الاستهداف الأميركي لـ"أونروا": سعي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين

18 يناير 2018
يمس القرار الأميركي 5 ملايين لاجئ (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -
أضيف قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الجديد بخفض الدعم الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) للنصف، عبر تجميد نصف مخصصات الدعم، إلى سلسلة من القرارات التي بدأ ترامب باتخاذها منذ وصوله إلى البيت الأبيض قبل عام، والهادفة في مجملها، لتصفية القضية الفلسطينية أو ما تبقى منها، لتمرير ما بات يصطلح على تسميته بـ"صفقة القرن"، والتي يتم التحضير لها بقرارات أميركية صادمة، وكما يبدو برعاية بعض الدول العربية لها، في مقابل رفض فلسطيني صارم، ما جعل المشهد الفلسطيني أكثر تعقيداً، مع توقعات بمزيد من العقوبات الأميركية على الفلسطينيين وعلى السلطة، نتيجة المواقف الرافضة لـ"صفقة القرن"، والتلويح بخيارات أخرى ورفض العودة للرعاية الأميركية لمفاوضات التسوية.

وتسير الإجراءات الأميركية لفرض "صفقة القرن" عبر خطوات متتابعة لتصفية عملية للقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها المسّ بالثوابت وأولها القدس المحتلة كعاصمة لفلسطين، وهو ما ترجم بإعلان ترامب أخيراً الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال فضلاً عن بدء إجراءات نقل السفارة الأميركية إليها. أما الفصل الثاني من تصفية القضية، فيتمثل في القضاء على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، الذي يعد من أهم الملفات في إطار ما يعرف بـ"الحل النهائي"، وهو ما يفسر الاستهداف الأميركي لـ"الأونروا"، بعد أشهر من تحريض إسرائيلي تولاه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، شخصياً عندما أطلق حملة تحريض، في يونيو/ حزيران الماضي، لتفكيك "الأونروا" ولدمج أجزائها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة". ولم تتأخر إسرائيل، أمس، بالاحتفاء بالقرار الأميركي، بزعم أن "الأونروا أثبتت مراراً وتكراراً أنها وكالة تسيء استخدام المساعدات الإنسانية للمجتمع الدولي، وتدعم بدلاً من ذلك الدعاية المناهضة لإسرائيل، وتديم محنة اللاجئين الفلسطينيين، وتشجع الكراهية"، بحسب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، في موازاة إعلان نتنياهو أن "الأميركيين يدرسون حالياً بجدية اقتراح إسرائيل أن يتم نقل الإشراف على اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى وكالة الأمم المتحدة للاجئين وليس للأونروا".

كما لا يمكن فصل الاندفاعة الأميركية لتمرير جميع الخطوات التي تراها، إلى جانب الاحتلال، ضرورية لتصفية جميع الحقوق الفلسطينية والتلويح بمزيد من الإجراءات، عن حالة الترويج غير المسبوقة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي يخوضها مسؤولون عرب بشكل شبه علني، فضلاً عن الدلائل التي تشير إلى دور سعودي واضح في الضغط على الفلسطينيين للقبول بالمقترحات التي تمسّ بثوابت القضية الفلسطينية، وأهمها اقتراح أبوديس عاصمة بديلة لفلسطين عن القدس المحتلة. وقد انعكس هذا الأمر في غياب المواقف العربية الواضحة تجاه الأزمات التي خلقها قرار ترامب بشأن القدس وتهديداته المستمرة للفلسطينيين.

لهذا السبب، فإن القرار الأميركي المتعلق بتقليص المساعدات لـ"الأونروا"، يبدو بجوانب متعددة وخطيرة، ويمهد لأسوأ وأكبر أزمة مالية توضع فيها المنظمة الدولية التي تعاني أساساً من أزمة مالية خانقة، إذ إنه يمس أكثر من خمسة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين من الذين هجّر آباؤهم وأجدادهم من ديارهم في العام 1948. 

و"الأونروا" هي المؤسسة الأممية التي تقدم خدماتها للاجئي فلسطين في كل من الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. ويتركز نشاطها على الجانبين التعليمي والصحي، إضافة إلى المعونات الإنسانية والمساعدات الإغاثية. ويتم تمويل "الأونروا" بالكامل من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ولا يوجد أي قانون يجبر المانحين على الدفع، لكن جرى العرف على أنّ الدول تقدم تبرعاتها ودعمها إلى "الأونروا" بشكل منتظم ومن دون مساس بها. ويمثل الدعم الأميركي للمنظمة الدولية نحو 40 في المائة من موازنتها، وفق مراقبين ومختصين بشؤون اللاجئين. وسيؤدي القرار إلى أزمة مالية حقيقية وكبيرة في المنظمة، في ظل ما يشاع عن عدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها كاملة في الأشهر المقبلة، وهي التي تعيش أزمة مالية حقيقية نتيجة زيادة متطلبات اللاجئين، وانخفاض مستوى التمويل في السنوات الأخيرة.


وفي هذا السياق، أشار المفوض العام لـ"الأونروا" بيير كرهينبول، إلى أنّ تقليص الإدارة الأميركية لمساهمتها المالية سيؤثر على الأمن الإقليمي، في وقت يشهد العديد من المخاطر والتهديدات في الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل ازدياد "التطرف". ودعا، في بيان صدر عقب تجميد جزء من الدعم الأميركي، العالم أجمع للتضامن مع اللاجئين الفلسطينيين وإطلاق حملة تبرعات عالمية للحفاظ على عمل المدارس والعيادات الطبية، لافتاً إلى أنّ "هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها الأونروا تحدياً كبيراً في التمسك بتفويضها والدفاع عنه، فهو يمثل تعبيراً عن إرادة المجتمع الدولي وحفاظاً على الخدمات الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية للاجئي فلسطين". وأعلن كرهينبول أن مساهمة الولايات المتحدة هذه السنة "دون مستوى المساهمات السابقة، وبفارق كبير، إذ بلغ إجمالي المساهمات الأميركية للعام 2017 أكثر من 350 مليون دولار أميركي"، مشيراً إلى أنّ الإدارات الأميركية السابقة "ساندت الأونروا وقدمت لها دعماً قوياً وسخياً ومتواصلاً". غير أنّ المفوض العام لـ"الأونروا" حاول، في بيانه، توجيه رسائل طمأنة للاجئين الفلسطينيين، إذ قال "إننا نعمل بتصميم مطلق لضمان استمرارية خدمات الأونروا"، داعياً، في الوقت ذاته، موظفي الوكالة الدولية للاستمرار في أعمالهم "باهتمام كما يفعلون".

وسيكون على "الأونروا" تقليص خدماتها، كما تفعل في كل أزمة مالية تعانيها، لكن المثير أنّ الخدمات التي يجري تقليصها وقطعها في وقت الأزمات لا تتم إعادتها في وقت الدعم الطبيعي والعادي. ومن الممكن أن تقوم الوكالة الأممية بإطلاق حملة دولية للتبرعات، كالتي أطلقتها قبل عدة أعوام مع تزايد الضغط عليها وزيادة حاجات اللاجئين، لكن حتى هذه الخطوة ليست مضمونة النتائج، وليس سهلاً أن تنجح في تعزيز المردود المالي للمنظمة التي تعيش أسوأ أزماتها منذ نشأتها بقرار أممي.

وقال رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية زكريا الأغا، لـ"العربي الجديد"، إن تقليص واشنطن مساعداتها لـ"الأونروا"، والتي تبلغ 125 مليون دولار مقررة للعام 2018، والإبقاء على 60 مليون دولار أميركي فقط، سيؤثر على طبيعة الخدمات المقدمة إلى اللاجئين. وأضاف الأغا أن الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر ممول لـ"الأونروا" بنسبة تصل إلى 45 في المائة من إجمالي الدعم الذي تتلقاه المنظمة، تحاول من خلال تقليصه أخيراً إنهاء المنظمة الأممية وإنهاء وجود قضية اللاجئين الفلسطينيين. وشدد على أنّ قرار التقليص الأميركي للدعم المقدم إلى "الأونروا" سيؤثر بشكل سلبي على مجمل الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية وغيرها من البرامج التي تقدمها المؤسسة الأممية لأكثر من 5.5 ملايين لاجئ فلسطيني.

واعتبر الأغا أنّ قرار التقليص الأميركي سيساهم في زيادة حدة التوتر في المنطقة، خصوصاً عندما يجد ملايين اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم من دون خدمات، في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة توتراً كبيراً، مشيراً إلى أنه ستكون لتبعات القرار الصادر عن إدارة ترامب نتائج خطيرة. ولفت إلى أن الفترة الحالية تشهد سلسلة من اللقاءات، مع المفوض العام لـ"الأونروا" والعديد من المسؤولين العرب من أجل الوقوف على خطورة المشهد، بالإضافة إلى المطالبة بإعادة الملف بشكل كلي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كونها الجهة التي أنشئت من خلالها الوكالة وتوفير الميزانية اللازمة من دون تعريض المؤسسة الأممية للابتزاز من هذه الجهة أو تلك. ورأى الأغا أن ترامب جاء لخدمة المشروع الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية من خلال الإعلان عن القدس "عاصمة" لدولة الاحتلال وتقليص موازنة "الأونروا" بهدف تصفية الوكالة ككل، والتغاضي عن الاستيطان. وأكد أن إجراءات ترامب الأخيرة تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية والالتفاف حول برنامج المقاومة الشعبية داخل الأراضي الفلسطينية والتحرك عربياً ودولياً لملاحقة الاحتلال.

من ناحيته، يقول رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة "حماس"، عصام عدوان، لـ"العربي الجديد"، إنّ التقليص الأميركي يعتبر الأول من نوعه من ناحية طبيعة الدعم الذي جرى تقليصه، بالرغم من أن كندا أحجمت عن الدفع للمؤسسة الأممية بين 2010 و2015، إلا أن إجمالي ما تقدمه لا يصل لنصف ما تقدمه أميركا. وأشار إلى أنّ الإدارة الأميركية تهدف من خلال سياسة التقليص الأخيرة "لتركيع الشعب الفلسطيني من أجل القبول بخطة ترامب"، في الوقت الذي تواجه فيه "الأونروا" من الأساس أزمة مالية بشكل سنوي. وأوضح عدوان أن تقديراتهم بشأن تقليص الدعم الأميركي، أنها ستأخذ طابعاً متزايداً خلال السنوات المقبلة، وخصوصاً أن الإدارة الحالية، برئاسة ترامب، تتخذ إجراءات واضحة تصب في صالح الاحتلال الإسرائيلي ومخطط تصفية القضية الفلسطينية. واستبعد تراجع إدارة ترامب عن التقليصات التي أعلنتها، وهي ستحاول الضغط على القيادة الفلسطينية لأخذ موقف سياسي عبر خلق المزيد من الأزمات لها من خلال ما سيطاول المؤسسة التي تعنى بشؤون اللاجئين. ورأى أن الحل الأمثل للخروج من الأزمة المالية التي تعصف بوكالة "الأونروا" يتمثل بتوجهها للجمعية العامة للأمم المتحدة لتعويض النقص في الصندوق الأساسي الخاص بها، وهو ما جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أن حضور نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الإسرائيلي، داني دانون، أدى لحذف الطلب وشطبه من جدول أعمال المنظمة الدولية. لكن فرص التقدم بهذا الطلب مجدداً تبقى قائمة، ولا سيما أن عمل دانون في هذه المنظمة سينتهي خلال 6 أشهر، وفق عدوان.

وقال الباحث في قضايا اللاجئين، حسام أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن إجمالي الموازنة الخاصة بـ"الأونروا" يبلغ نحو مليار و300 مليون دولار أميركي، في الوقت الذي تبلغ المساهمة الأميركية نحو 40 في المائة. وبين أحمد أن ما يجري حالياً هو محاولة لاستهداف قطاع غزة، خصوصاً عبر خلق المزيد من الأزمات المالية، ولا سيما أن الحضور الأكبر للمؤسسة الأممية هو في القطاع الذي يعاني من حصار إسرائيلي خانق ومشدد منذ العام 2006. وأشار الباحث الفلسطيني إلى أن القطاع هو المنطقة الوحيدة التي تستفيد من برنامج الطوارئ الذي تقدمه الوكالة الأممية، من أجل خدمة شريحة واسعة من اللاجئين، خصوصاً في ظل الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي الذي يعاني منه أكثر من مليوني شخص في غزة. ولفت إلى أن هناك أطرافاً إسرائيلية باتت تتحدث برغبة شديدة عن ضرورة شطب "الأونروا"، وهو ما ظهر في أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل في العام 1993، عبر تعالي النداءات المطالبة بإنهاء عمل المؤسسة الأممية. لكنه استبعد أن تكون واشنطن جاهزة حالياً لتحمل تبعات شطب "الأونروا" كمؤسسة دولية في هذه المرحلة، بالرغم من التقليص الذي فرضته على إجمالي ما تقدمه من دعم لها.