وما كان يتداول همساً عن احتمال أن يكون للأمير أحمد دور سياسي في المرحلة المقبلة، عززته وكالة رويترز، التي نشرت أمس الثلاثاء، تقريراً تضمن حديث ثلاثة مصادر وصفتها بأنها مقربة من القصر الملكي في السعودية، يفيد بأن العشرات من الأمراء وأبناء العم من فروع أسرة آل سعود يسعون إلى منع بن سلمان من الوصول إلى العرش على خلفية جريمة خاشقجي. وبحسب المصادر، فإن الأمراء لن يمضوا في هذا الطريق بينما لا يزال الملك سلمان (82 عاماً) على قيد الحياة، لكنهم يناقشون مع أفراد العائلة الآخرين إمكانية تنصيب الأمير أحمد بن عبد العزيز ملكاً، وهو شقيق للملك سلمان. وقال أحد المصادر للوكالة إن "الأمير أحمد سيحصل على دعم أفراد العائلة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية". كما نقلت "رويترز" عن مصادر سعودية، على اطلاع مباشر على المشاورات، أن مسؤولين أميركيين كباراً أشاروا لمستشارين سعوديين في الأسابيع الأخيرة، إلى أنهم سيؤيدون الأمير أحمد. وقالت تلك المصادر إنها على ثقة بأن الأمير أحمد لن يغير أو يلغي أياً من الإصلاحات الاجتماعية أو الاقتصادية التي نفذها محمد بن سلمان، وإنه سيحترم تعاقدات السلاح القائمة، وسيعيد وحدة الصف لأسرة آل سعود. مع العلم أن الأمير أحمد، وبحسب مصدرين سعوديين، كان أحد ثلاثة من أعضاء هيئة البيعة الذين عارضوا تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد منتصف عام 2017.
وولد الأمير أحمد بن عبد العزيز، الابن الـ31، للملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود في مدينة الرياض في العام 1942، كأصغر أبناء الأميرة حصة السديري، والدة جناح السديريين داخل الأسرة الحاكمة والذين يعرفون في الرياض باسم "السديريين السبعة"، وهم الملك فهد والأمير سلطان والأمير تركي والأمير نايف والأمير عبد الرحمن والملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، بالإضافة إلى أحمد.
ودرس أحمد في مدارس الرياض المخصصة لأبناء الملك وبقية الأمراء، قبل أن يبتعث للدراسة في الولايات المتحدة، حيث حضر فصولاً في جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم تخرّج في جامعة "ريدلاينز" بتخصص العلوم السياسية في العام 1968، وهي الجامعة ذاتها التي حصل فيها على الدكتوراه الفخرية في العام 1999، نظير جهوده وتبرعاته لها. وبعد عودته من الدراسة في الخارج، عُيّن الأمير أحمد وكيلاً لإمارة مكة في العام 1971، حيث تولى أعمالاً هامشية في إدارة البلديات ورصف الطرق وتشجير المدن. لكن النقلة السياسية في حياة الأمير أحمد كانت في العام 1975، عندما تقرر تعيينه نائباً لوزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز، إذ حصل، بحكم منصبه، على صلاحية الاطلاع على كافة الملفات الأمنية، كما ساهم في وأد الكثير من الأحداث المهمة في تاريخ البلاد، أبرزها حادثة اقتحام جماعة جهيمان العتيبي الحرمَ المكي وسيطرتها على الكعبة في العام 1979. لكن صلاحيات الأمير، الذي يُعد من القلة القليلة ممّن استطاعوا إكمال الدراسة الجامعية في الخارج من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، تعرضت للتهديد في 1999 حين عيّن وزير الداخلية الأمير نايف ابنه الأمير محمد نائباً آخر لوزير الداخلية وأوكل إليه بعض الملفات المهمة.
وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وقيام تنظيم "القاعدة" بإعلان الحرب على السعودية، عبر تبنيه سلسلة من التفجيرات في العاصمة الرياض ومدن أخرى استهدفت تجمعات الجاليات الغربية، لمع نجم الأمير محمد بن نايف على حساب عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز، حتى بات يُعرف بجنرال الحرب على الإرهاب. ورغم صعود نجم نجل نايف في وزارة الداخلية وإمساكه بملفات مهمة، بقي عمه الأمير أحمد محتفظاً بمكانته، كونه الشقيق الأصغر للملك فهد آنذاك، وأحد "السديريين السبعة" الذين سيطروا على مفاصل الدولة. وفي 18 يونيو/حزيران 2012، أصدر العاهل السعودي الراحل، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، قراراً بتعيينه وزيراً للداخلية، لكنه أقيل من منصبه في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته، وتعرض للإقصاء بسبب طموحه في الحكم وترتيبه المتقدم في سلسلة الأمراء بعد وفاة إخوته الكبار. وفي محاولاته لنقل السلطة لابنه الأمير متعب بن عبدالله، قام العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز بتعيين الأمير مقرن، وهو أصغر من الأمير أحمد سناً، كولي لولي العهد في العام 2014، إذ إن والدته كانت (جارية يمانية) كما أنه ليس له أخوال، ولم يكن يملك أي قوة سياسية أو عسكرية على الأرض، وكان تعيينه يهدف إلى ترتيبات معينة تقضي بإبعاد ولي العهد آنذاك سلمان بن عبدالعزيز عن ولاية العهد بسبب مرضه، ومن ثم تولي الأمير مقرن منصب ولاية العهد وتعيين متعب بن عبدالله ولياً لولي العهد، ومن ثم إزاحة مقرن وتنصيب متعب. ثم غادر الأمير أحمد الرياض غاضباً بعد قيام هيئة البيعة، التي شكلها الملك عبدالله، بتجاهل مطالبه في الحكم كونه الأحق. وتعرض أحمد للتجاهل مرة أخرى عندما قرر الملك سلمان إزاحة الأمير مقرن من منصب ولاية العهد وتعيين ابنه الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد.
وبعد قيام الأمير محمد بن سلمان بشن حملة اعتقالات ضخمة ضد الأمراء وحلفائهم من رجال الأعمال، في ما بات يعرف بحملة "الريتز كارلتون"، نسبة إلى الفندق الذي تم تحويله إلى معتقل كبير، غادر الأمير أحمد البلاد هارباً إلى المنفى، حيث التزم الصمت تجاه محمد بن سلمان ولم يؤيده أو يدينه، لكنه دان حرب اليمن في تصريح أمام متظاهرين غاضبين خارج مقر إقامته في لندن، إذ التفت لهم وقال: "آل سعود لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الموضوع، والمسؤولون هم الملك وولي عهده". وأضاف أنه يتمنى أن تنتهي الحرب في اليمن اليوم قبل الغد، لكن وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" نشرت تصريحاً على لسان أحمد قال فيه إن تصريحه السابق فُهم بطريقة خاطئة، وهو ما يعكس تخوف الأمير محمد بن سلمان من الثقل الذي لا يزال أحمد يمثله داخل الأسرة الحاكمة. وجاءت جريمة قتل جمال خاشقجي، والقناعة الأميركية والغربية بتورط بن سلمان وفريقه فيها، كهدية للأمير أحمد، بعد سنوات من الإقصاء، إذ حصل على ضمانات غربية تضمن سلامته بعد عودته إلى الرياض ووعود بصلاحيات أكبر، كما بات وجوده ضرورياً للأسرة الحاكمة ولمحمد بن سلمان نفسه لرغبته في تصوير حالة من الرضا داخل الأسرة الحاكمة تجاهه.