ما وراء احتفاء إسرائيل بالرئيس البرازيلي الجديد

01 نوفمبر 2018
أنصار بولسونارو خلال الاحتفال بفوزه (كارل دي سوزا/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتأخر حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل في الترحيب بفوز مرشح اليمين المتطرف جايير بولسونارو في الانتخابات الرئاسية البرازيلية. كذلك تنافست النخب اليمينية الإسرائيلية فيما بينها على التوسع في عرض رهاناتها على صعود بولسونارو، فيما كانت الأعلام الإسرائيلية إلى جانب العلمين البرازيلي والأميركي حاضرة بكثرة في التجمعات الشعبية المؤيدة للرئيس البرازيلي اليميني المتطرف.

وسارع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاتصال ببولسونارو لتهنئته وأبلغه بأنه سيحرص على المشاركة في حفل تنصيبه. وكتب نتنياهو على حسابه على تويتر: "أتوقع أن يقود فوز بولسونارو إلى تكريس صداقة عظيمة بين شعبينا وتعاظم التعاون بين دولتينا".
بدوره، وصف وزير الاقتصاد الإسرائيلي، إيلي كوهين، في تغريدة على تويتر فوز بولسونارو بأنه يؤذن ببداية "عهد جديد من التعاون السياسي والاقتصادي بين إسرائيل والدولة الأكبر في أميركا الجنوبية".

من جهته نقل المعلق السياسي في صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية، أرئيل كهانا، عن مصدر حكومي في تل أبيب قوله إن البرازيل ستدعم إسرائيل بشكل مطلق بعد فوز بولسونارو.
احتفاء النخبة اليمينية في إسرائيل بفوز بولسونارو بدا واضحاً. مقدم البرامج الحوارية في قناة "20" اليمينية، شمعون ريكلين، الذي وصف في تغريدة على حسابه على "تويتر" بولسونارو بـ"المحب جداً لإسرائيل والذي لا يهمه استمرار الاحتلال"، قال إن فوز مرشح اليمين المتطرف يعكس "انتصار البرازيل للحكمة والتعقل".
وعند رصد تعهدات بولسونارو وتصريحاته أثناء حملته الانتخابية يَظهر أن رهانات الحكومة والنخبة اليمينية في إسرائيل تبدو في مكانها.

بولسونارو، الإنجيلي المتدين، ينتمي إلى تيار يدعم إسرائيل من منطلقات دينية، وتعهد بنقل السفارة البرازيلية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، إلى جانب التزامه بأن تكون إسرائيل أول دولة يزورها بعد توليه مقاليد الحكم. كذلك تعهد الرئيس البرازيلي الجديد بإغلاق السفارة الفلسطينية في البرازيل قائلاً إن فلسطين لا تمثل دولة. في الوقت نفسه، فإن بولسونارو، الذي زار تل أبيب قبل شهر من انتخابه، حرص على إبداء إعجابه بإسرائيل وأعرب عن رغبته في الاستعانة بالخبرات العلمية الإسرائيلية في مجال الزراعة وتحلية المياه والتقنيات العسكرية والسايبر. والأهم من ذلك ربما، أن الرجل تأمل منه إسرائيل وأميركا أن يؤدي دوراً كبيراً في محاربة شبكات التهريب المنتشرة بكثرة في مثلث حدود البرازيل والأرجنتين وباراغواي، ويعتقد على نطاق واسع أن حزب الله اللبناني يستفيد منها لتمويل نفسه.

ولا يعود الترقب الإسرائيلي لاستغلال فوز بولسونارو فقط لرغبة تل أبيب في توظيف الطاقة الكامنة في العلاقة مع العهد الجديد في البرازيل، إلى مكانة هذه الدولة السياسية بوصفها أحد الاقتصادات العملاقة في العالم، بل أيضاً لأن القيادة الإسرائيلية تتطلع إلى أن يقطع الرئيس الجديد مع السياسات التي اعتمدها أسلافه من اليسار الاشتراكي تجاه إسرائيل. وسبق أن وجهت البرازيل صفعة مدوية لإسرائيل خلال حرب 2014 على قطاع غزة عندما سحبت سفيرها من تل أبيب. ووصفت الرئيسة البرازيلية في ذلك الحين ديلما روسيف الحرب بأنها "مجزرة". يومها اشتاطت إسرائيل غضباً من القرار البرازيلي، ووصف المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلي القرار البرازيلي بأنه "تجسيد مؤسف للسبب الذي يجعل البرازيل، العملاق الاقتصادي والثقافي، تبقى قزماً دبلوماسياً".
كما وجهت الرئيسة روسيف صفعة أخرى لحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب عندما رفضت اعتماد داني دايان، الذي رشحه صديقه نتنياهو ليكون سفيراً هناك، بسبب خلفيته كمدير عام لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وهو ما أجبر نتنياهو على تعيين دايان قنصلاً في نيويورك.
كذلك اعترفت البرازيل، تحت حكم اليسار الاشتراكي، بالدولة الفلسطينية، وهو ما شجع الكثير من دول أميركا الجنوبية على اتخاذ موقف مماثل، إلى جانب حقيقة أن البرازيل ظلت تصوت بشكل مثابر ضد إسرائيل في المحافل الدولية. وبوصفها عضوا في مجموعة "الدول ذات الاقتصادات الصاعدة"(بريكس)، التي تضم أيضاً الصين، الهند، روسيا، وجنوب أفريقيا، اتخذت البرازيل موقفاً متشدداً إزاء إسرائيل، ورفضت الدعوات إلى التعاون معها. واستاءت إسرائيل كثيراً من معارضة البرازيل فرض العقوبات على إيران في العام 2009، إلى جانب استقبالها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وزيارة الرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا لطهران. وأثار دا سيلفا حنق الإسرائيليين عندما رفض عند زيارته تل أبيب عام 2010 وضع إكليل من الزهور على ضريح مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزيل، في حين لم يتردد في اعتمار الكوفية الفلسطينية وزيارة ضريح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات خلال زيارته لرام الله.

من هنا، فإن إسرائيل تراهن على فوز بولسونارو في تعزيز مكانتها الدولية، مستغلة مكانة البرازيل كقوة إقليمية رئيسة في أميركا الجنوبية وكقوة دولية. كذلك تعول تل أبيب على حدوث تحول في أنماط تصويت البرازيل في المحافل الدولية بما يمثل إسناداً لسياسات تل أبيب تجاه الشعب الفلسطيني. وتتوقع إسرائيل أن تعمد البرازيل تحت قيادة بولسونارو إلى تقليص علاقتها مع إيران وأن تتعاون مع إسرائيل في وقف تسلل إيران إلى أميركا الجنوبية. كما تراهن إسرائيل على أن القضية الفلسطينية في عهد بولسونارو لن تؤثر على سياسات البرازيل تجاه إسرائيل. واستمدت إسرائيل الكثير من التشجيع من بعض مقربي بولسونارو، الذين عبروا خلال حملته الانتخابية عن رفضهم لحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل (BDS). ولا يساور المسؤولين الإسرائيليون شك بأن رغبة بولسونارو الجامحة في تعزيز العلاقة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستمثل عاملاً مهماً إضافياً في دفعه لتعزيز العلاقات مع تل أبيب. لكن في المقابل، فإن هناك من يدعو القيادة الإسرائيلية إلى التعامل مع بولسونارو بحذر والحرص على عدم التماهي مع خطابه العنصري، على اعتبار أن هذا السلوك قد ينعكس سلباً على مصالح إسرائيل في مناطق أخرى وفي البرازيل في مرحلة ما بعد بولسونارو.

لويس إيناسيو لولا دا سيلفا
المساهمون