنه "يتم حالياً التنسيق بين الطرفين التركي والأميركي لانسحاب الجنود الأميركيين من مدينة منبج".
وتضم "قوات سورية الديمقراطية" التي تشكلت أواخر عام 2015، فصائل غير متجانسة (عربية وتركمانية وكردية) ضاقت ذرعاً، وفق مصادر، بمحاولات الوحدات الكردية الهيمنة على القرار داخل هذه القوات، خصوصاً في قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل منطقة شرقي الفرات التي يشكّل العرب أغلبية سكانها، وحاولت الوحدات وسمها بطابعها.