وقال الغنوشي، في كلمة له بمناسبة افتتاح الندوة السنوية الثانية لحركة "النهضة" اليوم السبت، إن "الحركة ترفض أن يبقى مصير بعض الشهداء غامضاً وجثثهم مخفية، وترفض أن يرى الضحية جلاده متباهياً بماضي الاستبداد ممجداً له"، مضيفاً أن "الحركة ترفض في المقابل بقاء هذا الملف جرحاً مفتوحاً نازفاً بشكل يقودنا إلى توريث الثأر والأحقاد".
وتبحث الحركة في أشغالها التي تمتد على مدى يومين دراسة الملفات الوطنية والحزبية للوصول إلى مقاربات ومخرجات تساعد على تدقيق سياسات الحزب ومواقفه وتساعد على إيجاد خطوط وآليات عملية لتحقيقها، هذا إلى جانب القيام بإصلاحات قد تشمل جهاز المكتب التنفيذي للحركة.
وتابع الغنوشي: "آن الأوان لنشقّ أخدوداً واسعاً نردم فيه كل الأحقاد وننطلق إلى المستقبل متخففين، أسوة بسيرة رسول الله يوم فتح مكة حينما قال: اذهبوا فأنتم أحرار، وأسوة بزعماء كبار مثل نيلسون منديلا".
وتأتي هذه التصريحات على خلفية الأزمة التي يعيشها البرلمان، بعد تعليق مشاركة ثلاث كتل برلمانية أشغالها، إلى حين تنفيذ قرار البرلمان السابق إيقاف أعمال هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بالعدالة الانتقالية، ما يعني تعطيل أشغال البرلمان وعدم إمكان المصادقة على أي قانون إلى حين الحسم في هذا الجدل، بما فيها التعديل الوزاري القريب وموازنة العام المقبل، إذا أصرت طبعاً على موقفها.
وترفض حركة "النهضة" ما تسميه بعض قياداتها "وأد العدالة الانتقالية" وشطب جزء من تاريخ تونس، خصوصاً أن غالبية المتضررين الذين تشملهم العدالة الانتقالية من منتسبيها، دون اعتذار ممن تسببوا في هذه الانتهاكات وجبر ضرر الضحايا.
وتأتي مبادرة الغنوشي كحل وسط لهذه القضية، تشمل الاعتراف وكشف الحقيقة والاعتذار وجبر الضرر، ولكنها تسقط في ما يبدو مبدأ المحاسبة، أي المحاكمات والسجن.
ويتوقع مراقبون أن تثير دعوة الغنوشي جدلاً داخل حركة "النهضة"، وخصوصاً أن بعض المتضررين والضحايا يرون أنه تم تقديم تنازلات كبيرة في ملف العدالة الانتقالية، وأن هذا التوجه لم تتم مناقشته داخل أُطر الحركة، فيما ترى القيادة أنه ينبغي بحث طريق جديد لا يسقط الحقيقة في الانتهاكات ولا يهمل حق الضحايا في جبر الضرر، ولكن يتجاوزها بسرعة إلى مرحلة جديدة من حياة الجمهورية الثانية، لأن هذا الملف ظل معطِّلاً أساسياً للدولة.
وكان أمين عام حزب "مشروع تونس"، محسن مرزوق، قال أمس في حوار مع إذاعة "موزاييك" إنه مع الفصل بين مساري العدالة الانتقالية، جبر الضرر والمحاكمات السياسية، مع الإشارة المهمة إلى أن حزب المشروع سيدخل في شراكة حكومية مع النهضة وكتلة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، بما يعني تحويل الاتفاق الاستراتيجي السياسي لحركة "النهضة" من التحالف مع الرئيس الباجي قائد السبسي إلى التحالف الثلاثي الجديد، ويعدّ الدستوريون (نسبة إلى الحزب الدستوري) والتجمعيون (نسبة إلى حزب التجمع المنحل) أهم روافده.
من جهة أخرى، وجّه الغنوشي اليوم اتهامات صريحة لـ"الجبهة الشعبية اليسارية"، قائلاً إنها تحاول "استصحاب خطاب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وسياساته في التعامل مع النهضة باعتبارها ملفّاً أمنياً وليست حزباً سياسياً وعمقاً اجتماعياً وثقافياً وفاعلاً، قاوم الاستبداد قبل الثورة ويساهم بعدها في بناء الجمهورية الثانية والدفاع عن الدولة من مواقع متقدمة بشرعية انتخابية وشعبية، وقيادة قاطرة المصالحة مع العائلة الدستورية التي تقبل بشرعية الثورة ودستورها ونظامها السياسي"، وهو ما يعني أنه مصرّ على عملية المصالحة مع العائلة الدستورية.
وحول علاقته برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، قال الغنوشي إن موقفهم من التوافق "نابع من إرادة تدعيم المسار لا القطيعة أو التنكر للعلاقة برئيس الجمهورية الذي كان له دور هام في الانتقال الديمقراطي والتصدي لمخططات الفتنة"، مؤكداً أنهم "حريصون على أن تبقى علاقتهم بالسبسي متينة في إطار شراكة استراتيجية قائمة حتى لو تباينت وجهات النظر في بعض الملفات".
وبين أن "النهضة" ستبحث عن "توافقات جديدة لحل الأزمة في إطار دستوري وعلى قاعدة المصلحة الوطنية وتأمين أغلبية برلمانية واسعة، داعياً إلى "تحوير وزاري جزئي لتعزيز العمل الحكومي من خلال تشكيل حكومة ائتلاف وطني مفتوحة لكل الأطراف السياسية للمشاركة فيها على قواعد الكفاءة والنزاهة والقدرة على الإنجاز".
وعلى صعيد القضايا الخارجية، قال إنّ "هذه الندوة تنعقد في مناخات تشبه في أوجه كثيرة المناخات التي فجرها المشهد التراجيدي لاحتراق البوعزيزي وما فجره في المنطقة والعالم من تعاطف معه ونقمة على الظروف التي قذفت به إلى ذلك المشهد التراجيدي"، مضيفاً أن "ذلك شبيه بالزلزال الذي أثاره الاغتيال الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي أيقظ الضمير الإنساني من سبات".
إلى ذلك، أكد المتحدث الرسمي لحركة النهضة، عماد الخميري في تصريح لـ"العربي الجديد،"، أنهم "يثمنون دور رئيس الجمهورية طيلة الـ4 سنوات، حيث إنه لم يجد من حركة النهضة سوى التأييد".
ولفت الخميري إلى أن "الاستقرار الحكومي مقاربة ليست حزبية تدافع عنها حركة النهضة بل هي مقاربة تفوق الأجندات الحزبية والشخصية خاصة أن التجربة بينت أن تغيير الحكومات لا يؤدي إلى تحسين الأوضاع أو تغييرها وبالتالي الاستقرار يجب أن يكون على قاعدة واضحة تقتضي التعجيل بالإصلاحات والمضي إلى الاستحقاقات الانتخابية".
ولمّح إلى أن الحركة "ستقوم بإصلاحات قد تشمل جهاز المكتب التنفيذي للحركة وهناك عدة أفكار ستناقش خلال الندوة السنوية لتطوير أداء المكتب التنفيذي ومؤسسات الحركة الجهوية والمحلية"، مبيناً أنه "سيتم إصدار توصيات قد تتعلق ببعض النقاط التي يجب إصلاحها".
وحول التحوير الوزاري المرتقب في تونس، أكد رئيس مجلس شورى حركة "النهضة"، عبد الكريم الهاروني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّه "من المنتظر أن يكون التحوير قبل مناقشة موازنة 2019 لتتم مناقشتها في ظل استقرار حكومي واضح المعالم ولكي تتم المناقشة في ظروف طيبة".
وبين أن البرلمان سينطلق في مناقشة الموازنة خلا شهر نوفمبر/تشرين الثاني وعليه الانتهاء منها قبل 10 ديسمبر/ كانون الأول وبالتالي لا بد من أن ينتهي التحوير الوزاري في أكتوبر/ تشرين الأول أو أقصى تقدير خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ولفت إلى أنّ التحوير "سيكون جزئياً وليس شاملاً لأن تونس ليس لها الوقت الكافي للتشاور على تشكيل الحكومة فعديد الملفات عالقة وبالتالي ليس من مصلحة تونس إحداث تغيير كامل على الحكومة".