مع مرور أكثر من شهر على جريمة قتل الكاتب والصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية المملكة في إسطنبول، وتعثّر كل المحاولات الرامية لإخراج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من المشهد، وهو المتهم الأول بإصدار أمر تنفيذ الجريمة، انتقل الأخير على ما يبدو إلى مرحلة جديدة عنوانها المناورة لمحاولة تخفيف الضغوط عليه، بعدما باتت آراء عدة تتفق في الغرب على وصفه بالمتهور والطاغية الذي يبني سياسته على البطش بكل من يعتقد أنه قد يشكّل تهديداً له، ما أدخل السعودية في أسوأ أزمة دبلوماسية تواجهها منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وحوّل بن سلمان إلى عامل تهديد لاستقرار المملكة من جهة والمنطقة من جهة أخرى.
والإصرار الذي تبديه دول عدة على محاسبة جميع المتورطين في جريمة تصفية خاشقجي يشكل عامل القلق الأول لولي العهد السعودي خصوصاً في ظل الإشارات الأميركية إلى أنها ستمضي في هذا الاتجاه وإن ربطت هذا الأمر بعدم المساس بعلاقتها الاستراتيجية مع السعودية. وهو ما أعاد تأكيده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إذ نقل عنه قوله في مقتطفات من مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" أمس، "إننا سنحاسب كل المسؤولين عن مقتل خاشقجي مع الحفاظ على علاقتنا الاستراتيجية بالرياض". وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان قد خدع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمسؤولية عن مقتل خاشقجي، قال بومبيو "لقد اعترف السعوديون بأن الجريمة كانت مدبرة"، مضيفا "لقد بدأنا في توجيه اللوم لبعض المسؤولين وألغينا تأشيرات 16 فردا ممن تمكنّا من تحديدهم حتى الآن". وأضاف "إننا نعمل بحكمة على تقصي الحقائق حول مقتل خاشقجي"، كاشفاً أن بلاده "تتواصل مع تركيا بشكل يومي بخصوص القضية، وتطلع على كامل التفاصيل المرتبطة بالأمر".
في موازاة ذلك، وفي محاولة للالتفاف على الضغوط بالتزامن مع مرور عام كامل على حملة الاعتقالات التي نفذها بن سلمان في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وشملت عشرات الأمراء ورجال الأعمال المنافسين له، أفرجت السلطات السعودية عن الأمير خالد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، شقيق الأمير ورجل الأعمال الوليد بن طلال، بعد اعتقال دام 11 شهراً على خلفية انتقاده حملة اعتقالات "ريتز كارلتون" التي قام بها بن سلمان. ويأتي الإفراج عن الأمير خالد بن طلال، وعودة الأمير أحمد بن عبدالعزيز إلى الرياض قبل أيام بعد عام كامل أمضاه في منفاه الاختياري في العاصمة البريطانية لندن خوفاً من الاعتقال، ليشكل أحدث محاولة لولي العهد لتحسين صورته أمام الأسرة الحاكمة أولاً، وأمام الشعب السعودي ثانياً، خصوصاً بعد تحميل مسؤولية مقتل خاشقجي لنائب مدير الاستخبارات أحمد عسيري، ومستشار الديوان الملكي البارز سعود القحطاني، وهما أبرز المقربين منه، إلى جانب 15 عنصراً آخر كانوا ضمن فرقة الاغتيال بينهم مسؤولون مباشرون في فريقه الأمني.
الإفراج عن الأمير خالد بن طلال، يعزز الاعتقاد، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بأنه قد يتم الإفراج عن مسؤولين آخرين لا يزالون محتجزين، وبينهم أمير الرياض السابق تركي بن عبدالله، والملياردير محمد العمودي. ونقلت الصحيفة عمن قالت إنه مصدر رفيع مطلع داخل الأسرة المالكة، إن "القيادة تريد أن تُظهر أنها ترغب في التغيير، وتأخذ خطوات جادة"، مضيفاً "إخلاء سبيل الأمير خالد له دلالة رمزية نظراً لأنه اعتُقل لانتقاده ولي العهد السعودي".
ويتوقع مراقبون أن يضغط أمراء ينتمون إلى الحرس القديم داخل الأسرة الحاكمة على بن سلمان لاستنساخ تجارب الملوك السابقين في التهدئة والإفراج عن المعتقلين وتقريبهم ومنحهم مناصب شرفية بعد اعتقالهم، وهي سياسة سعودية قديمة قامت الحكومة بتطبيقها لسنوات مع المعارضين الإسلاميين والشيعة والشيوعيين في القرن الماضي.
اقــرأ أيضاً
وأدت حملة الاعتقالات التي كانت تهدف إلى تقليص نفوذ أمراء الأسرة الحاكمة المنافسين لبن سلمان على سدة الحكم وحلفائهم من رجال الأعمال، إلى اعتقال العشرات منهم، وعلى رأسهم الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني السابق ونجل العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وهو كان يدير الحرس الوطني، وكان والده يمهده لولاية العهد أثناء فترة حكمه. كما جرى اعتقال شقيقه الأمير تركي بن عبدالله ورئيس الديوان الملكي الأسبق خالد التويجري ورجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال وعشرات الأمراء، وإجبارهم على التنازل عن نحو 100 مليار دولار من ثرواتهم، وتصوير هذه الحملة على أنها حملة ضد الفساد ولاسترداد الأموال المسروقة.
وعلى الرغم من قيام السلطات بالإفراج عن غالبية المعتقلين بعد وصولهم إلى تسوية نهائية، مثل رجل الأعمال بكر بن لادن، والوليد بن طلال، وصالح كامل، وعادل فقيه، وإبراهيم العساف، وسعود الدويش، فإن مصير عدد آخر من رجال الأعمال والأمراء لا يزال مجهولاً، وسط تأكيدات بمقتل شخص واحد على الأقل تحت التعذيب، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، هو اللواء علي القحطاني، مدير مكتب الأمير تركي بن عبدالله.
كما لا يزال مصير الأمير تركي بن عبدالله نفسه مجهولاً، ولم تفرج السلطات عنه مع أخيه الأمير متعب، فيما قال شيخ قبلي نافذ في الكويت وتربطه علاقات نسب مع الأمير تركي الذي ينحدر أخواله من قبيلة شمر، لـ"العربي الجديد"، إن مصير الأمير تركي لا يزال مجهولاً حتى لأهله، وعائلته لم تتلق اتصالاً منه منذ ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي. وفي حال لا يزال الأمير تركي حياً حتى الآن، فإن توقعات تتحدث عن إمكان قيام بن سلمان بالإفراج عنه، في ظل الضغوط الدولية والانتقادات التي توجّه له. كما لا يزال مصير رجل الأعمال السعودي-الإثيوبي محمد العمودي مجهولاً، وسط مطالبات السلطات الأثيوبية للسعودية بالإفراج عنه، وهو يُعدّ أحد أهم التجار المتعاونين مع جناح الأمير سلطان بن عبدالعزيز داخل السعودية، وكان مسؤولاً عن عشرات الصفقات التي أبرمها الأمراء السعوديون طوال 30 عاماً ماضياً.
وشملت قائمة رجال الأعمال الذين اعتقلوا في "ريتز" ولم تتوصل السلطات لتسوية مناسبة معهم، الداعية الإسلامي ورجل الأعمال المنحدر من مدينة جدة، وليد فتيحي، والذي نُقل إلى سجن ذهبان في جدة، وسط ظروف صحية سيئة. ويملك فتيحي علاقات واسعة بالمجالس الإسلامية في الولايات المتحدة، مما يجعل الإفراج عنه ورقة بيد بن سلمان.
لكن الضغوط الدولية التي يواجهها ولي العهد السعودي بعد جريمة قتل خاشقجي، قد تؤدي في النهاية إلى إفراجه عن معتقلين آخرين في سجونه، وهم معتقلو "حملة سبتمبر"، وغالبيتهم من النشطاء والدعاة الإسلاميين المنتمين لـ"تيار الصحوة"، أكبر التيارات الدينية في البلاد. ومن هؤلاء الداعية الإسلامي سلمان العودة، الذي وجّهت له النيابة العامة 37 تهمة وطالبت بإعدامه، كما وجهت تهماً أخرى لدعاة آخرين مثل عوض القرني وعلي العمري. ولا يحظى الإسلاميون برصيد كبير لدى دوائر صناعة القرار الغربية، لكن مقتل خاشقجي زاد من التركيز بشكل كبير على الاعتقالات في السعودية، كما أن عبدالله العودة نجل سلمان العودة، قد بدأ بالكتابة في صحيفة "واشنطن بوست"، ما يعني المزيد من الضغط على ولي العهد.
في موازاة ذلك، وفي محاولة للالتفاف على الضغوط بالتزامن مع مرور عام كامل على حملة الاعتقالات التي نفذها بن سلمان في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وشملت عشرات الأمراء ورجال الأعمال المنافسين له، أفرجت السلطات السعودية عن الأمير خالد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود، شقيق الأمير ورجل الأعمال الوليد بن طلال، بعد اعتقال دام 11 شهراً على خلفية انتقاده حملة اعتقالات "ريتز كارلتون" التي قام بها بن سلمان. ويأتي الإفراج عن الأمير خالد بن طلال، وعودة الأمير أحمد بن عبدالعزيز إلى الرياض قبل أيام بعد عام كامل أمضاه في منفاه الاختياري في العاصمة البريطانية لندن خوفاً من الاعتقال، ليشكل أحدث محاولة لولي العهد لتحسين صورته أمام الأسرة الحاكمة أولاً، وأمام الشعب السعودي ثانياً، خصوصاً بعد تحميل مسؤولية مقتل خاشقجي لنائب مدير الاستخبارات أحمد عسيري، ومستشار الديوان الملكي البارز سعود القحطاني، وهما أبرز المقربين منه، إلى جانب 15 عنصراً آخر كانوا ضمن فرقة الاغتيال بينهم مسؤولون مباشرون في فريقه الأمني.
الإفراج عن الأمير خالد بن طلال، يعزز الاعتقاد، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، بأنه قد يتم الإفراج عن مسؤولين آخرين لا يزالون محتجزين، وبينهم أمير الرياض السابق تركي بن عبدالله، والملياردير محمد العمودي. ونقلت الصحيفة عمن قالت إنه مصدر رفيع مطلع داخل الأسرة المالكة، إن "القيادة تريد أن تُظهر أنها ترغب في التغيير، وتأخذ خطوات جادة"، مضيفاً "إخلاء سبيل الأمير خالد له دلالة رمزية نظراً لأنه اعتُقل لانتقاده ولي العهد السعودي".
ويتوقع مراقبون أن يضغط أمراء ينتمون إلى الحرس القديم داخل الأسرة الحاكمة على بن سلمان لاستنساخ تجارب الملوك السابقين في التهدئة والإفراج عن المعتقلين وتقريبهم ومنحهم مناصب شرفية بعد اعتقالهم، وهي سياسة سعودية قديمة قامت الحكومة بتطبيقها لسنوات مع المعارضين الإسلاميين والشيعة والشيوعيين في القرن الماضي.
وأدت حملة الاعتقالات التي كانت تهدف إلى تقليص نفوذ أمراء الأسرة الحاكمة المنافسين لبن سلمان على سدة الحكم وحلفائهم من رجال الأعمال، إلى اعتقال العشرات منهم، وعلى رأسهم الأمير متعب بن عبدالله، وزير الحرس الوطني السابق ونجل العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وهو كان يدير الحرس الوطني، وكان والده يمهده لولاية العهد أثناء فترة حكمه. كما جرى اعتقال شقيقه الأمير تركي بن عبدالله ورئيس الديوان الملكي الأسبق خالد التويجري ورجل الأعمال الأمير الوليد بن طلال وعشرات الأمراء، وإجبارهم على التنازل عن نحو 100 مليار دولار من ثرواتهم، وتصوير هذه الحملة على أنها حملة ضد الفساد ولاسترداد الأموال المسروقة.
وعلى الرغم من قيام السلطات بالإفراج عن غالبية المعتقلين بعد وصولهم إلى تسوية نهائية، مثل رجل الأعمال بكر بن لادن، والوليد بن طلال، وصالح كامل، وعادل فقيه، وإبراهيم العساف، وسعود الدويش، فإن مصير عدد آخر من رجال الأعمال والأمراء لا يزال مجهولاً، وسط تأكيدات بمقتل شخص واحد على الأقل تحت التعذيب، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، هو اللواء علي القحطاني، مدير مكتب الأمير تركي بن عبدالله.
وشملت قائمة رجال الأعمال الذين اعتقلوا في "ريتز" ولم تتوصل السلطات لتسوية مناسبة معهم، الداعية الإسلامي ورجل الأعمال المنحدر من مدينة جدة، وليد فتيحي، والذي نُقل إلى سجن ذهبان في جدة، وسط ظروف صحية سيئة. ويملك فتيحي علاقات واسعة بالمجالس الإسلامية في الولايات المتحدة، مما يجعل الإفراج عنه ورقة بيد بن سلمان.
لكن الضغوط الدولية التي يواجهها ولي العهد السعودي بعد جريمة قتل خاشقجي، قد تؤدي في النهاية إلى إفراجه عن معتقلين آخرين في سجونه، وهم معتقلو "حملة سبتمبر"، وغالبيتهم من النشطاء والدعاة الإسلاميين المنتمين لـ"تيار الصحوة"، أكبر التيارات الدينية في البلاد. ومن هؤلاء الداعية الإسلامي سلمان العودة، الذي وجّهت له النيابة العامة 37 تهمة وطالبت بإعدامه، كما وجهت تهماً أخرى لدعاة آخرين مثل عوض القرني وعلي العمري. ولا يحظى الإسلاميون برصيد كبير لدى دوائر صناعة القرار الغربية، لكن مقتل خاشقجي زاد من التركيز بشكل كبير على الاعتقالات في السعودية، كما أن عبدالله العودة نجل سلمان العودة، قد بدأ بالكتابة في صحيفة "واشنطن بوست"، ما يعني المزيد من الضغط على ولي العهد.